خزانة هدايا المسؤولين بقلم المهندس باسل قس نصر الله
- يونيو 18, 2011
- 0
أسأل نفسي أحيانا ، كيف تأخذ الرشوة، ( التي هي إحدى أوجه الفساد ) ، اسما جديدا هو هدية بسيطة ( ثمن فنجان قهوة ) ، لتنتقل هذه الهدية الى ( ما بيحرزو ، قيمتك أكبر ) . وكيف نريد أن نقنع أنفسنا ، بأن الهدايا مقبولة حتى ولو تجاوزت الملايين ، المهم أنها ليست مالا سائلا .
وقد أرسل لنا المهندس باسل قس نصر الله؛ مشكوراً، هذه المقالة بالتزامن مع موقع المصدر عالم بلا حدود
خزانة هدايا المسؤولين بقلم المهندس باسل قس نصر الله
في عام 1974 ، قام وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر بزيارة إلى دمشق ترافقه فيها زوجته نانسي ، وأراد وزير الدفاع السوري آنذاك ، اللواء مصطفى طلاس أن يقدم للسيدة كيسنجر هدية ، وقد سبق لها أن رأت سوارا لدى الصائغ اسطفان في سوق الحميدية وأعجبها ، فقدمه اللواء طلاس لها، ولكنها اعتذرت عن قبوله ، لأن القانون الأميركي الصادر عام 1906 والذي يحرم على المسؤولين الأميركان قبول أي هدية تزيد قيمتها عن (50 دولار) . وكان قد أصدر مجلس النواب السوري قرار عام 1953 ، بناء على اقتراح من نواب حزب البعث ، بأن الهدايا التي تقدم الى المسؤولين السوريين يجب أن تحفظ في خزانة في مجلس النواب ، نظرا لأنها قدمت لهم بصفتهم الرسمية لا بصفتهم الشخصية .
لن أشك مطلقا بأن خزانة هدايا المسؤولين في مجلس الشعب موجودة ، لا بل إنني ذهبت بعيدا ،فأنا أتصورها وقد أصبحت مبنى قائما بذاته ، أين منه مبنى الأرشيف القومي الأميركي ، وقد جال بي الخاطر أنها مقسمة إلى أقسام رئيسية ، فقسم للألبسة مثل الأطقم الرجالية الفاخرة والأحذية وغيرها ، وقسم للقطع الذهبية ، قدمتها بملء الخاطر زوجات المسؤولين ، وقسم آخر حديث نسبيا ، للسيارات الفارهة وغيرها . ولا أعرف أين تندرج عمليات تدريس أولاد المسؤولين ، وهل تعتبر من ضمن الهدايا الفنية أم الثقافية . علما بأنني تساءلت فيما لو تم تقديم الهدية على دفعات ، فمثلا الجاكيت لوحده (وقد يكون سعره اقل مما هو الحد المسموح) ، ثم البنطال لوحده ، أو فردة حذاء يمنى لوحدها ، وبعد أيام الفردة اليسرى ، وهكذا ، لكي لا نتجاوز الحد المسموح لسعر الهدية التي يستطيع قبولها المسؤول حتى ولو كان من الدرجة العاشرة، وقد تستغربون، وتستهجنون، لا بل أنني لن أزعل منكم إذا اتهمتموني بالجنون ، ولكن رويدا علي قليلا ، فمنذ زمن نذكره تماما ، صدر قرار بمنع بيع السيارات والتنازل عنها إلا بين الأقارب من الدرجة الأولى ، أتذكرون ماذا فعلنا ، لقد تزوج البعض لكي يبيع سيارته للزوجة ثم يطلقها .
أسأل نفسي أحيانا ، كيف تأخذ الرشوة، ( التي هي إحدى أوجه الفساد ) ، اسما جديدا هو هدية بسيطة ( ثمن فنجان قهوة ) ، لتنتقل هذه الهدية الى ( ما بيحرزو ، قيمتك أكبر ) . وكيف نريد أن نقنع أنفسنا ، بأن الهدايا مقبولة حتى ولو تجاوزت الملايين ، المهم أنها ليست مالا سائلا .
