قصة لشادي قيس نصير، نتمنى أن تنال إعجابكموطار الحمام تلك الساعة جافلاً من صوت قطار المسافات الطويلة، أصبح رماد نار الفجيعة ونثر مع دخان قطار

السيرة الذاتية لشادي قيس نصير          مجموعة قصص قصيرة جدا لشادي قيس نصير

 

                               
توت توت_شادي نصير


وطار الحمام تلك الساعة جافلاً من صوت قطار المسافات الطويلة، أصبح رماد نار الفجيعة ونثر مع دخان قطار كانون الأول الداكن بعيداً الى خلف الجبال البعيدة.
بالنسبة لي لم ينتهي أي شيء، أصبحت في حالة غليان، فالساعات القليلة التي مرت جزء يسير من متوالية الأيام التي سأنتظر فيها طويلا ً وعقرب الدقائق يصر على لسعي بحركته الرتيبة في كل جزء متناهي الصغر من الوقت.
مضى على دخوله غرفة العمليات نصف ساعة، وزمني أصبح قريباً جداً من الوقوف التاريخي للساعات التقليدية في المدن العريقة، من بعيد يفتح باب عريض على مصراعيه ويخرج الطبيب ببطء أقترب بلهفة مسرعاً.
لم يخيل لنفسي بأنها ستنسج بإبر الألم وأنوال مهترئة الأوصال.
أعلم بأن حالته سيئة وبأن زرع الكلية لا يسير بحالة حسنة ولثوان قليلة تمنيت الخروج من جدران البناء وأن أطير وأطير مع السحب إلى مكان يضاء بلون الشمس الذهبي، انتبه لتفكيري، أقمعه بقوة…
أحتسي الألم ككأس عرق أبيض والأحجار اللؤلؤية ضمنها تذكرني بالصقيع الذي اجتاحني فجأة، أستمع لنصائح الأطباء وأدخل البوفيه، غرفة تشبه كل شيء إلا غرفة في مستشفى، علب سجائر فاخرة، علب تنك، وزجاج لمشروبات غازية و أطعمة بروائح ذوات نفوذ قوي على الأنوف وكأنها المديات، أقاوم الخوف الذي اجتاحني فجأة أغمض عيني وأسترجع صورة العذراء أقبلها وأدعوها أن تستره في هذه الساعات التي يعيشها بين الموت والحياة.
أنظر إليه بطرف ذاكرتي وابتسم أرمش له وأتذكر طفولة حالمة وورود تسيج أغلفة أيامنا وحبل غسيل يمطر ملاقط كونت منازلاً و حارات وهمية وطيوراً و سيارات و قطارات …. يومها صوت قطاراتنا التي نسجناها بمخيلة بريئة كانت تصم آذان من في الحارة
أتذكر ذلك المشهد جلياً قطار لي وقطار له بعربات من ملاقط بلون الخشب وركاب بلون أحمر لي وأزرق له قالها بسعادة فالنتسابق ونموت باصطدام كبير هيا … هيا …
أصرخ
ـ نتسابق … نتسابق
نعود إلى اللعب بضجة صبيانية, نقترب من بعضنا ونبتعد وكأننا نهرب من قدر النهاية، نصطدم تارة نقع أرضاً ونغني توت توت ويعلوا الضحك ويرتفع توت… توت.. توت قطر زغنتوت
ألملم أوراقاً عمرها أعوام من بعثرة قسرية، أضمها ثانية واعداً إياها بأنها ستبقى كشذى أرزة في جبالنا العالية.
أعود إلى الممر الطويل أحضن والدة صديقي بكثير من الحب تغمرني وتغرق عينيها في بحر مليء بخوف عظيم وتنكتم الغصة في حلقي، ابتعد وأقف في زاوية معتمة انتظر ما تبقى من فصول
الوقت رتيب وصوت النداء في المستشفى يوتر الأعصاب، ألمح طبيبا ًأخر مطأطأ الرأس يهب الجميع مسرعين أقف في الزاوية متلكئاً لا أتحرك أرى الكل في مشهد طقسي حزين، أحد يركع على الأرض وأخر يستند على جدار بحاجة لمن يسنده وصراخ يعلو
لا أميز الحدث….
أرى العجوز تتجه نحو النافذة، تغمض عينيها ترفع يديها عالياً، تسجد أرضاً وتناهى إلى مسمعي صوت ارتطام قطارا ملاقط الغسيل وتبدد صوت توت توت