تاريخ حلب المصور أواخر العهد العثماني ـ 1880 ـ 1918، كتاب المحامي علاء السيد الذي حاز على جائزة الباسل للإبداع لعام 2011

في الـثامن من هذا الشهر؛ ديسمبر ـ كانون الأول، 2011 حاز كتاب المحامي علاء نديم السيد : تاريخ حلب المصور أواخر العهد العثماني ـ 1880 ـ 1918، جائزة الباسل للإبداع ضمن محور أفضل كتاب عن حلب. 

و يسعدنا عالم نوح أن نقدم لكم أعزاءنا، لمحة عن هذا الكتاب الشيّق بقلم الكاتب عبد الرحمن حمادي

تاريخ حلب المصور أواخر العهد العثماني …كتاب أغنى المكتبة العربية بمرجع موثق عن جزء من تاريخ المدينة

يؤكد علم النفس على أن الحنين إلى الماضي يكاد يكون غريزة فطرية في الإنسان، فيحن الإنسان للأمكنة التي ولد فيها وعاش طفولته فيها ويتذكر معالمها التي قد تكون قد تغيرت.

في مدينة عريقة تاريخياً كحلب يتحول الحنين عند عدد من الباحثين إلى اكتشاف وتوثيق.

وممن وثقوا لماضي حلب وشدونا بتوثيقهم الراحل عبد الله يوركي حلاق وعبد الله حجار وعامر مبيض.

ثم يأتي جهد قيم عبر كتاب (تاريخ حلب المصور أواخر العهد العثماني) للباحث المحامي علاء نديم السيد كتأريخ وتوثيق شاملين للفترة من عام 1880 وحتى 1918 .

وقد أعطى الدكتور بشير الكاتب الكتاب حقه من الثناء في تقديمه له قائلاً :
إن علاء نديم السيد رغم التزاماته المهنية شعر باهتمام خاص وانجذاب إلى تاريخ حلب القريب فخصص جزءاً كبيراً من وقته ووجد في هذا الكتاب متعة مميزة فقدم بذلك عملاً يشكره عليه كل من له اهتمام بتاريخ هذا البلد الحبيب حلب.‏

منهج الباحث‏

لعل خير من يشرح منهج العمل في الكتاب هو صاحبه في المقدمة حيث يورد جهده في العثور على صور نادرة لحلب، ومنها بدأ بحثه كما يلي:‏

البحث في تاريخ كل حي وبناء في حلب.‏

إيراد الصور الكثيرة التي بحوزته عن حلب باعتبار أن تلك الصور وثائق مرئية تؤكد المعلومات المدونة في الكتاب.‏

الحصول على أعداد كاملة من الصحف الصادرة في أواخر العهد العثماني .‏

قراءته (جداول السالنامة وما تضمنته من أسماء أعضاء كل مجلس إدارة الولاية والبلدية وغرف التجارة والصناعة والزراعة إلى جانب الرتب العثمانية من أعيان حلب في ذلك الزمان والقناصل ومترجميهم.).‏

الباب الأول ـ لمحة تاريخية‏

قسم الباحث كتابه إلى أبواب وكل باب إلى عدة فصول فيتحدث في الباب الأول عن حلب في زمن الاسكندر المقدوني ثم في زمن الرومان ثم البيزنطيين فزمن الفتح الإسلامي ثم زمن الحمدانيين، بعدها يكتب عن بناء قلعة الشريف وتوسعة السور لينتقل إلى حلب زمن الزنكيين والأيوبيين والفرنجة والمماليك فزمن المغول وجنكيزخان، وحلب المملوكية بعد اجتياح تيمورلنك.‏

في الفصل الثاني يتحدث عن حلب في العصر العثماني، والجيد أنه في الفصل الأول والثاني يوثق بجملة خرائط لحلب في الفترات التي يتحدث عنها، ومما يرد في هذا الفصل :

(خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وصولاً حتى بداية القرن الثامن عشر توسعت المدينة باتجاه الشرق عندما قدم إليها الانكشاريون المحليون وقطنوا الأحياء الجديدة في بنقوسا وقرلق والحي الجديد المتوضع أمام باب النيرب) .‏

