حفلة ذيل السنة قصة للدكتور محمد جمال طحان
- ديسمبر 14, 2010
- 0
قصة للدكتور محمد جمال طحان: أجلس خلف الطاولة لأسجّل ما أحتاجه لحفلة رأس السنة. اليوم الخميس ولديّ وقت كاف للإعداد للحفلة. الساعة تشير الآن إلى العاشرة مساء ..
حفلة ذيل السنة،
قصة للدكتور محمد جمال طحان:
أجلس خلف الطاولة لأسجّل ما أحتاجه لحفلة رأس السنة. اليوم الخميس ولديّ وقت كاف للإعداد للحفلة. الساعة تشير الآن إلى العاشرة مساء .. أستطيع النوم في الواحدة تقريباً مما يجعلني قادراً على الاستيقاظ في السادسة صباحاً ، حيث أذهب إلى سوق الهال وأتبضّع ما أحتاجه من خضروات وفواكه ، أما اللحوم فسأوصي عليها من شهباء الشام ، ولا صعوبة في انتقاء المشروبات من حانوت جابر زايان فهو قريب من منـزلي ..
أتناول ورقة وقلما لأكتب المشتريات فتمر يدي بقرب الشمعة التي قاربت على الانتهاء … أتنبّه إلى جمال هذا الجو الشاعري الذي أحبّه ، فغرفة المكتبة أحبّ الغرف إليّ ، لأنها توحي بالحميميّة ، فهي غرفة صغيرة تغصّ بالكتب والمصنفات والأوراق المصطفّة بشكل يخيل للناظر إليها لأول وهلة أنها وضعت بشكل عشوائي …. ولكنّها في الحقيقة رُتّبت بما يخدم سهولة قيامي بالأعمال المترتبة عليّ. وعلى كل حال أنا شديد الاستمتاع بالجلوس هنا ، وفي هـذا الضوء الخافت، لأرتّب لحفلتي غداً… آخذ رشفة من الشاي البارد وأنا أفكّر : سيكون عدد المدعوين ثلاثين شخصاً تقريباً ، وكلهم أصدقائي وأزواجهم، وربما يكون لدى بعضهم ضيوف .. ويجب أخذ هذه المسألة بالحسبان فلأدوّن ما أحتاجه :
سحّارة من التفّاح الأصفر ، وأخرى من التفّاح الأحمر . كرتونة من الموز الصومالي المنقّط ، وسحّارة كرمنتينا حلوة . سحّارة من الأجاص الناضج ، وأخرى من المانكا المصريّة .
كما قد نحتاج إلى خمسة كيلو غرام من الليمون ، ومثلها من الفستق الحلبيّ والتخليطة المشكّلة من النوع الممتاز . ولن أنسى البرتقال الدمويّ .
آخذ رشفة من الشـاي .. وأفكّر : ماذا أحتاج أيضاً … ماذا أحـتاج؟..
نعم : خمسة كيلو غرام من الكستناء … وماذا بعد ؟ ..
بندورة .. مخللات .. نخاعات .. بسطرمة .. هبرة نـيـة .. خواريف محشيـّة .. كبب متنوعة كبّـة نيئة .. محمّرات .. بن … مياه غازيّـة .. مبرومة بالفستق الحلبيّ والسمن العربـيّ . سوار السـت .. بقلاوة .. وغـريبة .. ثمّ قالب الكاتو لرأس السنة من سبع طبقات من الشموع . نعم الشموع.. الشموع المشكلة … كيف سنرتّب /2011/ شـمـعة .
شمعة ضخمة في الوسط نكتب عليها رقم ألفين .. إحدى عشرة شمعة متوسـّطة … ونحصل على المطلوب ..
