شادي نصير ولقاء مع السيناريست والشاعر سامر رضوان: يعمل سامر رضوان على اجتثاث مشاكل المجتمع، والبحث في أبسط الأمور وأعقدها ليخرج بحالة درامية قل من يستطيع أن يقدم مثيلتها، رؤيته لها نمطها الخاص من تعايشه مع الواقع والبحث في تفاصيلة الكثيرة،

السيناريست والشاعر
   سامر رضوان

دمشق ـ عالم نوح ـ شادي نصير:

يعمل سامر رضوان على اجتثاث مشاكل المجتمع، والبحث في أبسط الأمور وأعقدها ليخرج بحالة درامية قل من يستطيع أن يقدم مثيلتها، رؤيته لها نمطها الخاص من تعايشه مع الواقع والبحث في تفاصيلة الكثيرة، عمل مذيعاً في إذاعة "دمشق" والفضائية السورية، وفي الدوبلاج والتعليق على البرامج الوثائقية، وحصل على ذهبية مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون "فئة البرامج الحوارية الثقافية" عن برنامجه "واحد من آخرين" عام "2004"، كتب عدداً من سيناريوهات أفلام وثائقية وسينمائية، وحصل على أكثر من عشرين جائزة أدبية في الشعر منها أبرزها جائزة "بيت الشعر" في جمهورية مصر العربية عام "2000" وجائزة الدكتورة "سعاد الصباح" في دولة الكويت عام "2001" وجائزة "القافلة" في الملكة العربية السعودية عام "2004" وجائزة "ماجد أبو شرار" في دولة فلسطين عام "2001" وأصدر مجموعتين شعريتينهما "تشكيلات لمولد الحصار" وآخر ما أبدعه: سيناريو فيلمي "الزقاق"، و"غرب المتوسط" ومسلسلات "لعنة الطين" و"الولادة من الخاصرة".

وبالمحبة كان معه الحوار التالي:

ـ مسلسل "الولادة من الخاصرة" بالجزء الأول حقق ما لم يحققه أي مسلسل اجتماعي معاصر، وكثرة النقد تجاه الجزء الثاني منه، من ناحية بعض الأخطاء الإخراجية ضمن العرض، إلى ماذا يعود الموضوع؟
هذا طبيعي جداً لسبب بسيط، عندما تختار السير في طريق لا يسير عليه الآخرون وبالتالي لا تصل حيث يصلون، فإنك قطعاً ستعرض لبعض العثرات، هذه العثرات هي وجهات نظرك إلي قد يجدها البعض لا تماثل وجهات نظر التي أسست لها الدراما التي سبقتك وبالتالي على كل كاتب أن يعي أنه إذا لحق موثقاً سيخلص منه النقد، أما إذا كان صاحب وجهة نظر فسيتعرض للكثير منها.
وباعتقادي كل ما كثر عدد منتقديك، كل ما كانت حكايتك طازجة وبعيدة عن حقول الآخرين… أما فيما يتعلق بالأخطاء الإخراجية فهذه مسالة لا استطيع الحديث عنها بحكم أنني شريك هذا المخرج، في فشله وفي نجاحه، وبإعتقادي بأن كل من يتهرب من فشل التجربة بعد اختبارها مع الجمهور، لي شريكاً أميناً هو شريك ربح وليس شريك ربح وخسارة "انا اصفق لرشا شربتجي عندما تخفق وعندما تنجح" واعتقد أن النجاح الذي حققناه رغم الملاحظات العديدة لدى النقاد والصحفيين قد تكون صحيحة… لكن النجاح حقيقي.

