ريزان عبدو ….راقص ممنوع من العرض
- سبتمبر 21, 2011
- 0
حينما تبدو الكلمات مملّة وذات قالب رمادي وتشعر بما يشبه الهيكل أمام واقع لا يرضى الكلمات…تسمو النفس للتعبير عن مكنوناتها بطرق قد تبدو للبعض غريبة إلى حد الرفض وقد تلامس البعض الآخر إلى حد التلاحم …هو الرقص الذي
ريزان عبدو…راقص ممنوع من العرض
حينما تبدو الكلمات مملّة وذات قالب رمادي وتشعر بما يشبه الهيكل أمام واقع لا يرضى الكلمات…تسمو النفس للتعبير عن مكنوناتها بطرق قد تبدو للبعض غريبة إلى حد الرفض وقد تلامس البعض الآخر إلى حد التلاحم …هو الرقص الذي طالما خلق حالات عجز عنها أي فن آخر عن خلقها وأعطى للنفس هيكلاً جسدياً تستطيع من خلاله إثبات ذاتها والخوض مع الآخر في حوار صامت تتوقف عنه المادة ويصبح الحوار روحياً بإمتياز.
للحديث عن الرقص كان لعالم نوح لقاء مع الراقص ريزان عبدو ليحدثنا عن تجربته وما قدّمه…..أو ما حاول أن يقدّمه :
بدايةً ماذا تحدثنا عن بدايات ريزان عبدو في مجال الرقص وكيف اكتشف نفسه ؟
كنا نعمل في مجال المسرح في الشبيبة تحت اسم فرقة تدعى " همسات" كان المسؤول عنها الأستاذ نادر حكمت عقاد ، إذ كنا نعمل على تقديم حلم مسرحي خاص بنا نحن الشباب لنثبت من خلاله أننا موجودون ولنا تأثيرنا هنا في حلب، في هذه الفترة لم تكن الملامح واضحة لدي ففي هذه المرحلة يوضع الشخص على المسرح وهو لا يدري إن كان سيصبح ممثلاً أم مخرجاً أو راقصاً كنا فقط نعمل ضمن بوتقة التمثيل، وقد كان هنالك أشخاص وجدوا أنفسهم في الكتابة أكثر من التمثيل وأشخاص وجدوا أنفسهم ممثلين وأشخاص وجدوا الجانب الإخراجي لديهم أكبر فقاموا بصقل موهبتهم واتبعوا دورات في الإخراج في دمشق ليحققوا ذاتهم، أما أنا فقد كنت مع هؤلاء جميعاً فأينما كان المسرح كنا نتواجد، في فترة لاحقة ينضج الشخص ويعي مايريد تماماً لأن المسرح هو حالة وعي ونضوج ومن الطبيعي أن تكتشف نفسك والمشروع الفني بداخلك لأنه إن لم يكن هنالك شيء بداخلك تريد التعبير عنه فلن تتجه إلى الخشبة ، وأنا بدوري كان لدي شيء لأقوله ولكن لم أكن أعلم كيف، في إحدى المرات قرأ صديقٌ لي بعض الخربشات التي كنت اكتبها وطلب مني كتابة نص يمكن تقديمه مسرحياً على الرغم من أنني لم أكن أعلم كيف أكتب نصاً للمسرح، وبالفعل قرأت بعض النصوص لأعرف طريقة الكتابة وألمّ بها أكثر و لكن أثناء ذلك أكتشف أننا نستطيع تقديم مشاهد مسرحية دون الحاجة إلى نص والذي من الممكن أن يكون عبارة عن بضعة كلمات، وقتها لم أعرف شيئاً عن المسرح الراقص باستثناء بعض ما كنت أراه على عدد من المحطات التلفزيونية التركية، بالفعل قدمت هذه التجربة مرتدين الأسود والأبيض وغير عارفين تماماً للأداء الحركي الذي من الممكن أن نقوم به والذي كان وقت العرض معتمداً على الارتجال والإحساس فقط ولكن رغم ذلك فقد نجحت التجربة وأحبها المشاهدون حتى أننا عرضناها في حلب ونالت المركز الأول وتأهل العرض إلى دمشق، وأثناء وجودي في دمشق تعرفت