حوار مع استاذي الشاعر والإنسان مصطفى النجار: مربي أجيال ..ونساج من الطراز الرفيع للحرف، ونشاط ثقافي يمتد إلى أكثر من خمسة عقود من الزمان.

الشاعر والإنسان مصطفى النجار 

 

حاوره الشاعر محمود نايف الشامي 

 


مربي أجيال ..ونساج من الطراز الرفيع للحرف،  ونشاط ثقافي يمتد إلى أكثر من خمسة عقود من الزمان.

حوار مع أستاذي.. الشاعر السوري العربي مصطفى أحمد النجار

• لمن يكتب مصطفى النجار؟

أكتب إلى من عنيته في مقدمة مجموعتي الشعرية( من سرق القمر؟) ذات يوم:

إلى الذي أعرفه ولا يعرفني
إلى الذي يعرفني ولا أعرفه
إلى من يتساءل معي ليل نهار : من سرق القمر؟
إلى الوادعين الرائعين في حزنهم..
إلى الشعراء الذين يعملون بتواضع أخضر.
إلى أدباء الكلمة الفاعلة الناصعة..
إلى الأحباب الذين يغمرون قلبي بعبير الوفاء
وإلى أصدقاء الكلمة الصادقة أينما كانوا على امتداد الأرض والآفاق
والعصافير !؟.


• بدأت قاصاً..ثم تحوّلت إلى الشعر..فما هو السبب؟

لأني وصلت بعد ممارسة كل الأجناس الأدبية ومنها القصة التي مازلت أقرؤها
وأتذوقها, أن التعدد يشتت الطاقة الإبداعية لدي , فاقتصرت على الشعر ونقده.

حدثني عن مجموعاتك الشعرية المشتركة مع شعراء من الوطن العربي .

تجربة انطلقت من حلب بـ ( الخروج من كهف الرماد) عام 1974مع
الشاعرين أحمد دوغان ومضر سخيطة ,وفي عام 1977بـ (حوار
الأبعاد الثلاثة) مع الشاعرين حسين علي محمد ومحمد سعد بيومي من مصر
وبمجموعة (الطائران والحلم الأبيض) مع الشاعر محمد علي الرباوي من المغرب
وأعيد طبع هاتين المجموعتين طبعة ثانية في سورية ومصر والمغرب
وتوسَّعت بإصدار مجموعات أُخرَ: (وحينما نلتقي) مع الشاعر إبراهيم العجلوني
من الأردن و(عندلات الحزن والسفر) صدرت عن دار الأخلَّاء بتونس مع الشاعر
عبد السلام درقاس من تونس وأحمد العقباني من المغرب و(قصائد عربية)مع مجموعة
من الشعراء العرب منهم الصادق شرف من تونس.


• لماذا توقفت عن هذه التجربة؟

مازلت أحلم بتحقيق مجموعات شعرية مشتركة مع شعراء من باقي الأقطار العربية
أحلم بديوان الشعر المشترك تحت متناول أيدي المتلقيِّن
متجاوزاً كل الحدود المصطنعة وكل العوائق المادية وسواها
.

• (صباحات مشرقة) آخر إصداراتك وهو ديوان شعر للأطفال

ماهي مقومات شعر الطفولة .. وعلاقة مصطفى النجار بها,خاصة
أن عناوين كثيرة في شعرك لها علاقة بالطفولة منها: العودة إلى الطفولة,
و أتكئ على الطفولة, والبراءة تسكن قلعة حلب ؟

تهيّبت كثيراً في خوض تجربة أدب الأطفال فهذا الأدب صعب وجميل, أن تكتب
أدباً للأطفال يعني أن تكتب نصاً إبداعيا تتوفر فيه البساطة والموسيقى والمعجم الطفولي
وتجسيد رغبات الأطفال واهتماماتهم بشكل فني محبَّب إلى النفوس.هذا نوع,
أما النوع الآخر فهو أدب عن الأطفال أو عن الطفولة ولا يخلو شعر شاعر منه.