ـ توجهت الدراما السورية من خلال ما قدم في عامي "2011 و2012" من أعمال حول طبقتين فقط الغنية المرفهة، والفقيرة المعدمة، أين هي أعمال الطبقة الوسطى في أعمالك؟

عندما نتحدث عن شخصية "واصل" في الجزء الأول الذي يمتلك معملاً ومنزلاً فخماً في منطقة مهمة، وجابر الذي يسكن في العشوائيات… أنا تحدثت أيضاً عن شخصيات أخرى تنتمي إلى الطبقة الوسطى كشخصية "ريم وأسرتها" فهي تعيش في بيت مؤسس أساس معقولاً ومقبولاً.
الشاب والفتاة يعملان في معمل، بمعنى أنهم يمتلكون الكفاءة، والوالد يحمل ثقافة واضحة من خلال تعاطيه مع فكرة أن ابنته تحتاج إلى سياسة خاصة في التربية، هذا جزء من الطبقة الوسطى لكن الطبقات التي لا تمتلك جحيماً، أن كان على الصعيد المالي بالنسبة للفقراء أو على الصعيد النفسي من الترف بالنسبة لطبقة الميسورين (الأغنياء) فإن الحكايات تضيق وأنت بحاجة إلى شلال هذا الشلال لا تحققه الطبقات الوسطى، حتى في الثورات، من يقوم بالثورة أما الموسر ليكون قائداً وأما المسحوق ليتخلص من هذا السحق والدمار والتهميش، وبالتالي الحديث عن الطبقة الوسطى في سورية يمتلك حكايات لكن باعتقادي لا يمكن أن تتحول إلى حكايا تسير بين الناس.

ـ من أين يأتي "سامر رضوان" بملامح شخصياته القاسية رغم أنك شاعر؟
هذا الحديث يقودني إلى إجابات ربما تقليدية، كإجابة شاعر، بأن القصيدة تكتيكية ولا يكتب القصيدة وهذا الفصل ما بين الشاعر والروائي، هو فصل إجرائي لا يمكن لصاحب التجربة أن يمارسه ربما يمكن لمتلقي التجربة أن يمتلك منظاراً ومجهراً فاحصاً لأدوات هذا الكاتب أكثر من فكرة أن يتحدث عنه، لكن الشعر من وجهة نظري ليس حالة رومانسية فحسب، الشعر حامل للوجع وللألم، وبالنهاية ربما أن يكون حاملاً للقسوة، وأعتقد أن مجموعة أزهار الشر "لبودلير" وهي من الأعمال التي تذكر عندما يتم الحديث عن أن الشعر هو علاقة حب بين طرفين، قال "بودلير" أن هذا الكلام ليس حقيقياً.
أنا أقدم قصيدة تحمل كل قسوة الحياة ولكن قابلة للعيش، الشخصيات التي تلازمني في حكايتي، أنحي عنها الجانب الشعري أو على الأقل لا أنظفها كما يفعل الآخرون، فتبدوا ربما أكثر واقعية من الآخرين حيث يكتبون، على الكاتب وفق وجهة النظر الخاصة، وهي أن من ينظف شخصيات العمل، ستتحول إلى شخصيات بعيدة كل البعد عن المشاهدون.



ـ ألا ترى أن ما يطرحه مسلسل "الولادة من الخاصرة" في جزئيه الأول والثاني حساس جداً في الفترة التي تعيشها سرية اليوم؟

كتب نص الولادة من الخاصرة في الجزء الأول من قبل أن يقوم البوعزيزي بحرق نفسه، أي قبل أن يشهد الوطن العربي نقاط الحراك التي انتشرت وتعددت وأصبحت جزءاً منها شئنا أم أبينا لأن حركة التاريخ قررت ذلك، فإذا القصة ليست توثيقاً، وإنما كانت حكاية تستشف أن هناك بركاناً خامداً في الوطن العربي ولا بد لهذا البركان نتيجة تراكم الحالة القهرية للمواطن أن يثور وعندما كنا نصور الجزء الأول من العمل كانت تتصل بي مخرجة العمل وتقول "هل نست معهم"، لأننا شعرنا أن هذا الحراك لن يسبقنا مع أنه كان أسرع بكثير من المراحل الفنية التي مررنا بها، واكتشفنا بأن هذه الحالة قد انتقلت من بلد إلى بلد ونحن لم ننتهي من تصوير الجزء الأول كاملاً.
جاء الجزء الثاني ليكمل الفرضية، الرسالة ربما قيل في الجزء الأول، لكن عندما وجدنا "شئنا أم أبينا" أن عناصر المخابرات في الوطن العربي، أصبحوا نجوم المرحلة، فلا بد لهذا الملف ألا يقفل لأني أقفلته الآن وأعدت فتحه بعد سنوات عديدة سيأتيك من يقول لقد بدأ يكرر بيئاته وشخصياته، وما دمت قد فتحت هذا الملف وما دام هم رواد نشرات الاخبار ورواد التحليلات السياسية وتصرفات رجال الامن مع المتظاهرين ومع غيرهم، هذا يفي أن هذا الملف عليه أن يستكمل، واستكمالاته لابد من استجرار بعض الحكايا التي تؤكد الفرضية التي قدمها الجزء الأول وهذا ما حاولت أن أحققه في الجزء الثاني ولا ادري إلى أي درجة قد نجحت.

