جماليات التراث في الرواية السورية المعاصرة لعلياء الداية
- مايو 3, 2014
- 0
* جماليات التراث في الرواية السورية المعاصرة ـ د. علياء الداية
يسعى كتاب “جماليات التراث في الرواية السورية المعاصرة”، للدكتورة علياء الداية، إلى تحليل نقدي جمالي للتراث في الرواية السورية خلال العقد الأول من الألفية الثالثة
“لو لم يكن اسمها فاطمة” لـ خيري الذهبي، و”العرّاف والوردة” لـ محمد أبو معتوق، و”ورّاق الحبّ” لـ خليل صويلح، و”بنات نعش” لـ لينا هَويان الحسَن، و”عين الهرّ” لـ شهلا العجيلي
* جماليات التراث في الرواية السورية المعاصرة ـ د. علياء الداية
يسعى كتاب "جماليات التراث في الرواية السورية المعاصرة"، للدكتورة علياء الداية، إلى تحليل نقدي جمالي للتراث في الرواية السورية خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، من خلال خمسة نصوص روائية مختارة هي: "لو لم يكن اسمها فاطمة" لـ خيري الذهبي، و"العرّاف والوردة" لـ محمد أبو معتوق، و"ورّاق الحبّ" لـ خليل صويلح، و"بنات نعش" لـ لينا هَويان الحسَن، و"عين الهرّ" لـ شهلا العجيلي. ويتجلّى التراث بوصفه مكوناً أساسياً تنهض عليه أحداث هذه الروايات وترتبط به شخصياتها، ويهدف الكتاب إلى إبراز ما في الروايات من علاقات ذات صلة بالقيم الفلسفية ـ الإنسانية كالجميل والجليل والقبيح والبطولي وما يتصل بها من مفاهيم وصفات، وهي تختلف بحسب درجة الوعي الجمالي لدى الشخصيات وعلاقاتها البيئية والمجتمعية والفردية، في إطار حضور التراث السمة البارزة في الروايات المدروسة. كما تتضمن فصول الكتاب لمحات مقارنة في بعض الروايات التي تحتوي ظواهر تراثية لافتة ضمن مجرى أحداثها العام.
يتكون الكتاب من تمهيد وثلاثة فصول، إذ يعرض التمهيد لمفهوم التراث وأسباب توجّه رواياتٍ سوريّة معاصرة إلى تمثّله في بنائها وتكوينها، ويقدّم لمحة عن الروايات المدروسة فيه. ويأتي الفصل الأول ليحيط بالشخصيات ذات الصلة بالتراث، فمنها شخصيات أدبية، وتاريخية، وغربية من خارج المنطقة الشرقية والعربية، وشخصيات ذات بُعد روحي، وشخصيات من ألف ليلة وليلة، وشخصيات تخييلية نموذجية مبتكرة انفردت بها الروايات. ويدرس الفصل الثاني تراث العادات والتقاليد كما تبدّت جمالياً من خلال الموروث السلوكي، وتقاليد الملابس، وعادات الطعام، والموروث اللفظي والمكتوب. أما المكان ذو الطابع التراثي فهو موضوع الفصل الثالث الذي يفصّل سمات كلّ من الصحراء والمدن المتوزّعة على نطاق واسع جغرافياً.
فعلى سبيل المثال إنّ كلاً من روايتَي خيري الذهبي ومحمد أبو معتوق تتناولان مكونات تراثية مع الإشارة الواضحة إلى المرحلة التاريخية، وإلى كثير من تفاصيلها السياسية، كالاستعمار الفرنسي لسوريا في رواية "لو لم يكن اسمها فاطمة" لخيري الذهبي، ووقائع تاريخية منها غزو المغول لمدينة حلب في رواية "العرّاف والوردة" لمحمد أبو معتوق. وتتّخذ الروايتان من هذه الوقائع وسيلة لمقارنات الماضي بالحاضر، ولمحاورة الواقع في إطار من التجاذب بينهما ومراوحة مصير الشخصيات رهناً بالزمن القديم. وفي حين تمضي رواية "بنات نعش" للينا هَويان الحسَن إلى الحركة بمرونة ضمن حكايات الماضي، وتعوّض غياب الحاضر بالتفاصيل في روابط التراث بين البادية السورية وما جاورها من بلدان، يتجاور التراث مع الحاضر في روايتَي "ورّاق الحُب" لخليل صويلح، و"عين الهرّ" لشهلا العجيلي، ويوحي هذا التجاور بإمكانية الحوار بين سمات الماضي وأحداث الحاضر الفردية الخاصة بأبطال الروايتين، مع الإبقاء على كل من التراث والواقع الحالي منفصلَين يقابل كل منهما الآخر.
صدر الكتاب عن دار التكوين في دمشق، ويقع في 136 صفحة.
