في يوم آخر من أيام المطر، نطرق باب الذكريات لتفتح لنا ذاكرة الفنان “رضوان سالم” موشّحةً بالحب والكبرياء الحق ومرتديةً زي الاستعراض الطفولي….

 

 

 

 

في يوم آخر من أيام المطر، نطرق باب الذكريات لتفتح لنا ذاكرة الفنان "رضوان سالم" موشّحةً بالحب والكبرياء الحق ومرتديةً زي الاستعراض الطفولي….

 

 

 

حدثنا الأستاذ رضوان عن بداياته قائلاً:

عندما كنت طفلاً في المدرسة الابتدائية كانت تأتينا عروض مسرحية لمسرح العرائس قادمة من دمشق، منذ تلك المرحلة تلمّست انجذابي للمسرح، فشاركت في العديد من الحفلات المدرسية خلال المرحلتين الابتدائية والإعدادية …

في تلك الفترة كانت تعرض المسرحيات على شاشة التلفزيون كل ليلة خميس فتابعت مجموعة هائلة من العروض المسرحية، كان أهمها أعمال المسرح القومي التي شارك بها العديد من النجوم أمثال "عبد الله غيث"، "حمدي غيث"، "ثناء جميل"، "سميحة أيوب"، "محمد توفيق"…الخ.

في المرحلة الثانوية تم اختياري مع مجموعة من الشباب من قبل المرحوم الأستاذ "فوّاز ساجر" لتشكيل أسرة لدعم مسرح الشعب في ذلك الحين، فعلمنا الشيء الكثير وأراد أن يعبّئ ذاكرتنا بكل ما تعلّمه أثناء دراسته في موسكو…

في مرحلة لاحقة التحقت بفرقة اتحاد شبيبة الثورة فرع حلب، فقدمنا العديد من الأعمال وكان المخرج في تلك المرحلة الأستاذ "محمد دروبي" رحمه الله، بعد ذلك انتقلت إلى المسرح العمّالي وشاركت مع المرحوم "أحمد سيف" في عدة عروض قدمت في المهرجان المركزي للمسرح العمّالي الذي كان يقام في العاصمة "دمشق" والذي كان ظاهرة مسرحية جميلة في سورية…

ثم انتقلت إلى نادي شباب العروبة وقدمت بعض الأعمال المسرحية ضمن فرقته، ثم أسست فرقة شهبا المسرحية مع الأستاذ "وانيس باندك" والأستاذ "ماهر دروبي"، فقدمنا مجموعة من الأعمال الهامة في حلب مثل مسرحية "قطعة عملة" لـ"فرحان بلبل"… "سكان الكهف" … "الدراويش يبحثون عن الحقيقة" …..الخ، وفي أغلب تلك الأعمال كنت آخذ دور البطولة في التمثيل…

ثم تابع في حرقة غلبها التفاؤل …..

بعد ذلك حدثت معي مشكلة في الحبال الصوتية، فلجأت للإخراج الاستعراضي مرغماً وذلك عام 1979 وعملت ضمن منظمة طلائع البعث وأنا فيها حتى الآن بشكل مجاني وتطوعي، فكنت أعمل ضمن رباعية جميلة … الأستاذ "محمد أبو معتوق" ككاتب، الأستاذ "محمد دروبي" كمخرج درامي، وأنا كمخرج استعراضي، ويرفدنا بالألحان الأستاذ الموسيقار "رضوان رجب".

عام 1987 شكلت نواة لمسرح الطفل وذلك بمساعي الأستاذ "أسعد فضة" ووزيرة الثقافة آنذاك، حيث قرروا إنشاء نادي لمسرح الطفل في حلب فكان لي الأسبقية في تأسيسه، فقمت مجموعة من الأعمال المتتالية من إخراجي، ثم تنبهت الوزارة إلى أهمية مسرح الطفل فحولت النادي إلى فرقة مسرح الطفل التابعة للمسرح القومي فكنت مديراً لها، وأيضاً قدمنا مجموعة من الأعمال التي لاقت استحسان الجمهور حتى أنني أذكر أنه في أحد الأعمال اضطر رجال الأمن للتدخل في منطقة باب الفرج لتنظيم عملية الدخول إلى المسرح نتيجة الازدحام الشديد.