ومع ذلك ، أعتقد أن عدم الوضوح في القوانين، ناهيك عن القوانين المتضاربة، هي من أسباب الفساد، وسير المعاملات في الدوائر الحكومية – مع أن لوحات كبيرة – وبخط جميل توضح بأدق التفاصيل خطوات العمل الواجبة للانتهاء من المعاملة ، كما أن بعض الجهات بدأت تضع مددا زمنية لكل مرحلة من خطوات العمل ، ولن أبالغ إذا قلت أنهم بدؤوا بدقة الدقائق ، فإحدى المراحل مثلا خمسة عشر دقيقة ، وغيرها ثلاثون ، الخ …
إن أناسا يُعينون لوظائف لا يستطيعون القيام بأعبائها ، أو لا يريدون القيام بشكل صحيح بالأعباء المنوط بهم القيام بها ، ولغايات متعددة تتدرج من حب الشعور أنهم يمارسون السلطة ، أو رغبة في الكثرة من الهدايا الواردة ، هؤلاء الناس الذين يتسلقون سلم المسؤوليات ، والذين قلما يُحاسبون ، والذين يصبح الفساد طريقة حياة عند بعضهم ، هؤلاء الناس الذين لا تكشف الأضواء تجاوزاتهم وانحرافاتهم ، وينقلون إلى وسائل الإعلام تقدم خططهم الوهمية ، وتطور عملهم الأعرج ، واندحار الفقر والأمية والتخلف والمخالفات والمخلفات وغيرها . أولئك هم الذين يسهلون سبل الفساد ، تحت مسميات متعددة ، منها الهدايا .
كيف السبيل إلى مجتمع تنخفض فيه عملية الفساد إلى درجة بسيطة لا تتجاوز نسبتها النسب الموجودة في كل البقاع ، وكيف السبيل أن تنتفي الحاجة إلى تجمع بيروقراطي من أجهزة الرقابة والتفتيش والتمحيص في النواحي المالية والمركزية والإدارية ، وأجهزة الرقابة المنبثقة عنها ، والمتفرعة منها ، وغيرها الكثير .
أعتقد أن الصحافة الحرة هي سبيل واضح ومحدد لكبح كل ما تم ذكره من تجاوزات وفساد ، وذلك بتوجيه أقلام الصحافة إلى نقاط الخلل في مرافق الدولة ، أينما كان ودون خطوط ملونة بشتى الألوان ، آخذين بعين الاعتبار أن حرية الصحافة تحافظ على حق الرأي العام في إسقاط وتعرية كل من تسول له نفسه بالسير في طرق لم توصل البلاد إلى التطور المرجو ، بل أوصلت بعض الأشخاص إلى مرافق إدارية عليا ، وبعد سنوات اكتشفنا أن الكثير منهم فاسدين مرتشين ، وقد كانوا جالسين سعداء على كراس وثيرة ، نكتشف الفساد والرشوة من خلال نسب العمولات للصفقات أو المبالغ والأرصدة الموجودة في بقع عديدة من العالم ، إضافة إلى المنازل والقصور التي بدؤوا يطلون منها علينا أخيرا .
أقول أن الصحافة في لحظة الحدث أو الموضوع ، هي سبيل مهم ، وخاصة إذا كان لها قوة التأثير الموجودة في دول عديدة من العالم ، فالرأي العام في الدولة الذي يتشكل من خلال معطيات الصحف ، عندما يظن أن مسؤولية تنزلق أقدامهم في منحدر الفساد وعدم تحمل المسؤولية ، فإنه يجد في وقت قصير البديل الذي يحترم مصالحه ويحافظ عليها ويكون مسؤولا مسؤولية صريحة عن الأموال العامة .
وأقول الرأي العام وليس الجهات العامة .
اللهم اشهد إني بلغت