حنين لمحمود عادل بادنجكي
- يناير 6, 2011
- 0
وكتب محمود عادل بادنجكي: حنين، بعدما تيبّستْ يدي، وتخشّبتْ أصابعي، إثر انقطاعي عن كتابة قصصي القصيرة جدّاً لأشهُرٍ، كنت ألتمس فيها أسباب عيشي. دعاني عمّار الثقافة في حلب، إلى عالمه الآملِ نهضةً، الحالمِ بورديِّ غدٍ لأولادنا.
حنين، لمحمود عادل بادنجكي…
بعدما تيبّستْ يدي، وتخشّبتْ أصابعي، إثر انقطاعي عن كتابة قصصي القصيرة جدّاً لأشهُرٍ، كنت ألتمس فيها أسباب عيشي. دعاني عمّار الثقافة في حلب، إلى عالمه الآملِ نهضةً، الحالمِ بورديِّ غدٍ لأولادنا.
حككتُ رأسي أنبّش الذاكرة، أختار مفتاح ولوجي إلى عالم نوح. فتصارعت المواضيع تزاحماً، على قصب السّبق في أولى مساهماتي.
صرختُ في الأفكار كضابط الصّف يدعو مرؤوسيه للانضباط، ثمّ طمأنتـُها بحنوّ الجَدّ يُهدّىء أحفاده بالاحتفاظ بدور كلٍّ منهم عندما يحين. فانتظمتْ بالرتل يتقدّمها موضوعٌ ملحاح، أشعث أغبر، تشفع له ملامحُ نباهةٍ، تـُطيّبه رائحة عطرٍ قديم، يُشبه البُخور، فاستحقّ دورَه إلى الصدارة بتوثـّبه المُوحي بأهمّيّته.
دعوتُه فوَلجَ القلمَ ذائباً في الحِبر، ليُسفرَ عن نفسه بجلاءٍ، ويُعرّفَ عن هويّته قائلاً: اسمي حنين.
قفـَزَتْ أمامي صورٌ لحبيبتنا حلب، بشوارعها الجميلة الصافية من الأكدار، المزدانة ببعض السيّارات التي تمرّ الدقائق قبل أن تتبختر إحداها. تـُغيّم سماءها أطيار السنونو، وأسراب الزرازير. تـُعطّر أجواءها رائحة العسليّة، والفلّ والياسمين. يصطفّ أهلها بالدور إلى دُور السينما، وصالات المسارح والمعارض، يمارسون طقوس الحضور بكامل أناقتهم. حتى أدراج الملاعب، كانت تغصّ بالحاضرين ببدلاتهم الرسميّة. يتعامل الجيران بعبارات الاحترام، يتسامرون، يتبادلون الطعام والابتسام. وهذا ديدن حلب التاريخ، والحضارة والفنون.
ممّا جعلها موئِلاً وجاذباً لمن حولها. فاختلطت الثقافات، وانتقلت إليها أسوأ العادات بالعدوى، فتأثـّرت باتجاه واحد غير عكوس. لتطغى الفوضى على الانتظام، وتمحو الأوساخ ملامح النظافة. شاعت البذاءة على الكياسة، وهاجرت أطيار السنونو بلا عودة. حلّت نباتات الشوك، بدل العسليّة، وتزاحمت المركبات في شوارعها، فأكلتْ أرصفةَ المشاة، ولبّدتْ السماءَ بدخانها. تراكمتْ القضايا في قاعات المحاكم، وتضاءل الاهتمام بالثقافة والفنون!!
لكنّ أملاً ما يلوّح بيده من بعيد، يقترب ببطء. كلّ رجائي أن لا يكون سراباً!!
محمود عادل بادنمجكي