وعن الأمل وفرقته قال:

شكلت فرقة "الأمل" منذ ثمان سنوات مع الأستاذ زهير براقي والشاعر يوسف طافش والملحن سمير كويفاتي، قدمت هذه الفرقة باكورة أعمالها والتي هي مسرحية استعراضية اسمها "جبل الماس" وهي تتحدث عن كيفية وصولية الصهيونية إلى الدول العربية، ففكرة المسرحية قومية، ووصفها الكاتب المسرحي الكبير "فرحان بلبل" بأنها قطعة من الماس في جبين حلب، عرضت هذه المسرحية أمام مجموعة من الوزراء العرب ولاقت استحسانهم.

بعد فترة شغلت منصب رئيس مكتب الدراما في نقابة الفنانين وأنا أشغله حتى الآن بشكل طوعي دون أي دخل مادي.

استفزني العقل لسؤاله عن  وجه الاختلاف بين المسرح الشعري والمسرح الاستعراضي؟ فأجاب:

الشعر هو جزء من المسرح الاستعراضي، فعناصر المسرح الاستعراضي تتوافق مع عناصر بقية أنواع المسارح أي مادة أدبية تتحول إلى فعل درامي على خشبة المسرح بالإضافة إلى وجود الأزياء والديكور والإضاءة، ولكن ما يميز المسرح الاستعراضي هو عنصر الموسيقى فنجد النص الأدبي يتحوّل إلى جمل غنائية تغني العرض وتترجم برقصات استعراضية، وأوّد التنويه إلى أنه يجب  أن لا تكون هذه الرقصات مجانية بمعنى "حشو" بل يجب أن تدخل في نسيج العرض بحيث في حالة عدم وجودها العرض لا ينجح… حتى الآن قدمت ما يقارب السبعين عملاً استعراضياً.

ثم تابع عن الأطفال ومسرحهم قائلاً بكل طرافة….

من الطريف قول صديقي لي – وهو من الوسط الفني-  "من وقت ما عرفتك وأنت بتشتغل بمسرح الطفل.. ما حلّك تكبر؟"، طبعا ابتسمت وأنا على يقين تام بأن مسرح الطفل أصعب بكثير من مسرح الكبار، لأنه يتطلب إمكانيات خاصة كالدراية بعلم النفس لدى الطفل، العمل على إنشاء السهل الممتنع الذي يضم المتعة والفائدة والبساطة.

بعد ذلك أبدى وجهة نظره في التمثيل، فتابع قائلاً: ….

المسرح فيه حالة خاصة تشبه الشرارة المباشرة التي يتبادلها الممثل مع الجمهور والخشبة، فالذي يقف على المسرح هو الفنان الحقيقي، أما من يقف أمام الكاميرا فأعتبر تجربته ناقصة إن لم يسبق له التعامل مع المسرح.

 

 

التمثيل ليست مهنة من ليس له مهنة، بل إنها بحاجة إلى ثقافة ومثابرة ومتابعة وإلى خبرة في الحياة والمجتمع، فالفنان الناجح هو الذي يغوص في كل سويات المجتمع من أسفله إلى أعلاه لكي يعبر عن الحالات المختلفة، لذلك هنالك القليل من الأسماء التي برعت في تجسيد كل الحالات التي مثلتها أمثال"أحمد زكي"، "آلباتشينو"، "روبيرت دينيرو"… الخ.

ثم عاود النبش في خفايا الذاكرة عن أسماء مرّت بها….