سيرة ذاتية:
علياء الداية حاصلة على دكتوراه باختصاص علم الجمال، قسم اللغة العربية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة حلب، سوريا. صدرت لها عدة كتب، منها: "أبو الليل" و"شهرزاد الكواكب" ـ قصص، و"الرموز الأسطورية في مسرح وليد إخلاصي" دراسة جمالية مقارنة، و"الوعي الجمالي" في السرد القصصي العربي المعاصر ـ دراسة نقدية، و"سرّ الناي العجيب"، و"في قرية الصفصاف" ـ قصص مترجمة للأطفال. وتنشر القصة والمقال النقدي في صحف ومجلات عربية.
مقاطع مختارة من الروايات الخمس المدروسة في الكتاب:
رواية "لو لم يكن اسمها فاطمة" لـ خيري الذهبي:
"أكملَ فتح الباب ليدخل قاعة فيها عدد من العلب الزجاجية ليس فيها إلا جرار أمفورا أثرية متطاولة، اقترب من واحدة منها، فاتقد نور لا يعرف مصدره يضيئها، وعلى الجرة رآها، كانت صورة لصبيّة متطاولة الذراع ترتفع قليلاً عن الأرض حتى لتكاد تطير، وما يمنعها من الطيران إلا التصاق دقيق بالأرض، وعلى الأرض امرأتان أخريان تمسكان كلٌّ بقصبة تعزفان. شدَّه المنظر، بل إنه ليقسم إنه سمع عزف الناي، ورأى الذراع تتلوى، والعينين الماكرتين تغمزان تدعوان إلى الرقص… وأحس أنه سيخلع عنه ثياب السنين ويقفز ليرقص".
رواية "العرّاف والوردة" لـ محمد أبو معتوق:
"وها هو أمام القلعة ورسوخها وعزتها يتبادر إلى ذهنه كائن آخر سواه، فعندما دخل حلب، ووقف على طرف خندق القلعة وتبدت له في هيئتها العظيمة. أحس بها كما لم يشعر مع مكان في الأرض سواها، شيء مفعم بالقدرة. ويغري بالتأمل والذهول، كأنما هي تاج الأرض، ونقطة مركزها، ووثبة اتصالها بالغيم والسماء، غير أنها الآن بدت له شيئاً آخر… كأنما حصل التبادل، أحس أن رباب هي قلعته التي تغري بالقداسة والذهول، أما هذه القلعة. برسوخها وأسوارها فليست سوى السور والحاجز الذي يقبض على السلطة والجبروت، وهي بذلك كيان يقف حائلاً بين الإنسان والمعنى".
رواية "ورّاق الحب" لـ خليل صويلح:
"قفزتُ من السرير فجأة وقد دبّ بي حماس مباغت لمراجعة آخر مسودة أنجزتها من روايتي، إذ لاح أمامي خيط حريري ربما يخفف من وطأة الحماقات التي ارتكبتها خلال الكتابة، فقبل هذه اللحظة بثوان انتبهتُ إلى قطعة النسيج الصوفية المعلّقة على الجدار المقابل وقد غطّاها الغبار. وقفت أمامها مباشرة أتأمل الأشكال التي حاكتها جدتي بقرن غزال قبل ثلاثة وثمانين عاماً، لتكون جزءاً من جهاز عرسها، وكان يشترط أن تكون بحياكة أصابعها كإشارة على مهارتها وقدرتها على الابتكار لمواجهة صعوبات المعيشة".
رواية "بنات نعش" لـ لينا هَويان الحسَن:
"انحرفت السيارة إلى اليمين متّبعاً تعليمات الأبهر بحنق، المفاجأة كانت مذهلة ومخيفة، فالظباء راحت تقفز ذات اليمين وتتلكأ عندما غيّرت مسارها فجأة شرقاً، فيما السيارة كانت تتجه صوب الشمال في أثر القطيع… الأبهر لاحظ بذكاء ما فعلته الظباء وخمّن أن السهل المخادع يخبئ شيئاً ما في حشاه. بعد قليل من اتباع نصيحة الأبهر والاتجاه يميناً والانحراف شرقاً تكشَّف لهم مسيلٌ عميقٌ يبدأ بجرف رهيب أرضه مليئة بالحصى القاسية. لو أن السيارة حافظت على اتجاهها صوب أرض المسيل لتحطمت بمن تحملهم".
رواية "عين الهر" لـ شهلا العجيلي:
"لم تعرفني المرأة للوهلة الأولى، وبدت متفاجئة من سؤال شخص غريب عنها. وأنا أيضاً بتُّ متفاجئة من التغيّر الواضح والشديد الذي طرأ على شكلها، وكأنّها ليست هي التي رأيتها في "برج العرب"! ذكّرتها بنفسي، فتذكّرت، ورحنا في حديث غير قصير حول معرض المجوهرات ذاك، ولقائنا فيه في "دبيّ". في الحقيقة، كان الفضول يستبدّ بي لمعرفة سبب تبدّل حال المرأة، وشكلها، ولباسها، وفي حين كانت تجهّز الشاي في مطبخ صغير في زاوية الغرفة، انتهزتُ الفرصة لأتفحّص المكان، علّني أستشفّ شيئاً يسعفني الليلة في الكتابة".