ـ شبه مشهد للفنان "محمد حداقي" وهو يحاول الانتحار… لعدم احتماله الظلم الذي يعيشه… بما فعل البوعزيزي في تونس… واندلاع الاحتجاجات والثورات من بعده؟ كيف ترى هذا المشهد؟
هذا المشهد كان مشتركاً قبل الحراك العربي، لأغلب مواطني الوطن العربي، كلهم كانوا يملكون هذا الغضب الداخلي الذي قمع، لكن عندما أتت الأزمة، فرزت هذه الشوارع وأصبح هناك من يناصر الأنظمة ومن يعاديها، من يناصر الأنظمة أصبح أعمى، عن كل التصرفات التي عاشها وأصبح مبرراً لها، وأصبح عاشقاً لها بحجة خوفه من الطرف الآخر الذي سينقض عليه ويأكله.
نعم إنها وبكل تأكيد جزء مما يحدث في الوطن العربي، لكنها ليست تحريضاً لسبب بسيط أن ما يظهر الآن في الشارع قد تجاوز هذا الكلام بأزمنة، كنا تحدث في البداية عن "هبوا يا فتيان" والآن هناك من يقول وببساطة، وبسورية تحديداً "يسقط فلان" و"يلعن روح فلان" ولا يمكن لأي عاقل الآن أن يحاول اجتثاث كلمة "حرية" وجملة "لله سورية، بشار وبس" من التاريخ السوري، لأنها أصبحت جزءاً من التاريخ في هذا البلد، ومهما حاول البعض أن يعتم عليها، إعلامياً أو درامياً فإنها ستبزغ يوماً من الأيام على شكل حكايات يتداولها العوام في السر عندما لا يكون هناك بيئة مناسبة… لكن هذه البيئة إذا اختلفت شروطها، ستظهر من جديد هذه الحكاية.
نقول على الكاتب وعلى شارع الموالاة وشارع المعارضة والنظام السوري وغير السوري بأن ما حدث في هذه البلدان صار جزءاً من ذاكرتها، دعونا نناقش هذه القضايا في درجة سخونتها العالية عسى أن نشكل حالة ليست منحرفة كما نشاهد الان بأم أعيننا ماذا حدث في بعض الشوارع العربية.

ـ كيف تصف لنا علاقتك بالرقابة اليوم، وهل ترى أن الرقابة الممنوحة مع كل ما يقال في سورية والوطن العربي أنها سقف عالي جداً… وأنها لا تزال دون طموح الكاتب الحقيقي للنص؟

