الكاتبة منى تاجو في رقصة: إيقاع مكسور و لحن محطم، الصوت مرتفع، المسرح مظلم، غير مفسر كيف تمكن الراقص أن يساير بخطواته الإيقاع المكسور و لكنه فعل، بقعة الضوء المسلطة عليه كانت ملاصقة له تذهب أنىّ يذهب كاشفة ملامحه

 

 

 

الصيدلانية والكاتبة منى تاجو

 

 

إنها سالب و موجب بكل معنى الكلمة

                                          رقصة


إيقاع مكسور و لحن محطم، الصوت مرتفع، المسرح مظلم، غير مفسر كيف تمكن الراقص أن يساير بخطواته الإيقاع المكسور و لكنه فعل، بقعة الضوء المسلطة عليه كانت ملاصقة له تذهب أنىّ يذهب كاشفة ملامحه التي ألقت عليها الظلال لمسات مرعبة، و فجأة سمع دوي هائل و من صدر المسرح برز راقص آخر كان يتمرد على الإيقاع المكسور، لقد صنع إيقاعه الخاص به، و صعد المسرح ليتحدى الراقص الأول، إن هي إلا وهلة، حتى أدرك الراقص الأول الغرض من قدوم الآخر، شدّ قامته و فتح صدره للتحدي، تنامى اللحن و بدا أكثر ألفة، كأن النغمات ألفت بعضها بعضاً، و اصطفت متتالية بانسجام أكبر و تناغمت كل علامة موسيقية جديدة مع أختها السابقة، و بدعم من اللحن المتطور وتحطم الإيقاع أدار الراقص ظهره للجمهور و كأنه ما عاد مهتماً به و توجه إلى الآخر، ما تعود أن يكون غيره على الخشبة إنها له. و بدأ السجال، يقتربان من بعضهما يقفان بتحد، تشتبك النظرات، و على الوجهين تعبير مخيف، يدوران حول بعضهما، يقترب الوجهان أكثر أثناء الدوران و تكشف بقعة الضوء عيون الراقصين و نظرتهما التي يمتزج فيها التحدي بالكره و ملامحهما القاسية القادرة بقسوتها على القضاء على الآخر فيكتم الجمهور أنفاسه، يا له من تعبير مخيف مليء برغبة كل منهما بموت الآخر ما عدت قادرة على التحديق بهما أحسست بقلبي ينخلع، و ضغطت أصابعي المتشابكة على كفيّ حتى أحسست بالألم، وكأن هذا الألم أعادني إلى الواقع يجب أن أرقب ما يجري على الخشبة، لقد ابتعدا عن بعضهما و أصبحا كل في طرف من المسرح، قريبين من الجمهور و كأن كل منهما يحاول أن يكسب الجمهور إلى طرفه، اللحن هدأ، الإيقاع يترنح وفجأة و بضربة إيقاع قوية خُلعت لها القلوب عاد الجنون و عاد الإيقاع مكسوراً و لكنه كان يجري، تسارعت الأقدام و تواجها ثانية، دورة تحد جديدة، الغضب، الكره، كل منهما يرغب بإزالة الآخر، التوتر يتصاعد، العرق يتفصد من جبيني، وجيب قلب أضحى مسموعاً، كم من الزمن يمكنني أن أحتمل؟!، دون أن أشعر وقفت و بدأت أسير نحو باب الخروج رغم أن الصالة مظلمة فقد وجدت طريقي قبل أن أصل الباب صرخ اللحن و كأنه يرجوني لا تذهبي، دون قصد التفت ورائي لأجد أحدهما على الأرض و الثاني فرح بقامته المنتصبة و ذراعيه المرفوعين إلى الأعلى……….

صمت مثلج لف المكان، فراغ ملأ رأسي، تسمرت مكاني، كل الحضور كانوا يرقبون، لا همسة، لا يد ارتفعت لتصفق بل الصمت…. و… فقط، قليلاً قيلاً ماتت الإنارة إلا من ضوء باهت وكأنه حلم بعيد في عمق المسرح، عند المقدمة بدأت إنارة خجولة بالظهور، ضربات إيقاع ثلاث رفيقة ناعمة، و انتظم الإيقاع الثلاثي اللين، المضبوط و الهادئ، جرت وراء الإيقاع نغمات هامسة خائفة لديها ما تقول و لكنها تخاف أن تصرح، تراجع المشهد السابق و كأنه أصبح ماضياً غمره الظلام، بحياء الصبايا ظهرت مترددة، خطواتها تتبع الإيقاع الراقص، حركتها لينة منسابة، لا تعبير وجهها يمكن أن يوصف، جمال اللحن و انسياب حركاتها جعلاني أرجع عن هربي، ما عدت قادرة على العودة إلى مكاني بهرني حضورها، وضعت يدي على ظهر الكرسي أمامي، كان فارغاً، التففت و ارتميت عليه و عيناي معلقتان بوجهها كيف ارتسم الفراغ عليه كفجوة فتحت تحت قدمي تهدد بابتلاعي، رغم ما كان على وجهها من وجوم لا يتناسب مع مرح اللحن إلا أن جسمها اللدن كان يتابع الحركة المنتظمة لاحقاً بالإيقاع المرح و اللحن الجميل الذي أخذ يعلو، أخذت تدور و تدور و بدأ وجهها يُظهر بعض الفرح، و فجأة ظهر الراقص الآخر بإيقاعه المكسور تقدم منها كان يريد الدخول على إيقاعها المنتظم ليحطمه، أثناء دورانها أصبحا وجهاً لوجه، أدركت وجوده فزعت من الوحشية المرتسمة على وجهه، و لكنه لم يستطع كسر إيقاعها كما لم يستطع قتل اللحن، استمرت هي بالدوران و ابتعدت، ظهر الخوف على قسماتها ممتزجاُ بالاشمئزاز و ابتعدت كعصفور صغير يهرب من حدأة، لم ييأس ذهب وراءها بإيقاعه المكسور و ببرد الموت و الكره الذي يطل من وجهه لاحقها، و لكن إيقاعه المكسور لم يمكنه من الوصول إلى إيقاعها المنتظم ، بقيت هي تدور بسعادتها التي عكرها وجوده و أصبحت تبذل جهداً لتحافظ على إيقاعها لتبتعد عنه، اقترب منها…………لا!!! احذري……… صرخت دون إرادة و بدأ قلبي ينبض بشدة، دارت دورة أخرى أصبحا متقابلين أمسك بيدها……………لا ………اهربي……..فجأة و بطريقة غير مفهومة و غير مبررة ظهر الأول وقف بينهما، وتماسكا، استطاعت الهرب مبتعدة راكضة وراء إيقاعها، و جرح بيدها ينزف…. عاد الأول و الآخر إلى الصراع هذه المرة بلا لحن……..بلا إيقاع…….. القسوة و العنف لم أستطع المغادرة هذه المرة، وضعت كفيّ فوق عيني المغمضتين ورحت أرتجف، صرخة وحشية ثم سكن كل شيء… حل الصمت ……صمت النهاية، الأول واقف و يداها مرتفعتان و الآخر في بركة من دمائه و الضوء يغمر المسرح، أما هي فكانت في عمق المسرح و على وجهها علائم الراحة……..