في صبيحة يوم باكر استيقظ على مهل وشعر بشيء مختلف في كيانه، إذ حالما فتح عينيه أدرك أنه في حظيرة بالكاد يعرف تفاصيلها، وعندما أراد النهوض، أدرك أنه تحول إلى…..حمار..


أنا حمار
 
 

في صبيحة يوم باكر استيقظ على مهل وشعر بشيء مختلف في كيانه، إذ حالما فتح عينيه أدرك أنه في حظيرة بالكاد يعرف تفاصيلها، وعندما أراد النهوض، أدرك أنه تحول إلى…..حمار.. 
بطريقة أو بأخرى لم يتفاجأ رشيد كثيراً بالموضوع لأن جميع من في الحارة كانوا يلقبونه بالحمار في كل ما يفعل، فعندما يريد والده ماءً يصرخ به قائلاً: أيها الحمار اجلب كأساً من الماء، وكذلك أخوته وجيرانه، فبدت هذه الكلمة ملازمة له طوال حياته حتى أنه بالكاد كان يتعرف على إسمه الحقيقي، فأصبح "الحمار" جزء من شخصيته التي لم يستطع هو نفسه أن يتخلص منها، لذلك فقد كان الأمر شبه عادي في أن يستيقظ في صباح ما ويجد نفسه حماراً حقيقياً في اسطبل ما، فعلى الأقل يستطيع الآن أن يعرف جيداً كيف يتصرف الحمار وما هي ميزاته وقدراته وكيف يعيش ويأكل، لذلك حالما استيقظ حاول جاهداً التعرف على مجتمع هذا الحيوان المظلوم والذي يجحف بحقه جميع الناس، لكنه شعر لبرهة بالحنين للعائلة والأصدقاء واعتقد أن عائلته ستفتقده إن لم تجده في عمله باكراً، ولكن الأمر بدى مغايراً تماماً إذا لم تأبه العائلة بغيابه ولم يكلّف أحد نفسه بالسؤال عنه وإنما اكتفوا بقضاء أشغالهم وكأنه لم يكن يوماً في حياتهم…
 

بدى الأمر حزيناً لوهلة لكنه سرعان ما تأقلم مع عالمه الذي لم يتغير إلى حد كبير بل بدى مشابهاً لما كان يعيشه في حارته وبين أهله وناسه ولم تختلف عليه سوى بعض التفاصيل الشكلية المتعلقة بالمأكل والملبس….والحوار…

وحقيقة فقد بدى سعيداً بهذه الحياة أكثر من حياته السابقة فعلى الأقل عندما يصرخ أحد في وجهه ويقول "يا حمار" فهو يعلم أنه يستحق هذه الكلمة لأنه بالفعل "حمار" وهذه ليست إهانة بل على العكس تماماً، فكم من الجميل أن نخاطب الأشياء بأسمائها، لذلك كان يتفاخر بهذا اللقب كلما صرخ بوجهه أحد ولا يبدي أي ضيق أو انزعاج كما كان يفعل في السابق، ومع هذه الثقة بالنفس ازداد أصدقاؤه من الحمير والحيوانات الأخرى وبدى محباً وصديقاً للجميع حتى مع الكلاب والدواجن التي لم يكن يطيقها سابقاً، وهذه الثقة بدورها منحته حياة لم يكن يحلم بها، فبدى كباقي الحمير في كل شيء إلا أن ما ميّزه هنا عن بقية الحمير هو….سعادته وتفاؤله وثقته بنفسه… 

وفي يوم ربيعي جميل وبينما كان يتأرجح على العشب كمن وجد الجنة، مرّت بقربه سيارة من الطراز الرفيع ولعلها أول سيارة يراها بهذا الشكل في المنطقة كلها، ونزلت منها فتاة فارعة القوام شقراء يتخبط فيها الإحمرار مع البياض ليسود كل منها على الآخر وبدت كأنها من بلاد لا تقربنا بصلة، وحالما رأت الحمار بتلك الوضعية فرحاً بكل ما حوله استوقفتها هذه اللحظة وأحبت أن تقتنيه، فسارعت للسؤال عن صاحبه وعن إمكانية بيعه، وبما أن العائلة كان لديها الكثير من أمثاله الحمير فلم يبدوا أي ممانعة في بيعه بل كانت صفقة رابحة بإمتياز، فأخذت الفتاة الحمار وأودعته في مزرعة فخمة بالقرب من إحدى المدن، وحالما دخل استبطله الجديد رحبت به الحيوانات وتسارعوا إلى ضيافته وبدى الجميع سعيداً بهذه الرفقة الجديدة. 

في اليوم التالي أتت الفتاة إلى الإسطبل وكلها أناقة وأمسكت بلطف حمارها الجديد وأخذت تداعبه برفق وكأنها تغازله وقالت: من الآن فصاعداً يجب أن يكون لك اسم كالباقي فقد أصبحت واحداً منا ولا يمكن أن تبقى هكذا دون اسم، لذلك قررت أن أسميك ……. رشيد…. مارأيك..!!؟، صعق الحمار لما سمعه وقال وقد غمره الفرح والحزن في آن معاً: أن أكون حماراً بإسم رشيد لديكِ أفضل من أن أكون رشيداً بإسم حمار لديهم، لكن الفتاة لم تفهم من نهيقه شيئاً وإنما شعرت أنها موافقة منه على اسمه الجديد… 

أغيد شيخو_ عالم نوح