انتشرت كروم الفستق الحلبي شرق المدينة بينما انتشرت البساتين غرب المدينة على ضفاف قويق لأن الكروم لاتحتاج للمياه بينما تحتاج إليها مزروعات البساتين ص 39.‏

وفي عام 1866 شكلت ولاية حلب وعينت لها والياً هو جودت باشا صاحب الكتاب المشهور تاريخ جودت ـ ص 42 .‏

على هذا النمط من التوثيق الصبور والمتقن يتابع الباحث انجاز عمله فيتحدث في الباب الثاني عن حلب في عصر السلطان عبد الحميد الثاني ويتضمن أحد عشر فصلاً .

وفي الباب الثالث يحكي عن حلب في العهد الدستوري العثماني ويتضمن خمسة فصول .

والباب الرابع عن حلب خلال الحرب العالمية الأولى في أربعة فصول.‏

توثيق وتوثيق‏

لانملك مع كتاب ضخم إلا الاستعراض الصحفي الذي هو مجرد إشارة لاتفي هذا الجهد حقه، فمن جهة الصور يورد الباحث 340 صورة نادرة .

عدد كبير منها يعود لبدايات اختراع التصوير، وتشمل الصور صور الزعيم إبراهيم هنانو وشخصيات حلبية ، ومنشآت اندثرت وعمارات كانت ثم اختفت، وخانات قديمة، وصور حياة أهل حلب الاجتماعية في الماضي وولاة حلب .‏

وفي الخرائط يرد في الكتاب 15 خريطة وثائقية منها جزء من الخريطة التي وضعها روسو لحلب عام 1818 ومخطط حلب في فترة مابعد غزو تيمورلنك وبداية العهد العثماني، ويتحدث عن ولاة حلب وشخصياتها.‏

وتسهيلاً للاستفادة من الكتاب للباحثين يخصص الباحث في نهاية كتابه فهارس هي جهد إضافي على جهده وتشمل :

فهرس الصور ـ فهرس الخرائط ـ فهرس ولاة حلب ـ فهرس الشخصيات ـ فهرس المباني ـ فهرس الأحياء والشوارع ـ فهرس تاريخ بلدية حلب ـ فهرس مجلس إدارة ولاية حلب ـ فهرس تمثيل حلب في مجلس المبعوثان العثماني ـ فهرس غرفة تجارة وزراعة وصناعة حلب .‏

هذه الفهارس كما قلنا جهد اضافي مشكور من الباحث لأنه يذكر مثلاً الصورة باسمها والصفحة التي وردت فيها ، ثم يورد المراجع الكثيرة التي عاد إليها واعتمد عليها في اتمام جهده.‏

متعتان‏

لا أعرف الزمن الذي استغرقه جمع وثائق هذا الكتاب ولكن من الواضح أنه زمن طويل من الجهد والتنقيب والبحث عن الوثائق .

وليمنحنا الباحث في النهاية متعتين على الأقل ، متعة قراءة جزء هام من تاريخ حلب ، ومتعة الصور والخرائط والتوثيق لكل فقرة . 

وهو ما جعلنا نشعر أننا نشاهد فيلماً سينمائياً توثيقياً عن حلب قديماً.

وهو ما أعطى الكتاب خاصية جذبنا إليه بقوة فلا يستطيع متصفحه إلا أن يلتصق به ويغوص بين صفحاته مستمتعاً باكتشاف الماضي كلمة وصورة وخارطة.‏

وبعد:‏

كما قلنا، نحن أمام جهد كبير وكتاب ضخم نعجز عن إيفاء صاحبه حقه في ضيق المساحة التي تفرضها الكتابة الصحفية ، ولكن نقول إن المكتبة العربية بهذا الكتاب قد اغتنت بمرجع هام عن جزء من تاريخ حلب بقدر ما تمتعنا قراءته اليوم بقدر ما سيشكل مرجعاً موثوقاً للدراسات الأكاديمية عن حلب.

عبد الرحمن حمادي