من زملائي في الفن "عبد الهادي صباغ"، "عبّاس النوري"، "رشيد عسّاف"، "أيمن زيدان"، فكنا في مرحلة سابقة نلتقي في كل عام في مهرجان الهواة الذي يقام في حلب وتقدّم له إمكانيات هائلة، وعندما أنشئ المعد العالي للفنون المسرحية، اتصل بي الفنان "أيمن زيدان" وقال لي: "أبْشر أخي رضوان نحنا صار عنا معهد عالي للفنون المسرحية ورح نجمع حالنا ونكون الدفعة الأولى"، وللأسف كنت في تلك المرحلة أدرس الحقوق في السنة الثانية، وكان من الصعب علي الانتقال إلى دمشق، وفي النهاية قد تكون الموهبة أهم من الأكاديمية في بعض الأحيان.

وعن الفنان "أحمد سيف" قال :…

"أحمد سيف" كان رجلاً عظيماً بحق ويشرّفني أني تعاملت معه في مجموعة كبيرة من الأعمال حتى عمله الأخير الذي أنجزه وهو شبه فاقد لبصره "تعالوا نرتجل" …. رحمه الله.

كما ذكر أيضاً….

رحم الله "محمد دروبي" صاحب الأيادي البيضاء في مسرح الهواة في حلب، ورحم الله "رضوان رجب" الذي استطاع خلق موسيقى درامية للأعمال ومهّد للموسيقى التصويرية السورية.

ثم سألناه عن الأستاذ "فرحان بلبل"، فقال: …

الأستاذ "فرحان بلبل" رجل مهم في مجال الحراك المسرحي سواءاً في الكتابة أو في الإخراج، رعى أسرة فنية في حمص، وأعتبره صاحب هم ووجع مسرحي، صاحب أفق ثقافي وإبداعي مهم، وأنا يشرفني أنني انطلقت في مجال المسرح من خلال تمثيلي لأحد نصوصه المسرحية وهو نص "قطعة عملة" الذي تفاجأ به كثيراً وقال : "يدهشني أنكم حوّلتم هذا العمل الذهني إلى تجسيد فعلي على خشبة المسرح فأنا لم أكن أتوقّع حدوث ذلك على الإطلاق"، وأيضاً يشرّفني قوله عن "جبل الماس" : "لقد أتحتم الفرصة لي لكي أشاهد مسرح استعراضي متكامل بعد اندثار هذا النوع من المسرح لأكثر من خمسين سنة".

أيضاً أعدناه إلى أيام المسرح العمّالي، حيث دفعنا الفضول للسؤال عنه، فقال:

في فترة ماضية كان المسرح العمّالي في عصر ذهبي وبالتحديد في الفترة التي كان موجوداً بها الأستاذ "أحمد سيف"، الذي قدّم مجموعة من الأعمال الهامة للغاية، حتى أنني أذكر في أحد العروض التي قدمناها في دمشق، قال عنها الأستاذ "جواد الأسدي" : "إن في هذه المسرحية إبداع في التمثيل والإخراج مما يكفي لإقامة مهرجان بأكمله"، وهذه شهادة عظيمة من مسرحي عظيم، وفي الحقيقة يؤلمك أن الإبداع في بلادنا منوط بأشخاص وليس بمؤسسات، فأعود وأقول أن المسرح العمالي كان له أوج في أيام "أحمد سيف"، "فرحان بلبل"، "مشهور خيزران"…الخ.

وعن الحاضر، قال :

أنا لا أزال حتى الآن أعمل في مجال مسرح الطفل وأيضاً في مجال مسرح الكبار وأخرجت العديد من الأعمال للمسرح القومي…. كما أجهز الآن لعروض مسرحية ستعرض في كل من تركيا وتونس وفي مهرجان الشارقة لمسرح الطفل. مؤخراً كلّفت بإدارة مسرح نقابة الفنانين وأشرفت على إعادة صيانته خلال مدة ثلاثة أشهر ونصف.

ودعتنا ذاكرة الفنان "رضوان سالم"، ولكنها أومأت فقالت فتمنّت….

أتمنى أن يأتي يوم ويتحوّل فيه الفن في حلب من برواز وإطار وترف إلى أداة لها دور فعّال في المجتمع ليؤول إلى الهواء الآخر الذي يتنفّسه المواطن.

 

إعداد وتصوير : نوح حمامي

لقاء وحوار : شادي نصير

تحرير : جلال مولوي