
رسالة لوالدي من باسل قس نصر الله
- يونيو 6, 2013
- 0
من المهندس باسل قس نصر الله: عندما كنت أكتب رسالة لوالدي ، كان يعيدها إلي مشفوعة بخطوط حمراء
ومن المهندس باسل قس نصر الله و بالتشارك مع موقع عالم بلا حدود
عندما كنت أكتب رسالة لوالدي ، كان يعيدها إلي مشفوعة بخطوط حمراء تحت بعض الكلمات دلالة على خطأ لغوي وكأن الرسالة هي ورقة امتحان وكأن والدي هو المعلم، فكان يضيف الحواشي على رسالتي، شارحاً ومنبها لكي أتعلم عدم الوقوع بخطأ لغوي مرة أخرى.
تتعدد الرسائل وتتكاثر لدي بعد إعادتها مُصحَّحة، وتوقعت في مرات عديدة أن يرسل لي والدي رسالة يؤكد فيها رسوبي (في مدرسته الأبوية) بمادة اللغة العربية.
في إحدى المرات جلس امامي رجلٌ – هو صديق لوالدي – بسنواته التي قاربت التسعين وجعل ينظر اليَّ ثم قال: هل تعرف أن اسمك كان "باسيل" ثم أقام والدك دعوى قضائية لتغييره الى "باسل" ؟
لم أكن أعرف تماما ذلك، ولم يسبق لي أن استفسرت من أبي رحمه الله، عن سبب تسميتي باسل وليس باسيل كما هو اسم جدي.
كان المحامي جورج عريس يستمتع برؤية آثار الدهشة البادية على وجهي، ثم قال لي: بعد ولادتك في دمشق، عاد والدك إلى حلب ليسجلك لدى المختار وكتب له اسمك "باسل" إلا أن المختار اعتقد أن والدك أخطأ باسمك بدل اسم "باسيل" الذي هو اسم جدك، فقام بتسجيلك باسم "باسيل"، ولما علم والدك بالخطأ الذي حصل، ونظرا لعدم امكانية تغيير اسمك بعد التسجيل، أصرّ على تغييره عن طريق القضاء، فجاءني مهموماً – وأنا صديقه – ليقول لي ما حدث معه ويطلب مني أن اقوم بالإجراءات القضائية لتغيير الاسم. فاعتقدت انه يمزح وقلت له "اين المشكلة؟؟؟ اسم باسيل وباسل نفس الشيء" فاحتدَّ والدك كثيراً وقال لي: " كيف نفس الشيء؟ …. إن اسم باسل هو اسم عربي".
ثم أردف المحامي جورج – رحمه الله – قائلا ومستغربا من تصرفه " لقد رفعت الدعوى وتم تغيير اسمك من "باسيل" إلى "باسل" ولكن إلى الآن لم أفهم سبب إصرار والدك على تسميتك "باسل"
رحم الله الأستاذ "عريس" لأنه لم يفهم أن صديقه "إميل" هو عربي الهوى والقلب واللسان.
هكذا تربيت وهكذا ترعرعت.
والدٌ نَفَتهُ فرنسا الى البوكمال حيث كانت البوكمال منفىً للسوريين المعارضين لها.
أحببتُ لغة الضاد، مع اعترافي بأنني لا املك ناصيتها تماما.
أحسست باندماج مع مجتمعي، وكم من صديق لي يحمل اسمي وهو من إخوتنا المسلمين، لكن لم يخطر لي أن الأسماء العربية ليست مقصورة على فئة دون أُخرى، ففي زيارة لي إلى حاكمية الفاتيكان "معقل الكاثوليكية في العالم" تفاجأت بالمسؤول عن المكتب الاسلامي في الفاتيكان هو المونسينيور "خالد" وهو فلسطيني مسيحي، وكم من صديق مسيحي في بلاد الشام اسمه "حسن" وكم من مسلم اسمه او لقبه "الياس".
كان المسيحييون العرب عندما يهاجرون إلى دول العالم يضطرون غالبا إلى تغيير أسمائهم إلى اسماء مقبولة في مجتمعاتهم الجديدة
كم لي من قريب قام بتغيير اسمه
من سهيل الى أنطوان
ومن صديق إ لى جوزيف
في بلادنا – التي أُصر على أنها بلادنا جميعاً – أحببنا أسماءنا العربية، وفي الهجرة قُمنا بتغييرها.
لن أقول لكم كل ما يصلني من أشخاص سكن الخوف قلوبهم.
اتصل بي عدة أشخاص في حلب ونقلوا لي أن جيرانهم أخبروهم أن محلاتهم تم نهبها وسرقتها بعد أن قرأ "بعضهم" اسم "وارطان" أو "جورج" وغيرها من الأسماء التي تدل على الانتماء الديني للشخص.
أقول البعض ولا أقول الكل…
وقال لي أحدهم أنه خلال سفره بالباص من حلب إلى طرطوس أوقفهم حاجزٌ وأنزلوا الركاب وخلال تفقّدهم للهوية – وقد قرأوا اسمه "جورج" – فقال له أحدهم "اسمكَ جورج؟؟؟؟ كيف تريد أن نذبحك؟" ثم أردف بعد فترة من الصمت المخيف قائلاً : "أنا أمزح"
في القرآن الكريم سورة يعرفها جميع اخوتي المسلمين وتدور عن جواب رُسل (الحواريون) السيد المسيح بقولهم في سورة المائدة " قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون" صدق الله العظيم.
أتوجه إلى إخوتي رجال العلم الاسلامي لأنبه إلى وجود فئة تتكاثر على الأرض السورية نسيت الحديث الشريف للرسول (ص) " مَنْ نظر الى مسلمٍ نظرة يُخيفُه بها في غير حق، أخافه الله يومَ القيامة " .
ويسألوني بعد ذلك "أستاذ…ماذا؟ هل نهاجر؟؟؟؟؟"
وأصمت
وسأبقى أفتخر باسمي العربي "باسل"
الله اشهد أني بلغت
ملاحظة لغوية: إن السين عندما تأتي خلفها كسرة او ياء، تُفخم اي تلفظ صاداً وتُكتب سيناً فاسم باسيل يُلفظ بالصاد وكأنه باصيل ولكنه يُكتب "باسيل"