إنّ قراءة ديوان “تامارا” للشاعر “حامد بدرخان” يُدخل القارئ في كثير من الدرامات والقصص التي تنتهي في غالبها بالحزن والضياع والتشتت، فهو في ديوانه هذا يطلق العنان لمشاعر فيّاضة وإحساسٍ بالحزن والفقد والفراغ قد يقف عنده الكثير من القرّاء؛ وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى إحساسه بنفسه وتصالحه معها ومدى انغماس هذا الوجد في كيانه لدرجة أصبحت الحياة كلّها مآسٍ وأحزان..

تامارا وحامد بدرخان  

إنّ قراءة ديوان "تامارا" للشاعر "حامد بدرخان" يُدخل القارئ في كثير من الدرامات والقصص التي تنتهي في غالبها بالحزن والضياع والتشتت، فهو في ديوانه هذا يطلق العنان لمشاعر فيّاضة وإحساسٍ بالحزن والفقد والفراغ قد يقف عنده الكثير من القرّاء؛ وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى إحساسه بنفسه وتصالحه معها ومدى انغماس هذا الوجد في كيانه لدرجة أصبحت الحياة كلّها مآسٍ وأحزان.. 

ولعلّ اسم "تامارا" يحتل موقعاً بارزاً في قصائده التي لا تكاد واحدة منها تخلو من هذا الاسم، الامر الذي يثير قلقاً أحياناً وفضولاً في معرفة هذه التامارا التي أخذت من شاعرنا ديواناً كاملاً كما بلقيس نزار أحياناً أخرى، فبالإضافة إلى أنوثة "تامارا" وروعتها فهي في كثير من الأحيان تأخذ دور الجليسة والأم والأرض وهي التي تسمع شجون الشاعر وآلامه في حين يتركه الجميع في وحدته ويكونون أضعف من أن يسمعوه، حتى أن هذا الاسم بذكره المتكرر يدخل في كثير من الأحيان حد الإسراف والحشو إلى أن يبدو في بعض المقاطع زائداً عن الحاجة ووجوده يتساوى مع عدمه.
إن مجموعة "تامارا" هي محاكاة لذات الشاعر واستخلاص لما فيها وانعكاس للحياة التي كان يعيشها، إذ يقول في إحدى قصائده:
"أجلس وحيداً فلا أجد من يكلّمني سواك يا "تامارا"
ويقول في موضع آخر:
"أهرب من خطاي فأجدني مقهوراً يخونني الدمع"
حتى أنه في بعض القصائد يتخذ طابع السكر ليهرب من واقعه الأليم ومعاناته الطويلة التي بدأت تتسلل في تفاصيل حياته كلّها، ولعل السكر من انجع الطرق في التخلص من واقع مرفوض ومفروض على الشاعر، فيقول:
"أرحل بعيداً في متاهات فكري
نشواناً من السكر
أتمايل يميناً وشمالاً
أمطر دموعاً تتحول إلى أناشيد"
ففي مجمل قصائده نرى دموعه تتطاير لتؤدي وظيفة واحدة فقط وكأنها خلقت لأجلها دون غيرها ألا وهي التحوّل إلى أناشيد.. 