على معهد تيا ترو والفنانة مي سكاف والأستاذ لاوند هاجو الذي نصحني ألا أبقى في دمشق بسبب الوضع الفني الذي قد لا يتناسب مع ما أفكر به ، بعد فترة وأثناء وجودي في حلب اتصل بي لاوند ونصحني بعدم المجيئ ولكن رغم نصائحه التي كان من خلالها يريد مصلحتي إلا أنني قررت الذهاب والخوض في ما أحلم به، انتسبت إلى معهد تيا ترو وخضعت لعدد من الدورات في الدراما والرقص وقد عيّنت مدرساً لمادة الرقص المعاصر والليونة والحركة في المعهد نفسه في الدورة الثالثة وهذا بحد ذاته كان إنجازاً بالنسبة لي بالإضافة إلى بعض الدورات الخاصة وهذه كانت بداية ممتازة لشاب استطاع بعد تسعة أشهر فقط أن يصل إلى هذه المرحلة ويثبت نفسه أمام الخريجين القدامى و الذين من شأنهم أن يكونوا في المجال لسنوات طويلة ولم يصلوا إلى ما وصلت إليه، حتى أن الكثير منهم كان يستغرب حين أقول أنني لم أدرس الرقص في دول أجنبية وإنما تعلمته هنا وكثيراً ما كانوا يقولون أنني درست في اليابان أو روسيا أو إيطاليا أو أي دولة أخرى إلا أنني بالفعل لم أدرس في دولة من هذه الدول وإنما تعلمت كل شيء في معهد تياترو، ومع الوقت صدقوا ذلك .
في هذه الفترة كان السؤال الذي يطرح نفسه في داخلي أنني أريد الرقص أم التمثيل وعلى الرغم من أن لي بعض التجارب في التمثيل وكان لدي شيء متميّز عن أصدقائي إلا أنني وجدت نفسي راقصاً أكثر من أن أكون ممثلاً فلأنني أحببت أخذت الكثير وأعطيت الرقص أكثر .
بعدها بفترة كانت هنالك عدد من المشاريع بيني وبين الأستاذ والصديق لاوند هاجو ولكنها لم ترى النور لأسباب عديدة منها في إحدى عروضه كان لدي التزامات كثيرة تجاه المعهد و اتجاه طلابي حيث تضاربت مواعيد البروفات، بالإضافة إلى عمل ثانٍ التزمت معه لمدّة شهر وكان تحت اسم " جدل الحياة والموت" ومن تأليف الأستاذ فراس السّواح ولكن بسب انسحاب السبونسر الرئيسي لأسباب لا أعرفها تم إلغاء العرض أيضاً .
هل برأيك أن رؤوس الأموال من الممكن أن تتحكم بما تعرض وتتدخل حتّى في فكرة العرض ؟
هم لا يؤمنون بالموضوع ليقرروا بعدها إن كانوا سيتحكمون بالفكرة أم لا فالنتيجة هي الربح المادي فقط وموضوع المسرح الراقص هو موضوع جديد عليهم تماماً ولا يعرفون عنه شيئاً على الأغلب ، ففرقة إنانا مثلا التي تعتبر فرقة مهمة جداً ومميزة في سوريا هي فرقة تتمتع بتمويل خاص وتشجيع خاص وبالنسبة لهذا الموضوع فإني أعتبر لاوند بطلاً حقيقياً من خلال تأسيسه لفرقة رماد والذي يعتبر أيضاً أول من أدخل الرقص الحديث في سوريا وهو من أهم الأشخاص الذين تعبوا ووهبوا من وقتهم وجهدهم الكثير فقط ليقولوا أن لدينا مسرحاً راقصاً في سوريا وأنا أعتبره شخصاً متميزاً جداً استطاع أن يفهم الناس أن الرقص هو حديث بدون كلام وبالفعل فقد وجدت عدداً من الأشخاص يتحدثون هو عرض يتحدث بلا كلمات ، وإن كنت تريد تمويلاً لهكذا نوع من الأعمال فيجب أن تكون لديك القدرة على إعداد نص وتحويله إلى حالة حركية تجذب الحضور والتمويل .