• في القديم كان الشعر يقوم بدور نقل الأخبار والدفاع عن القبيلة
أوإشعال الحروب وغير ذلك, يعني كان الشعر ديوان العرب
فما هي مهمة الشعر في عصرنا؟

سؤال مهم.. حيث يتمّ التفريق في الإجابة بين شعر كان يحمل عدة مهمات
ووظائف اجتماعية وإعلامية وسياسية الخ..إلى شعر عكف على استبطان
الذات والانطلاق إلى العالم.لقد تخلَّى الشعر الحديث عن مهمات كانت ملقاة
على كاهله إلى الصحافة وإلى الإعلام وسواهما.

• أي من الأجناس الأدبية الشعرية هو أقرب لك؟

منذ البدء.. ومن طبيعتي كتابة كل الأنماط الشعرية..فالحالة هي التي
تختار الشكل بدون إجبار.أرتاح للشكل أو القصيدة أو النص الذي أحقق
فيه المعادلة التي أسمّيها الصَّعبة, أعني الجمالية الفنية والتواصل مع الآخر
من منطلق الصدق الفني والنفسي.

• ما موقفك من قصيدة النثر؟

فضاء يُضاف إلى فضاءات التعبير والتصوير. ليست نصاً
بديلاً عن القصيدة العمودية ولا قصيدة التفعيلة. ولاهي آخر صرخة
في الحداثة كما يُشاع. أكتبها وأقرؤها وأتذوّقها وبخاصة تلك التي تتوفر
فيها عناصر اللغة الجديدة والصور المبتكرة الموظَّفة في سياقها والخيال الخلَّاق
الذي لا ينطلق من الوهم بل من الواقع والحياة والتاريخ.
(شحارير بيضاء) باكورة أعمالي كانت في قصيدة النثر¬¬ المختلف على تسميتها
وعن وجودها¬ ولا أكتم أنفاسها إن فرضت عليَّ من داخل نفسي بذريعة الرفض الموضوعي ممن لا يعترف بها كتبت قصيدة النثر ومازلت أكتبها..وهناك
مجموعتان ستظهران إلى النور بعد أن نشرت معظم قصائدهما في الصحافة العربية,
خلال العقدين الماضيين باسم: (الوردة ذات التويجات المبعثرة)و (حتى الرمق الأخير).


• عناوين كثيرة في مجموعاتك الشعرية تحمل عناوين مثل: السلام. مازالت الدنيا جميلة.
تحرَّر من حزنك..إلخ . من أين تأتي بكل هذا التفائل؟

وأضيف إلى هذه العناوين عنوان قصيدة بعنوان ( المتفائل) لفتت أنظار الشاعر السعودي
د.عبدالله العثيمين فابتدأ بها مقالة في صحيفة الجزيرة يشيد بهذا التفاؤل ..كما فعلتَ..!
أؤمن بحتمية التفاؤل.. مهما اشتدت حلقات الحزن والتشاؤم والمآسي ضيقاً.
من طبيعتي التي أوجدها الله لي, ميلي إلى الإشراق في العتمة, وإلى الابتسام
في الظروف الصعبة.مادامت هناك دورة الليل والنهار ودورة الفصول الأربعة.

• هل حقق لك الشعر ماكنت تحلم به؟

أجل.. جلب لي السّعادة في الوقت الذي عكفت فيها على لذاذاته فقط
دون لذاذات الحياة منذ مراهقتي وصباي الأول. القراءة والكتابة متعتان
وصلت بهما إلى حد الإشباع الروحي.
حسبي أن قرأني أطفال الصف السادس من المرحلة الابتدائية في مدارس سورية
منذ عام 2003من خلال قصيدتي : (القلعة الحصينة) المقررة في كتاب (لغتي الجميلة).
وحسبي أن أجد متابعيه لقصائدي في (الإنترنت) يمحضونني بإعجابهم ومحبتهم.
إذاً هي متعة روحية..رافقتها متعة مادية جلبها لي الشعر من خلال نشر قصائدي
في الصحف العربية أواجه بها ظروف المعيشة خلال العقود الماضية.