ولعلّ ثقافة الشاعر الواسعة وإطلاعه الكثيف على الآداب العالمية كان له التأثير الظاهر على نتاجه الأدبي هذا، إذ نجد بصمات واضحة لمحمود درويش في قصيدته "الموقف 3" التي يقول في مطلعها:
"تامارا…
لا تغلقي عينيك…
فأنا مازلت أتابع سفري الطويل….
تامارا….
هذا الدرب الطويل…
أمشيه بلا وحدة….ترافقني كلماتك"
وهي إلى نهايتها تلامس قصيدة محمود درويش من حيث البنية والموضوع إلى حد ما:
" خديجة…..
لا تغلقي الباب….
لا تدخلي في الغياب…
سنطردهم من إيناء الزهور
وحبل الغسيل
سنطردهم من حجارة هذا الطريق الطويل"
حتى أننا يمكن أن نجد في مجموعته هذه نفساً واضحاً للشاعر الفرنسي "بودلير" في مجموعته المعروفة "أزهار الشر" التي تحاكي أيضاً الضياع والحرمان والعذاب والانسلاخ عن العالم المعذَّب، إلى درجة يشعر القارئ فيها أن نصوصه قد تم ترجمتها عن الكردية أو التركية التي كان يتقنهما وله نتاج جمّ فيهما ولعل هذه الترجمة تبدو جلية في الأسلوب المتبع في الكتابة بالإضافة إلى كلمة الأستاذ "ماجد محمد" في مقدمة المجموعة العربية الكاملة التي يقول فيها وهو يدعونا إلى قراءة نصوص هذا الشاعر كما نقرأ "ماياكوفسكي، يوجيف أتيلا، بول ايلوار، يانيس ريتسوس…الخ" ونلاحظ من خلال هذه الأسماء أنها أسماء أجنبية بالكامل، وعلى الأرجح نحن كقراء قد قرأنا بعضاً من مؤلفاتهم المترجمة إلى العربية وليس النصوص الأصلية باللغة الأم، إذا، فهي دعوة إلى قراءة نصوص حامد بدرخان مثلما نقرأ أية نصوص مترجمة وهذا ما أغفل ذكره جامعوا القصائد بشكل واضح في مجموعته الكاملة مما خلق ارباكاً لدى المتلقي بين تقييمه كأدب عربي مكتوب باللغة العربية أو بين تقييمه كأدب مترجم عن لغة أخرى، ولعل هذا الإرباك سوّغه لنا الشاعر نفسه الذي كان يشعر ضمنياً بأن نصوصه ليست شعراً وإنما هي مجرّد نصوص وأفكار صاغها بالشكل الذي نراه بين أيدينا، وقد خرج هذا الشعور ليطفو على جسد القصيدة عندما صرّح في ديوان "المقاومة بصدور مفتوحة" بذلك، إذ يقول في قصيدة "من أجل العمل والعدالة":
ربما تضحكون على كلماتي
بأنها ليست شعراً…
ولكن أقول
هي الذخر المجيد
لكل الحركات الثورية.
وهذا أيضاً ما أغفله القائمون على طبع هذه المجموعة عندما أسموه شعراً، ولكن الشاعر رغم ذلك امتلك نفساً واضحاً وأوجاعاً واضحة، وهو بهذا يضيف إلى الثقافة الكردية بصمة لا يمكن أن تكون باسم آخر او بتوقّع غير توقيع "حامد بدرخان".. 


ومن الجدير ذكره ختاماً أن الشاعر "حامد بدرخان" من مواليد "شيخ الحديد" في منطقة "عفرين" التابعة لمحافظة حلب عام 1924 وتوفي في حلب عام 1996، وفي رصيده ما يقارب الثلاثين ديواناً شعرياً، منها خمسة عشر ديواناً باللغة التركية واثنان باللغة الكردية وحوالي أحد عشر ديواناً باللغة العربية… 
ونترككم الآن مع قصيدة له من ديوانه "تامارا" والتي هي بعنوان "الطريق المعتم":

تامارا..
ضميني إلى صدرك طفلاً
حاجته دفء الأمومة المغروسة في جسد الأرض..
أمي..
أرمقيني بشفقة من عينيك الذابلتين انتظاراً..
فبعض المذنبين يستحقون جزءاً من الشفقة..
وذنبي أنني أتيت العالم وحيداً…
انسي أنني أتيت إلى هذا العالم..
حافياً..
عارياً..
مغمض العينين ينتظر المجهول..
باكياً ينتظر مرضعته..
ومن يمسح دمعه..!
تامارا..
لا تضحكي فهناك من يبكي النهار ليلاً
لا ترفعي صوتك غناءً..
فالموتى نائمون..
يسترقون السمع..
لا توقظيهم من غفلتهم…
لا تتكلمي..
فالكلمة قوت للغد..
لا تلبسي الثراء..
فهناك من هم عراة تحت الشمس
الراحلة في جنازة الفقراء الأبرياء…
اقطفيني زهرة..
وضميني إلى صدرك..
بجانب قلبك..
شميني حتى الغثيان..
واسكري من رائحتي…
أشبعي عينيك مني..
ارسميني على قبرك…
قدميني إكليلاً لتلك الجنازة التي ترافقها الشمس..
تامارا..
لا تبكي..
فالبكاء….. صلاة المذنبين ليكفّروا عن سيئاتهم..
أخطائهم..
ونحن لم نخطئ..
بل كان خطؤنا
هو مجيئنا لهذا العالم.
أغيد شيخو_ عالم نوح