ثانوية المأمون مصنع العظماء في حلب دراسة للـ د. جمال طحان
- أغسطس 4, 2010
- 0
“حلب” لا يكفيها الاعتزازُ بالقلعةِ، فهناك أسواقُها ومساجدها وأحياؤها القديمة وحمَّاماتُها وخاناتُها. وهناك قامات بشرية مشعَّةٌ كـ”سيف الدولة” و”الفارابي” و”المتنبي” و”الكواكبي” و”ابن العديم” و”الطبّاخِ” و”الأسدي” وكثيرين غيرهم. كذلك تقف “ثانوية المأمون” شامخة منذ تم إنشاؤها عام/1892/ ألفٍ وثمانمئةٍ واثنين وتسعين، وقد تم الحديث عن الثانوية في الكتاب الماسيّ الصادر بمناسبة مرور 75 عاماً، والكتاب المئوي الصادِر بمناسبةِ مرور 100 سنةٍ على إنشائها. دراسة للدكتور محمد جمال طحان
"حلب" لا يكفيها الاعتزازُ بالقلعةِ، فهناك أسواقُها ومساجدها وأحياؤها القديمة وحمَّاماتُها وخاناتُها. وهناك قامات بشرية مشعَّةٌ كـ"سيف الدولة" و"الفارابي" و"المتنبي" و"الكواكبي" و"ابن العديم" و"الطبّاخِ" و"الأسدي" وكثيرين غيرهم. كذلك تقف "ثانوية المأمون" شامخة منذ تم إنشاؤها عام/1892/ ألفٍ وثمانمئةٍ واثنين وتسعين، وقد تم الحديث عن الثانوية في الكتاب الماسيّ الصادر بمناسبة مرور 75 عاماً، والكتاب المئوي الصادِر بمناسبةِ مرور 100 سنةٍ على إنشائها.
وقد وَرَدَ ذكرُها في أغلب الكتبِ التي أرَّخَتْ لـ"حلبَ" في مراحلِها الأخيرة،
ككتاب (إعلام النبلاء) للشيخ "راغب الطبّاخ" وكتاب (نهر الذهب)للشيخ "كامل الغزِّي" وكتاب (حلب في مئة عام) للمرحوم "أسعد عنتابي" والدكتورة "نجوى عثمان…" وغيرها كثير.
عن الثانوية وتاريخها يحدثنا أحد المدرسّين القدامى في الثانوية الأستاذ "محمود محمد أسد" الذي سألناه عن أهمية اختيار موقع الثانوية فقال: «إن اختيار الموقع الذي بُنِيَتْ عليه المدرسة يدلُّ على حصافة رأي وحسن اختيار ودراية، فهو على مقربة من مركز المدينة باتجاه ساعة باب الفرج وعلى الضفة الغربية القريبة من نهر "قويق" وعلى هضبة مرتفعة مفتوحة إلى الجهة الغربية المعروفة بلطف هوائها العليلِ إلى يومنا، وكان الفضلُ يعودُ إلى والي "حلب" "جميل حسن باشا" ومع هذا المكتب أقامَ الوالي مدرسة سُميَتْ بالرشدية ثمَّ سميَت بالإعدادية العسكرية أو الإعدادية المدنية وكانت مقراً لمديرية التربية في "حلب" وطرازها المعماريّ رائعٌ بهندسته وحجارته» .
وعن البدايات، قال: «في الوقت الذي بدأ يأفل نجم السلطنة العثمانية وتتقطع أجزاؤها برزت فكرة بناء المكتب الإعدادي وهو الاسم الأول للمأمون فقد صدر مرسوم ( فرمان ) من "السلطان عبد الحميد الثاني" وكانت مدرسة إعدادية في البداية فالدولة العثمانية كانت تُنشئ في مركز كل ولايةٍ ثانوية كاملة تسمِّيها المكتب الإعدادي ويتألف من أحد عشر صفَّاً أو اثني عشر صفاً حسب سنين الدراسة.