• لاحظت أنك تذكر الأم وتذكر الشهيد وتذكر الإنسان مراراً في شعرك
ماذا يعني ذلك؟

إنها ملاحظة وجيهة. فالأم هي رمز الخصب والحياة واستمرار الوجود.
هي أمي التي كنت أحبها جداً, والتي كانت تحبني وتدللني كثيراً لأني كنت الحبة
الأخيرة من عنقود الأبناء. ومفردة الأم تلك, أضفي عليها ألواناً من ذاتي فتصبح
الوطن وتصبح القضية وتصبح الحضارة والحياة.
وأما الشهيد..الذي بذل أغلى ما في الوجود, حياته, فله في النفوس مكانة مرموقة
وله قبل هذا عند الله الجزاء الذي يستحق,أجد أني جدّ مقصِّر تجاهه, ومهما قلت من شعر
أجد أنني لم أرتق إلى مستواه.
والإنسان..العربي في تكوينه كل رحيق الإنسانية من رأفة وحنان وعطف
نقيض الآدمي الوحش الذي يفترس الناس بأشكال مختلفة..
هذا الإنسان معه ببراءته وبساطته وغيريّته:
إن جف تيار المحيط
وتاه رواد القمر
وعُطلت عن المسير
كل قطاراتِ السفر
أهوَن عندي بكثير
من طعن إنسان بسيط..

• ماذا تعني لك الجوائز الأدبية..وماذا يعني لك التكريم ؟

حوافز تساعد الموهوب إلى عطاء أفضل وأجمل.


• ماهي أهم عناصر النجاح للكاتب؟

الصدق..ثم الصدق ثم الصدق..بعد الموهبة الحقة والثقافة
والمثابرة والإفادة من تجارب الحياة مهما كانت قاسية.

• من المعروف أنك لاتحب السفر..ماسر ذلك؟

أعوّضه بالسفر على الورق.. بالسفر إلى داخل النفس الإنسانية
بالسفر عبر الخيال إلى جزر الجمال. يبدد أن سفري المبكر للدراسة
في الثانوية الزراعية /نظام داخلي/في مستهل الستينيات من القرن الماضي
في مدينة السلمية وفي دير الزور, مع صعوبة المواصلات في ذلك الوقت
والابتعاد عن أمي التي أحب. كان وراء انقباضي من مفردة السفر
رغم فوائده العديدة.

• كيف ترى المشهد الثقافي العربي..؟

المشهد في حالة مخاض. رغم تراكم المعرفة والمعلومات
والتراكم الشعري والأدبي.

• ما رأيك في الجيل الجديد؟

الجيل الجديد..ذكي جداً ولكنه يتصف بالقلق والسرعة والعزوف عن القراءة,
والتمرد على الأجيال السابقة. يستعجل قطف الثمار, مما يسبّب له الإرباك
والغربة عن الذات والتبعثر. رغم ذلك ثمة مواهب حقيقية تستثمر ما هي فيها
وما يحيط بها من ظروف موضوعية بكتابة شعرية تستأهل الإشادة بها
وجديرة بأن تتجاوز الجيل الأسبق.

• ماهو موقفك من النقد ومن النقاد؟

عربة النقد مختلفة عن عربة الإبداع.. آمل أن توازيها
وآمل بزوغ نقد حقيقي تطبيقي.. فلقد شبعنا من التنظير..
لما للنقد من أهمية .تجربتي استوفت بعض حقها من النقد سواء من
أقلام سورية أو عربية..
…………………………………………………………….

للوفاء..في عام 2004م التقيت الشاعر مصطفى النجار
في إحدى أمسياته الأدبية في مدينة حلب.
وكنتُ قد عرضت عليه بعض نتاجي الشعرية.
وكان ممن شجعني على أن أنشر نتاجي في الجرائد.
وكان محفزاً لي للاستمرار في كتابة الشعر.
لم يبخل عليَّ يوماً في أي نصيحة للارتقاء بما أكتب.
هو الشاعر والإنسان بكل ما تحمل هذه الكلمة من مدى.
وحواري هذا معه شرف لي ..ووفاء مني له..
الشاعر محمود نايف الشامي.