أعتقد أن أي كاتب يمتلك وجهة نظر خاصة سيكون على اصطدام مع أي رقابة سواء اكانت رقابة اجتماعية أو رقابة سياسية، حتى أن الرقابة اجتماعية في بعض الأحيان، وأنا على علاقة متوترة مع الرقابة، في قصيدتي وفي نصي، وفي برنامجي الإذاعي، وفي برنامجي التلفزيوني، وحتى في مشاركتي في تأسيس تلفزيون الدنيا، فكنت الأول في دورة المذيعين، وكنت أول المطرودين في الإذاعة والتلفزيون السوري، ولم أنسجم بالعمل مع أي مؤسسة انتميت اليها فهم يريدون أن تمشي على طرق الآخرين، وأنا أصر أن لي دربا سأحفره بيدي وربما يوصل هذا الدرب إلى الجحيم، لا أعرف لكني أحاول أن أصل إلى طريقي الخاص، وبالمقابل هنالك من يهلك للحالة الرقابية، من رفع سقف الرقابة في سورية، ليسوا الرقباء، هم أنفسهم الكتاب، وهم من يصفق لهم لكن هنالك حالة وعي ربما، الجهات الرقابية والجهات الوصية على هذه الرقابية من أنها سمحت فعلاً لبعض الأصوت أن تقول ما لديها ربما تريد استثمار هذه الأصوات لخدمة مصلحتها ولكي يصفق لها.
نحن نقبل هذه الفرضية، نقبل أن نتحول الى حجر شطرنج بعد هؤلاء الرقباء ليستمتعوا بأنه لكننا أوصلنا رسائلنا، بالتالي ما كنت أتمناه وأطمح إليه أوصلت جزء كبيراً منه، ومع هذا رغم كل رجائي إلى الرقابة الدرامية، أنا أصفق فعلاً للرقابة السورية التي تفوقت كثيراً على رقابات موجودة في الوطن العربي، وأعتقد لأننا لا نملك صناعة ثقيلة ووحيدة هي الدراما في سورية، على هؤلاء "الرقباء" أن يساهموا بشكل دوري بالتعاطي الإيجابي مع الكتاب الذين يرفضون فعل السقف ويردون هامشاً أوسع لأن رد الفعل ليس عائداً على الكاتب فقط بل عائداً لهم أيضاً، لأنهم سمحوا لهذه الرسالة بالمرور.

ـ من شخصيات هذا العمل، من هي الشخصية الأقرب إليك؟
لو لم أكن كل هذه الشخصيات لم استطع كتابتها، وأنا أكثر الأشخاص تناقضاً، وأمتلك جزءاً من "رؤوف"، من "جابر" ومن "أبو الزين"، وجزء من "نجوى"، ولكل حالة شرط ولكل شرط بيئة ومناخ، من هنا يرهقني كتابة النص الدرامي لأنني أعيش عذاب كل شخصية فإن طلق أُطلق، وإن قَتل أقتل، وإن ابتسم ابتسم.
ومن عنوان هذا العمل "الولادة من الخاصرة" الدلالي، فهو يحمل معنى البكاء، وبالتالي، سيكون العمل سوداوياً ولكم أن تتخيلوا كم من السوداوية، التي كانت موجودة في قلبي حتى صدرت هذه الشخصيات على الورق، وكان لكل شخصية ربما، معجهما اللفظي الخاص، الذي يميزها عن غيرها، نعم أنا كل هذه الشخصيات ولا أشبهها، فهي معالة صعبة.

ـ كيف ترى ورشات السيناريو في الأعمال السورية، ومشاركة المخرج للكاتب في أي عمل؟

ورشات السيناريو في الغرب هي حالة صحية تماماً، لأنها تنشأ وجهات نظر مختلفة، وبالتالي قواميس حياتية مختلفة، ولكنها في الوطن العربي لسرقة جهود الشباب الموهوبين، وأنا لا أحب أن أسرق جهد أحد.
ولا أقبل لكاتب شاب بأن يوضع اسمه بجانب اسمي، فإذاً أنا أقع في حيرة، إذا وجدت شراكة منطقية كما حدث مع شريكين أستاذين "حسن سامي يوسف" و"نجيب نصير" هذين الأستاذين، حققا شراكة موضوعية من حيث أن الأول ميداني والثاني مكتبي، وهنا يحدث هذا الإنسجام المدهش في الحالة النهائية للنص الذي يقدماه.
حتى هذه اللحظة لم يحدث معي ذلك، ما يقدم إلي من تجارب لم تقنعني، أو على الأقل لها مناخاتها التي لا تنسجم مع مناخاتي، فلا أستطيع أن أحكم على ورشة عمل سيناريو في هذه اللحظة لكن أدعوا بعض الكتاب إلى أن يرأفوا بالمواهب الجديدة وألا يستثمروا جهدهم وعقلهم وعرقهم ورغبتهم في تأكيد ذواتهم وتصنيع هذه الجهود في أحلام لن تتحقق.