ويُشاركها في هذه الصفة "مكتب عنبر" في "دمشق" من عام
المدرسة في بداية إنشائها (المكتب الإعدادي)
1890إلى عام 1936، ثم انتقل المكتب إلى ثانويتي "جودة الهاشمي" و"ابن خلدون" وكان افتتاح المكتب الإعدادي عام 1992 وقد كلِّفَ بناؤه 30 ألف ليرة عثمانية ذهباً وفي بعض الكتب والروايات 20 ألف ليرة…
وقد صمَّم هذا البناء مهندس معماري فرنسي على شكل (E) اللاتيني وأقيم حولها حدائق وملاعب وسور، وبعد الإحداثات وبناء الملحقات المتتابعة بقيت هذه المساحات الواسعة. وفي عام 1933 بني ملحق مدرسة (التطبيقات التاجيّة) نسبة لـ "تاج الدين الحسيني" رئيس الحكومة آنذاك وبعد انتقال "مدرسة التطبيقات" ودار المعلمين ألحقت بالثانوية لتشمل ست شعبٍ لصفيَّ السادس والسابع وبني فوقها طابق ثان لدار المعلمين الابتدائية وإلى جانبها فسحة خُصِّصت لرياضة "كرة الطائرة " و"كرة السلة".
وقد قامت "المأمون" منذ بدايتها بدورها التربوي والتعليمي، فضمَّت النخبة من المدرِّسين المؤهلين المحبِّين لمهنتهم، وهذا ما جعلها قبلة المتعلمين وأمنيَّة الدارسين. فكان المدرِّسون يخضعون للانتقاء ويفتخرون بأنّهم درَّسوا فيها وكان المنقول منها يَحْزَنُ، ويعتبرُ كرامَتَهُ مُسَّتْ بسوءٍ. فقد حوت النخبة من المدرسين ومن أرفعِ المستويات من الأدباءِ والشعراء والفنانينَ والمربينَ المختصينَ».
كما التقينا مدير الثانوية الأستاذ "يونس قاسم" الذي تحدث عن ثانوية المأمون قائلاً: «لم تكن المأمون عبر تاريخها وفي مختلف تسمياتها معزولة عن الواقع والنضال بل كانت البؤرة المركزية، فيها التجمّع ومنها الانطلاق وعلى مقاعدها التكوين، تتجسَّدُ اللحمة الوطنية والقومية بين أساتذتها وطلاّبها ولذلك واكبت كلَّ قضايا الوطن والأمة، وكان لها الموقفُ الفاعلُ الصادق في
من كادر المدرسة في القرن قبل الماضي
كلِّ حدث، وكان يتمُّ ذلك عن طريق لجنة طلاّب المأمون فانطلاق الإضرابات والمظاهرات من المأمون ويكون هذا مع ترديد الأناشيد الوطنية وكثيراً ما كانت تؤدي إلى صدامات مع الأمن وجيش الانتداب وقد قدَّمت شهيدين من أبنائها هما "أحمد القدسي" ومعه "عبد العزيز حاووط" من الصنائع وقدمت أيضاً الشهيد "عبد الحميد بن شعبان زيدي" ويذكر الكثيرون في أحاديثهم ومذكراتهم دور المأمون الهام في هذا المجال».
