ثلاثة بورتريهات للناشطة الثقافية كوليت اسكندر سركيس ..
ممهورة بتوقيع الفنان والناقد التشكيلي أديب مخزوم ..

ثلاثة بورتريهات للناشطة الثقافية كوليت اسكندر سركيس ..
ممهورة بتوقيع الفنان والناقد التشكيلي أديب مخزوم ..

متابعة نوح حمامي
——————————————– عالم نوح ————–


أنجز الفنان والناقد التشكيلي المعروف أديب مخزوم مؤخراً، ثلاثة بورتريهات شخصية للناشطة الثقافية والاجتماعية وأميرة الإعلاميات المغتربة اللبنانية في "سيدني – استراليا " كوليت اسكندر سركيس، تقديراً لدورها في دعم الفن والفنانين، ولمواقفها الإنسانية والحضارية وإخلاصها اللامحدود ، والذي يبرز كردة فعل معاكسة لأزمنة الجهل والتخلف والرعب، والردة الى العصور الحجرية الغابرة في فجر التاريخ، والترويج لكل ما هو وقتي وزائل وعابر وموسمي، على حساب تغييب الفن الحقيقي والإحساس والمشاعر العميقة والصدق والوفاء الإنساني، ويكفي أن ننظر إلى هذه البورتريهات أو إلى واحدة منها، حتى ندرك مدى قدرتها على تحقيق عناصر الشبه التام، بمرونة صياغتها الواقعية، التي يحكي من خلالها، حكاياته مع الرسم الواقعي بقواعده وأسسه وعناصره، القادرة على التجدد والتفاعل مع معطيات وتطلعات الحداثة التشكيلية، في تفرعاتها وتشعباتها وتداخلاتها مع ثقافة فنون العصر.


ويزداد هذا الشعور إذا تلمسنا أسلوبه الفني الخاص، في الرسم الواقعي، بعد سلسة تجاربه ومعارضه في التشكيل التعبيري والتجريدي. فبورتريهات كوليت، تميل أكثر فأكثر نحو الأمانة المشهدية، لدرجة الشبه بين الرسم والحقيقة، والإدراك هنا حقيقي، يوازن في إيقاعاته ما بين معطيات الصياغة الأكاديمية والواقعية واللوحة الحديثة، التي نجد تأثيراتها في خلفيات تلك البورتريهات، وعبر طريقته الخاصة في رسم الورود والزهور، كل ذلك يعطي اللوحة عناصر إبداعية، تحمل هواجسه وتطلعاته الثقافية، وهو يمتلك قدرة على اختيار الزاوية المناسبة للجلسة ، ولهذا فلوحاته في تحولاتها وتنقلاتها بين الواقعية والتعبيرية والتجريدية تتنوع، لأنها مجال مفتوح على اختبار القدرة على الرسم والتلوين القائم على الوعي والإشارات العقلانية، مثلما هو مفتوح على التلقائية والعفوية ومعطيات الحداثة.


فإذا أردنا تحليل هذه "البورتريهات" التي رسمها أديب مخزوم لوجه كوليت، نجدها تجنح نحو المثالية في محاكاة سمات الأصل، بوضوح ودقة وانسجام ، دون أن تقع في فخ التأثيرات التسجيلية السهلة، وهي تعبر في النهاية عن أبجدية أو أسلوب خاص بالفنان، يستمد قوته من مقدرته على رسم الوجه الواحد بوضعيات أو بجلسات مختلفة، ومن المدى السحري للمسة اللونية، التي تعتمد الحركة الهادئة والعفوية في آن ( فالوجه على سبيل المثال غالباً ما نجده منفذاً بعفوية، أقل من مقاطع أخرى في اللوحة تبدو أكثر تحرراً، ولاسيما في الخلفيات المرسومة بتقنية مختلفة وبتلقائية ملطفة أو محددة بنقاط ارتكاز عقلانية ) .


هكذا ترتكز صياغات تفاصيل الملامح وخطوات اقتناصها ورسمها بلمح البصر، على أرضية أكاديمية وواقعية ، وتؤكد قدرة الوصول إلى الأكاديمية المتحررة والواقعية الجديدة ، حيث يبرز هذا الدمج الحيوي بين النتاج الأكاديمي والبحث عن صياغة لونية عفوية، ولاسيما في الخلفيات ، الحاضنة لعناصر الورود والزهور، بألوانها وعبقها واخضرارها الدائم والمتجدد ، وهذه البورتريهات تشكل بالنسبة له الدافع الأول لإيجاد الركائز الأساسية، في صياغة لوحة فنية واقعية لها علاقة متينة، مع المناخ الذاتي والحداثة التشكيلية، كونها تحمل بصمته وخصوصيته التقنية. فقد استطاع من خلالها، كشف أسرار وتقنيات الرسم، باستخدام ألوان الاكريليك والزيتي على الكانفاس، ووصل إلى مواصفات العمل الفني المميز، بحيويته وحركته التعبيرية الحاملة مسحة واقعية، لم تكن مجرد أداء تسجيلي أو تقليدي أو كلاسيكي .


لذا نتوقف حول ناحية جوهرية تكرس مخزوم كواحد من المصورين الواقعيين، إلى جانب تميزه بأسلوب خاص في الرسم التعبيري على خلفية تجريدية، والذي تكرس في معارضه الفردية والمشتركة. فلوحاته في تحولاتها وتنقلاتها بين الواقعية والتعبيرية والتجريدية، تغري العين وتمنح الموضوع تجلياته المتجددة وزمنه المعاصر .


وعودة أديب مخزوم الى الرسم الواقعي، بعد معرضه بدار الأوبرا في دمشق في صيف 2016، والذي دمج فيه بين الواقعية والتعبيرية والتجريدية ، تؤكد أن فن البورتريه هو عشقه المزمن، وهو فن قادر على التجدد عبر الممارسة المستمرة، ومن خلال البحث عن صياغة خاصة، متجهة دائماً نحو المزيد من الحرية والابتكار والرؤى المستقبلية.
وهذه المواصفات المتجددة، لابد أن نلمسها إذا تتبعنا لوحاته في مجال رسم البورتريه، حيث رسم في السنوات الأخيرة بورتريهات عديدة، ومن ضمنها بورتريه للإعلامية وملكة جمال لبنان السابقة أنجيليك مونس طعمه، وعدة بورتريهات لابنته مارلين، الى جانب بورتريهات ساحرة الاطلالات كوليت، ولقد حملت هذه البورتريهات، منذ البداية نفحات من الحماس والعفوية والصدق، وكشفت عن إمكاناته في السيطرة على مفردات التكوين الواقعي، ومواجهة الموديل، وتحسس إيقاعات اللون والخط والنسب وتدرجات الظل والنور، وغيرها من الأسس الأكاديمية الثابتة .


هكذا يتفاعل مخزوم مع الموديل والتجربة ، ويسير في إطار متجدد، لإيجاد حلول جديدة للتأليف الواقعي والحديث ، من خلال البحث عن تغييرات في الوضعية أو الجلسة، وهو في الغالب يفضل رسم الوجوه النسائية حصراً، لأنها تحسن تلقي النور، وتعكس رموز تداعيات جمال المرأة، بذوق مرهف يحقق حالات الافتتان الأنثوي .