ـ ماذا عن الجزء الثالث من "الولادة من الخاصرة"؟

حتى هذه اللحظة لم أحسم خياري، فيما يتعلق بالجزء الثالث لأني أحترم من ينظر، وإذا ما اكتشفت بأنني لن أقدم مادة ترقى إلى مستوى هذا الإنتظار، فلن يكون هناك جزءاً ثلثاً.

ـ لماذا نتوجه عبر الدراما إلى العشوائيات، ألم يمل المشاهد العربي في هذا النوع من الأعمال؟

منذ زمن الأبيض والأسود ونحن نقدم القصور والبلاط، لم يأتي صحفي ويقول أين العشوائيات، وعندما دخلنا إلى العشوائيات أتانا من يقول لماذا تسلطون الضوء.
ولو أننا فعلاً أصبنا المشاهد العربي بالملل لما كنا نراه يتابع هذه الأعمال اليوم، لكن العشوائيات هي فضاء للقهر، وما دامت فضاءاً للقهر فهي مولد يومي وساعي للأحداث والمشاكل والألم والحكايات التي لا تنتهي بالمقابل، كل المسلسلات التي قدمت العشوائيات لم ترصدها لأنها تريد تحويلها إلى عالم جميل مليء بالمال، بينما ارادت أن تقول وكاتبنا تحدث في مكان وزمان اختاره هذا الكاتب، فلا أدري لم الحديث عن العشوائيات أصبح موضة ونما.

ـ حدثنا حول آلية النقد الذي دار حول مسلسل "لعنة الطين" وكتابته الدرامية وعن الجرأة في طرح القضايا؟

شاع في الوسط الفني والصحفي مؤخراً، ما يثير القلق على أفق هذا النقد من خلال استخدام بعد المصطلحات التي لم يتم التدقيق في خصائصها، ومنها مصطلح الجرأة، كل ارتطام بحدث مسكوت عنه هو اجتراء لهذا الحدث، وبالتالي لا فضيلة لكاتب لو تحدث عن المسكوت عنه… لأن الوظيفة الأولى للكاتب هي التحدث عن ما تحت السراديب وليس عن الثقافة المُهوات، الدراما هي حالة اصطفائية للغرائب وغير الطبيعي مما يلزم لصناعة حكاية، فإذا دخلنا إلى مكان كمقهى ووجدنا عدد من الناس يشربون الشاي والقهوة وما إلى هنالك، هذا المشهد هو مشهد اعتيادي لا يصلح للدراما لكن عندما تشاهد رجلاً، يضع نرجيلته على الطاولة ويجلس بالمقلوب يصبح مادة درامية، يتجرأ الكاتب في البحث عن حكايتها وخصائصها، إضافة إلى أن الجرأة هي أداة إمتياز للجهة التي أباحت مرور هذا النص وليس للكاتب.
بمعنى أن بعض الصحفيين يطبلون للرقابة التي أجازت هذا النص عندما يتحدثون عن الجرأة، ما يعنيني ككاتب أن أقدم حكاية تمتلك طزاجة ما، يحددها أفقي وسقفي المعرفي، وقدرتي على جذب عدد من المتلقين لهذه الحكاية، أما جرأتي فأنا وسائر الكتاب يتجرأون على قضايا، ولكن لا أصفق لهذا المصطلح، ولا أوجه لبعض من أصدقائي أن يصفقوا لأنهم يمتدحون رقيباً ولا يمتدحون كاتباً، ربما الأجدر أن يقال جودة سبق الشخصيات واللفظ الخاص وعدم التناص مع حكاياتي السابقة".