في عام/ 1968/ احتفلت الثانوية بالذكرى الماسيّة وذلك بمناسبة مرور (75 سنة) وكان احتفالاً لافتاً وترك أثراً حسناً وتوِّج بإصدار كتاب (المأمون الذكرى الماسيّة)، وهو كتاب توثيقيٌّ غنيٌّ بالمعرفة والذكريات والانطباعاتِ والمقالات المفيدة. وقد ذكرت تفصيلات هذا الحدثِ الهام في كتاب الذكرى المئوية حيث أقيمَ معرضٌ فنيٌّ وعلميٌّ بمشاركةِ جميعِ المدرسين المختصين والطلابِ ولمدَّةِ عشرة أيام (جناح للرسم وآخر للتاريخ والنقود والطوابع والمخطوطات وجناحٌ للجغرافيا وآخرُ للتصوير الفوتوغرافي، وجناحٌ للعلومِ الفيزيائية والكيميائية. وجناحٌ للعلوم الطبيعية وآخر للزخارف والديكور…)
ولهذا المعرض فضل في كشف مواهب فنانين شقّوا طريقهم بثبات وقدرة ("سعد يكن"– "مأمون صقَّال"– "عصمت عبد القادر"..) وكان هناك احتفالٌ خطابي وفنيٌّ في بهو الثانوية حضره جمهور من نخبة المثقفين والمفكرين حضره ("زكي الأرسوزي" و"سليمان العيسى" و"عبد الغني جودة "…) والحفل الفنّي في مسرح رعاية الشباب بـ"حلب" لمدّة ثلاثة أيام وصوَّره التلفزيون وعرضه يوم الخميس 23/أيار/1968 وهذا الحفل قدّم مواهب واعدة شقِّت طريقها:
(الدكتور "سعد الله آغا القلعة"،
قبل بدء الترميم
الفنان "رضوان علاء الدين" والممثل "مجد قباني" والمخرج "صقر بدرخان").
في عام/1992/ كان الاحتفال الرسمي بمناسبة إحياء الذكرى المئوية وقد كلِّلَ بإصدار الكتاب المئوي التذكاري. وهو كتاب حوى كلماتِ المهرجانِ والمسؤولين وانطباعاتٍ وذكرياتِ المدرسين والمدراءِ والطلابِ السابقين. وحفل بصور تذكاريةٍ جميلة. وقصائدَ تتغنَّى بالمأمون وفضلِها. ويضافُ إلى الكتابين الهامين المذكورين عدّة أعداد من مجلة المأمون وهي أعداد غنية صدرت في عام/ 1967 – 1968/.
التقينا أيضاً "سعد زغلول الكواكبي، وهو قاضٍ متقاعد حدثنا عن ذكرياته في الثانوية، فقال: «أثارتني وقعة يوم الأحد /9/آذار/1941 في مدرسة التجهيز مع الجيش الفرنسي، فقلت:
«يامعهداً للصِّبا هيَّجْتَ بي شجني/ ذكَّرْتني ما مضى من سالفِ الزمنِ
أيَّامَ عهدِ نضالٍ ضدَّ مستعمرٍ/ سعى إلى قهرنا بسائرِ المحنِ
يا يوم تاسعِ آذارٍ شَمَخْتَ بنا/ فكيفَ نَنْساكَ والأرواحُ في البدنِ
والجابريُّ شكيبٌ كان أستاذَنا/ يرمي الحجارةَ، في العراكِ لم يهنِ
ومصطفى آلُ نعسانِّي من صفِّنا/ مشاركٌ في النضالِ والبلا الحسنِ
ألا اذكروا أيُّها الطلابُ أيَّامنا/ فقدْ سَطَرْتُ لكم تاريخ يا مشعلَ الوطنِ».
ثانوية المأمون منذ بداية إعلان "حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية عام/2006/ وهي قيد الترميم الذي تبرع به الأستاذ "عبد العزيز السخني" أحد طلابها القدامى الذي يباشر الإشراف على التنفيذ بكلفة تفوق /60/ مليون ليرة سورية، وقد زرنا المدرسة منذ أيام وهي قيد الإنجاز، وفي المراحل النهائية من عملية الترميم وقد عاد إليها رونقها القديم وأزيلت الأسوار الطفيلية التي كانت تخفي جمال المدرسة وأعيدت إليها القضبان الحديدية المزخرفة، ولعلها تصبح قيد العمل في مطلع العام القادم.
مقالة للـ د.محمد جمال طحان كان قدمها في موقع eAleppo والصور خاصة بموقع عالم نوح