ومشاركة مع موقع بلا حدود يرسل لنا المهندس باسل قس نصر الله هذه المقالة الخفيفة الظل العميقة بمعانيها عن …

رحمكم الله يا إبراهيم هنانو ويا صالح العلي …… ويا أم كلثوم … ولا يستغرب أحد فالرحمة كما هي تجوز على الميت والحي ، كذلك تجوز على الرجال والنساء .

ويعود السبب أنني عندما كنت طفلاً، عرفت لأول مرة عن مأساة فلسطين من الإذاعة السورية، حيث كانت تُبث الأغنية التي غنتها أم كلثوم وكَتَبَها المرحوم نزار قباني، وتقول كلمات الأغنية :

إلى فلسطين خذوني معكم
إلى ربى حزينة كوجه مجدلية
إلى القباب الخضر والحجارة النبية
أصبح عندي الآن بندقية
إلى فلسطين خذوني معكم

هذه الأغنية وأغنية السيدة فيروز عن أجراس العودة إلى القدس، عرّفَتَاني عن القضية الفلسطينية، واعلمَتَاني أن هناك حق مغتصب لا مساومة عليه واسترداده يتم بالمقاومة.

كنتُ طفلاً أردِدُ أغنيتيْ : أم كلثوم وفيروز وكلي حماسة ، إلى درجة أنني كنت اسأل نفسي عن كيفية تأمين بندقية.
كبرت الأيام فينا وفهمت القضية الفلسطينية والعدوان المنهجي على العرب . والحقوق المغتصبة من أراضٍ وأعراضٍ .

وبدأتُ المسُ التحول المنهجي من حقوقٍ مغتصبةٍ وسليبةٍ ، والمقاومة ونشرات الأخبار التي ينقل فيها المذيع العمليات التي يقوم بها الفدائيون في اشتباكات مع العدو الصهيوني في "الأراضي المحتلة" وكانت تنتهي دائماً بـ "وعادت إلى قواعدها سالمة" .

ثم رويداً رويداً بدأت تتسلل إلينا من الجوار كلمات غريبة عنا، مثل التطبيع والمعاهدات ومكاتب التمثيل التجارية وغيرها . كما بدأنا على الأقنية الفضائية نسمع آراء سياسيين عرب ونجد بالمقابل أراء "الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية" و مرة ثانية "ناطق وزارة الري الإسرائيلية" وثالثة "الناطق باسم وزارة التجارة و ……." حتى الناطق باسم وزارة السوكوسوكو.

منذ عدة زمن، نقلت إلينا وسائل الإعلام المتعددة من المسموعة والمرئية وتلك التي ينقلها الحمام الزاجل عن الفتح المبين والانتصار المذهل الذي سبقه الإعداد الجيد والدراسة المتأنية لاستعادة لبنان لأبوة صحن الحمص، وانتصارها بذلك على إسرائيل، كما إن القائمين على هذا الانجاز الكبير الذي يذكرنا بفتح الأندلس، يعدون العدة " لبطح " إسرائيل بالضربة القاضية من خلال إعدادهم لأكبر عجينة فلافل.
الحمد لله ثم الحمد لله الذي سهَل لنا الأسباب التي جعلتنا ننتصر على إسرائيل، بهذا الانتصار "المبهدل" ، وعلت الزغاريط من حناجر النسوة ، ورفرفت الأعلام فوق حلة الحمص ، وابتهج الجميع بخبث ميكيافيلي نتيجة وضعهم إسرائيل " بخانة اليك ".

منذ عشرة سنوات كنت احضر مؤتمراً في قبرص أقامه مجلس كنائس الشرق الأوسط، وكان من بين المشاركين البروفيسور كامل أبو جابر وزير خارجية الأردن ورئيس الوفد الأردني الفلسطيني المشترك إلى مؤتمر مدريد، في المساء، كنا نلتقي مجموعة مع بعضنا البعض ، حيث اخبرنا مرة أن الإسرائيليين قدموا مقترحا لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود الذين يسمون حائط البراق بحائط المبكى، ولدى عرضهم المخطط تبين أن بناءً معيناً (لا أتذكر ما هو) سيقع وفق هذه المخططات في الجانب الإسرائيلي ، فما كان منهم إلا أن قدموا مخططات هندسية تنفيذية لكيفية نقل البناء من موقعه الحالي إلى القسم العربي .

وأنا كمهندس أعلم تماماً ما تعنيه مخططات تنفيذية، من دراسة أولية ونهائية والزمن اللازم لانجاز هذه الدراسات.
هم يعلمون تماماً الرفض القاطع الذي سيلاقيه هكذا مشروع، ومع ذلك يدرسونه تماما بأدق تفاصيله، ويتركون لنا ربح معركة الحمص والفلافل.

سيادة المطران ايلاريون كبوجي المحترم، الم يكن من الأجدى بك بدل السلاح الذي كنت تنقله إلى المقاومة الفلسطينية والتي تم حبسك لأجل ذلك أربعة أعوام تقريباً، ومع ذلك لم ننتصر مثل هذا الانتصار المدوي التي تناقلته وسائل الإعلام ، ألم يكن أفضل – منذ السبعينات – لو انك ساعدتنا وهرَبت الأفكار الصهيونية حول التركيبة السرية لعجينة الفلافل والخلطة السحرية للحمص، وكنّا لن ننتظر أربعين سنة حتى نصل بعد طريق طويل إلى الانتصار عليهم بالحمص والفلافل.

يعيش المخلل يا، يعيش يعيش يعيش.

اللهم اشهد أني بلغت.