تلدغ نهاية السيجارة يدي … أرميها بالمنفضة .. أنفخ موضع الحرق الطفيف ، ثم أتابع : عبد الجواد يفضّل الويسكي … أما فارس فيفضّل النبيذ البيتوتي .. والنساء ، حتماً ، يفضّلن الشمبانيا .. أمّا جمال فإنّه لا يستغني عن العرق ـ ملك المشروبات … كما أننا سنحتاج ـ بطبيعة الحال ـ إلى صندوق من البيرة لنغسل بها آثار (الكرّاتي ) . أمّا صديقي مهنّا الذي تقرحّت معدتُه من الأصدقاء والعرق فإنّه لن يتناول سوى ( ويدينغ نايت ).
أمّا مفاجآت الحفل فسأتركها سرّاً.. سيدخل المطرب الفارس الزئبقي ( غنّوج المشنتف ) ثمّ الراقصة الدلّوعة ( تقوى عبد الورِع ) ، وأخيراً (سأحدفهم ) بقصيدة .. مفاجأة المفاجآت قصيدتي عن رأس السنة ، والتي أقول فيها:
أفضلُ الساعاتِ وهمٌ
أفضلُ الأيّامِ .. وهمٌ
ثمّ وهمٌ من جديد
أفضلُ الأعوامِ ما يأتي
فلا تعرفُ رأسه من أرجله
أفضلُ الأعوامِ ما يأتيك
وأنت ثمل ..
أو وأنت ممدّد فوق الـ…
أوه .. صحيح ، هناك أيضاً شيء يجب ألاّ أنساه .. أنحني على الطاولة لأدوّن، فتعلن الشمعة موتها.. ويحلّ الظلام .. أمد يدي لأكتشف عود الثقاب فتصطدم ببقايا الشاي البارد وتنسكب محتوياته على الورق،وأكتشف أنني أكاد أتجمّد من البرد …
لقد ذهبت في الشهر الماضي إلى مكتب توزيع المازوت ، بكل براءة ، وسألته أن يسّجل لي دوراً لتعبئة البرميل ، وأنا أقول في نفسي: لن يأتي السوتير للتعبئة قبل أسبوع ، وحينذاك أكون قد دبّرت ألف ليرة…؟ ولكنّ موظف التوزيع قال لي : لا يوجد تسجيل بألف ليرة ،وقد يرتفع سعره مجددّاً قبل انتهاء الشتاء ….
ـ وهل هناك مشاكل في المازوت ؟
ـ لا، توجد مشكلة واحدة فقط ، المازوت ارتفع سعره منذ الشتاء الماضي ، صحّ النوم…
وما زلت منذ ذلك الوقت أتـدفّأ على سخّان الكهرباء الذي أطهو عليه الطعام .. الطعام.. أه .. أقصد الشاي الذي يكوّن غذائي الأساسي . وبطريقة غير مباشرة أطبّق القول الشائع ( خبز وماء أكل العلماء ) .. العلماء ؟ وكيف إذاً أجـهل سبب غلاء الوقود ونحن من دول البترول ؟ كما أجهل سبب انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عشر ساعات في اليوم ، ونحن نوسّع القرى ونبني الصحراء ، ونقرض الكهرباء إلى جيراننا ؟
يطوّقني البرد أكثر فأكثر .. لم أعد أقوى على الارتجاف ، يبدو أن أعضائي أصبحت كتلة واحدة متجمّدة …. بهذا الوضع من البطالة والعتمة والجهل ، أحسد نفسي لأنّ هذا التجمّد سيضمن لي ـ على الأقل ـ ألاّ أفسد بعد حين … فأنا أحمل برّادي في داخلي ولا أحتاج إلى الكهرباء …
بصعوبة كبيرة أنهض من على الكرسي المهترئ ، ولا أدري كيف أصل إلى الفراش لأدفن رأسي تحت الغطاء وأنا أردّد مرتجفاً :
(( يا لـيـالي البرد عودي
يا لـيـالـي الكـستناء
نحن من فقر تـعوّدنـا
على
لسع الشتاء ))