دائماً ما نسمعك تتحدث عن رماد وعن لاوند هاجو، ماذا تحدثنا عن تجربتك معهم ؟
صراحةً وددت كثيراً أن يكون لدينا أعمال مشتركة ولكن مع الأسف لم تسمح لنا الظروف بذلك و لاوند قد أبدى اهتمامه وقتها في مساعدتي والعمل سوياً ولكن لأسباب شخصية لم نستطع الاستمرار لذلك فقد كنت ميالاً إلى تقديم تجاربي الشخصية أكثر فشاركت مع المخرجة الفرنسية " د لفين ديبوتريه " في ورشة عمل حيث كانت تعمل على الحركة والتمثيل فعملنا مع مجموعة من طلاب تياترو لمدّة أربعة أشهر ولكن أيضاً لم تشأ الأقدار أن تستمر التجربة لوجود نجوم في سوريا لم يقدّروا ولم يحترموا الهواة الذين كانوا معنا ومن بينهم أنا وقد قال أحد الممثلين والذي هو من أهم النجوم الآن في الساحة الفنية " أنا لا يشرفني أن أعمل مع مجموعة من الهواة" فرد عليه احد الممثلين الموجودين ولكني اعتذرت عن العمل بعد معرفتي لهذا العالم الجميل " عالم النجوم" وما يحتويه والذي يبدو براقاً من الخارج إلا أن هنالك الكثير من الرداءة في الداخل ، وقمت بإعطائهم النص وخرجت، وقد عملت بدعوة من لاوند في ورشة عمل مع راقصة فرنسية أيضاً اسمها " ميري كريستين" .
برأيك ما أبرز تقنية يجب على الراقص أن يعمل عليها باستثناء الجسد ؟
إن الأساس لأي راقص أن يتعلم "الباليه كلاسيك " لأنها النقطة الأهم في الرقص كما أن الخيال مهم جداً في الرقص بالإضافة إلى الإحساس بالموسيقى وبالحالة التي تقدمها والفكرة التي تعمل عليها، ولكن في حال عدم معرفة الشخص بالباليه الكلاسيك فإنه سيتعذب كثيراً لأنّ هنالك حركات تستدعي أن يكون الجسم مشدوداً ومستقيماً ولا يمكن أن تلمّ بالموضوع إلا عن طريق الباليه وإن لم تتعلمه كراقص منذ الصغر فهذا سيخلق الكثير من الصعوبات أمامك، وأنا بدوري عرفت هذا الموضوع وتعبت على نفسي لأتقنه .
لكنك بدأت بعمر ليس بصغير، فهل هنالك عمر محدد للراقص ؟
لا يوجد عمر محدد ، وصحيح أني بدأت في عمر متأخر نوعاً ما ولكني كنت أمارس الرياضة بشكل منتظم دائماً ولدي ليونة نوعاً ما لذلك فقد قطعت مرحلة أكثر من الذين بدأوا قبلي وكان الأمر أسهل علي، وبعد فترة ليست بقصيرة أتتني مجموعة من العروض من بينهم عرض لفرقة محور للأستاذ خالد عبد الرحيم .
بما أن الركيزة الأساسية للرقص هي الموسيقى، هل من الممكن أن يستغني الراقص عن الموسيقى ويستمر في إيصال إيقاع متوازن للجمهور ؟
الرقص هو الصمت، فإن أردت أن ترقص يجب أن ترقص في البداية صامتاً دون موسيقى ، وإن كان لديك مونولوج داخلي عندها يسهل عليك أن تكون راقصاً حتى وإن كنت ممثلاً أو في أي مجال كان في الحياة فالرقص يعتمد على الإحساس الداخلي للشخص وأي شخص يمتلك إحساساً في داخله يستطيع أن يرقص دون أن يكون للعمر علاقة بالموضوع ، وإن أردت أن ترقص فيجب أن تسمع صوتك الداخلي قبل الموسيقى ، فالرقص هو التعامل مع الفراغ و الجاذبية لخلق حالة جديدة وأنا ضد الجاذبية كراقص وأحب الفراغ لأمتلك مساحة بيديّ أو كتفي أو رأسي أو حتى قدمي فهذه المساحة هي التي تعبّر عن وجودي الفني ، فهذا مفهومي أنا وكل شخص يرى الفراغ بمنطق خاص به .