ـ من يتابع الدراما السورية على مدى أعوام طويلة، يرى أنها عبارة عن حتوتة، وكتاب قليلون استطاعوا تحويلها إلى حكاية حقيقية حدثنا حول اختيارك للحتوتة وتحويلها إلى حكاية ضمن كتابتك؟
هناك إشكال نقدي يقع به الآخرون في استخدام مصطلحات لها علاقة، فالفضاء الروائي المكتوب الذي يشارك في صناعة فضاءه المتلقي، وبين العمل الروائي المتلفز المحدد بصورة وبممثل يؤدي وبالتالي لن يصبح هذا المتلقي شريكاً في إنتاج الصورة وأصبح تابعاً لهذه الصورة وبالتالي هو شريك في الدلالة التي يقدمها النص.
هنا تبدأ حكايتي أنا كروائي، أريد أن أقدم حكاية محددة لا يستطيع المتلقي أن يضيف إليها وأن يشارك في صناعتها، فأقوم بجمع ذاكرتي الإنفعالية، خبرتي الحياتية، ثقافتي التي حصل عليها من قراءاتي المتعددة، بالإضافة إلى واقع فر من الحكاية، مما يساعد على اكتشاف مناجم هائلة، لكن أقول لأن الواقع كواقع لا يصلح لأن يكون دراما دون إجراء عملية من الإشتغالات على هذا الواقع التي تؤدي في النهاية إلى بتر ما هو اعتيادي، والحصول دائماً على المكثف المختزل الذي يؤدي الغرض، كل هذه العوامل هي التي تشكل البؤرة الاولى للحتوتة، لكن لتتحول إلى حكاية، ربما يتداولها الناس، وعليها أن تتمتع بخصائص، الخاصة الأولى من وجهة نظري كشاعر أولاً وكسيناريست ثانياً هي أن تمتلك مصداقية لدى هذا المشاهد حين يتواطئ على فعل المشاهدة ويقر بأنه أمام قصة حقيقية وهو مدرك تماماً بأن كل ما يشاهده "تمثيل" وهو أكذوبة متفق عليها من قبل الطرفين، وكلما منطقت هذه الحكاية وقدمت معجماً لغوياً خاصاً بالشخصيات التي تؤديها كلما كانت الأكذوبة أكثر راحة وأكثر قبولاً عند هذا المشاهد، هذه الخاصيات إذا تمتعت بها حتوتتك ستتحول إلى حكاية".

ـ حدثنا حول الانتقادات التي حصل عليها مسلسل "لعنة الطين"؟

العالم أكبر من تصورك وشارعك ومدرستك ليست هي سورية، وليست هي الوطن العربي، وبالتالي ينبغي على المشاهد إلا يعمم تجربته الشخصية ومشاهداته الخاصة على كامل مساحة الجمهورية العربية السورية… والوطن العربي، لأنه بذلك سيكون قاصراً.
وإذا لم تكن على تماس مباشر مع بيئات متعددة ومتنوعة ومتلونة في ثقافتها وإنتمائها وتمايزها الطبقي، فإنك بدون شك ستصل إلى قناعة، بأن ما يعرض على الشاشة ليس حقيقياً، لكنني أؤكد لكن من تابع الجزء الأول والجزء الثاني من الولادة الخاصرة، أن كل الشخصيات لها واقع ارتطام بشخصيات على أرض الواقع، ولدي ما يثبت هذا الكلام فيما يتعلق بالشخصيات التي تبدوا خارجة عن السياق المنطقي… فهناك من قال بأن شخصية "أبو نبال" هي شخصية مافية تعيش في إيطاليا ولا يمكن لهذا الحدث "أبو نبال" أن يكون في سورية.
وأقول لمن يتصور هذا الكلام بأن حادثة قطع القدم قد حدثت وحادثة الإعتداء على مدير الناحية وتعريته من ثيابه أمام أسرته وتصويره بالمحمول قد حدثت وأن كل التصرفات التي قام بها… لها ميلشياتها ولها أجندتها التي تحركه منذ أكثر من عشرين عاماً في هذا البلد.
لذلك أدعوا كل من لم يصدق ما جاء به هذا المسلسل بجزءه أن يسأل من هو أكبر منه سناً بجيل أو جيلين أو في منطقة أو مدينة أخرى ربما سيغير رأيه وسيدرك تماماً أنه ما قدم هو مجرد مزاح لما كان يحدث في سورية وفي غيرها".