إن كان موضوع الرقص يعتمد على النفس وما تفضله من موسيقى، أفلا يقع الراقص في التكرار أحياناً بحكم محبته لنوع موسيقى دون أخرى ؟
هذا إن كان الراقص لديه تجربة كبيرة ويحاول أن يعيد نفس النمط فإنه يحاول أن يسترجع الحالة النفسية نفسها من خلال تكرارها وفي الوقت نفسه يكون لديه جديد ولكن لا يستطيع ترجمته فإن ابتعد عن النمط الذي يعمل عليه عادة واستطاع أن يتأقلم مع أصوات أخرى وطبائع أخرى لم يجربها بعد فإنه سيستطيع أن يتخطى هذا الموضوع تماماً ، وهناك مدارس كثيرة في العالم تعمل على مواضيع لا يمكن ان نفكر بها إذ أن هنالك أشخاص يرقصون على إيقاع السيارات مثلاً و آخرون يعرضون في خرابة وأفكار أخرى مثيرة جداً .
وفي أي نوع من الموسيقى تجد نفسك ؟
أولاً في الموسيقى الداخلية والتي هي داخل كل راقص تنسجم مع أي نمط موسيقي تشعر به، وصراحةً أفضل كثيراً فرقة " إني غما " ففي معظم التمارين و المشاريع التي قمت بها كانت مستوحاة من هذه الفرقة وأجوائها الصاخبة التي وجدت نفسي فيها ، وهو نمط صعب جداً ويحتاج إلى جهد كبير من الراقص وكلما عملت عليها أكثر فإني اجد نفسي بحاجة إلى تمارين أكثر .
ألا تشعر أن المتلقي هنا معتاد على رتم معين ومن الصعب إدخاله إلى حالة غريبة عنه وفي الوقت نفسه إيصال الفكرة إليه بسبب الروتين السمعي الذي هو فيه ؟
إن المتلقي منمّط بالحركة المكررة والتي هي معتمدة على رتم واحد وإثنان وثلاثة وأربعة وهذا هو إيقاع الدبكة والإيقاع الشعبي الذي حاول بعض الناس أن ينشق عن هذا النمط ويقدّم شيئاً مختلفاً عنه، فإحساس المشاهد وعينه وسمعه تقولبت ضمن هذا النمط ويبدو أنّ هذا متعلق بالوراثة أيضاً لهذا عندما يشاهدون نمطاً مختلفاً فإنهم يحكمون عليه أنه مستورد مع العلم أنه ليس من الضروري أن يكون كذلك بل من الممكن أن يكون من صنع أناس من سوريا ومن نفس المنطقة ، وهنا من المأكد أن المشاهدة لا يمكن أن تكون قسرية ولا نستطيع أن نجبر الجمهور على الحضور وهناك الكثير منهم لا يحضر هكذا أعمال ولكني أرى اليوم أن الرقص الحديث لم يعد أمراً غريباً لدى الناس كما السابق وأصبح معروفاً لدى الغالب منهم وهذا مشجع جداً للقيام بمشاريع قريبة .
نرى حالياً دخولاً للأساطير والميثولوجيا في الرقص الحديث، هل برأيك خدمت الرقص الحديث أم لا ؟
لا نستطيع القول أنها خدمت أم لا لأنها في النهاية انتماءات حسية نقدرها تماماً ولكن هنالك بعض العروض التي تكون مستقاة من أشخاص ابتكروها وتم تبنيها من قبل أشخاص آخرين وتقديمها بطريقة جديدة وهذا الأمر جيد ولكن يجب أن تكون هناك انتماءات خاصة للراقص بحيث هو الذي يبتكرها ويقدمها لا أن تكون مقتبسة، وحتى هذا مرتبط بالإمكانية المتوفرة فعندما تكون لديك فكرة جديدة تستطيع تقديمها فنياً بأسلوب جديد ولا تتوفر الإمكانية والدعم لذلك فإنك ستحاول تقديمها ضمن الظروف المتاحة والتي من الممكن أن تؤثر إلى حد كبير على قيمة العرض ككل .
هل من الضروري أن يتحلى الراقص بفكر برأيك في حين أن تقنية الجسد لديه عالية جداً؟
من الضروري أن يتحلى الراقص بفكر، وأرى أن الراقص يفهم في كل الفنون لأن عالمه صامت ويراقب دائماً بالتالي فإن الصمت والمراقبة يخلقان لديه دوافع تجعله يفهم كافة المعطيات التي يراها ، ولا نستطيع القول انهم يفتقدون للحالة الثقافية والفكرية أبداً ولكن يبدو أننا لم نعتد بعد على صناعة التكنيك .
أغيد شيخو_ عالم نوح