ـ كيف تصف لنا قيامك بتأرخة اللحظة الدرامية، وليس كتابة تاريخها؟
"أنا أقدم حكاية وليس فيلماً تسجيلياً، أقدم حالة ارتطام بالواقع ضمن فضاء دلالي أقترحه، وأتعامل مع الدراما على أنها استحقاق، ومن يستحق هذه الدراما ينالها، ومن لا يستحقها يتعامل معها على أنها حتوتة، لكن الدراما التي أتعاطى معها دراما لها رسائلها ولها شيفرتها التي تحتاج إلى عقل وليس فقط إلى حالة إبداع".

ـ كيف تستنبط المواضيع والرؤى في كتابتك عندما يعتذر ممثل عن اداء شخصيته الموجودة في الجزء الأول كما حدث مع الفنان "مكسيم خليل"؟

عندما اعتذر الفنان "مكسيم خليل" أحدث إرباكاً حيث أصبحت أمام خيارين، الأول أن نأتي بممثل بديل، وسيقوم المتابع بشكل ميكانيكي بالمقارنة، ما بين أداء الفنان "مكسيم خليل" وبين هذا الممثل كائن من يكون، وسينتصر الفنان "مكسيم" حتماً، لأنه حفر في الذاكرة وقدم أداءاً ممتازاً في الجزء الأول، والخيار الثاني كان أكثر إرهاقاً وإتعاباً للروح، وأكثر إرهاقاً للبنية الحكائية، وهو أن تشتت هذه الشخصية، بإحتيالات كتابية ربما تكون مكشوفة، ومفضوحة، بالنسبة للمتلقي أو للمتابع وربما نكون أقل ذكاء بكثير من الحلول الأساسية لكن أنت مضطر بأن لا تدفع هذا المتلقي لإجراء هذه المقايضة التي هي من حقه، بين ذاك الممثل وبين هذا.
وفي هذه النقطة وبالتحديد ذهبت إلى الخيار الثاني الذي أتعبني وبقيت أكثر من شهرين في التعديل ولا أدعي بأنني قدمت حلولاً سحرية، لكن قدمت حلولاً إسعافية، كان لولاها لما ظهر "ساعات الجمر".

ـ كيف ترى أهمية العلاقة بين الكاتب والمخرج؟
للصدق عملت مع مخرجين ومنتجين لم يكونوا متطلبين جداً، ربما لأنني أنجزت همهمتي بطريقة لائقة، خففت أي توتر يمكن أن يحدث، والحقيقة أن خلافاً حقيقياً ما بين المخرج "أحمد ابراهيم الأحمد" في مسلسل "لعنة الطين" أو المخرجة "رشا شربتجي" في "الولادة من الخاصرة" وفي "ساعات الجمر" لم يكن موجود بحكم أننا اقترفنا فعل الشراكة وأمنا به، وبالتالي أصبحت الإستشارة جزءاً من غرفة العمليات المشتركة بيني وبين المخرجين، وبالتالي حصدنا نتيجة كنا راضين عنها وعلى مستواها".

ـ من اين تستقي أفكارك في الأجزاء الجديد التي تكتبها؟
الفاجعة التي أنهي بها الجزء الأول من مسلسل "الولادة من الخاصرة" لا تعني إنتهاء الحياة، فطائر الفينيق يخرج من الرماد، صحيح أن كل الشخصيات في الجزء الأول احترقت، احترقت ليس بالمعنى التقليدي، احترقت أدواتها، احترقت حكايتها، ومصائدها، لكن الحياة ستسمر بعد انتحار شخصية "واصل" وأعتقد الجميع بأن الحكاية قد تمت، اكتشفنا فيما بعد أن هناك مؤامرة بين من أصبحت زوجته رغماً عن أنفه، وحبيبة والده، في أنه دفع والده وقتله، ولم يكن الموت انتحاراً وبالتالي من هنا تبدأ فكرة ظهور الشخصيات الجديدة وانبعاثها من الرماد.
لا يمكن لأي عمل روائي أن يكون منتهياً تماماً… كل عمل روائي قابل لفتح مسارات جديدة لكن للحقيقة والأمانة لم أكن قررت كتابة جزء ثاني من "الولادة من الخاصرة" لولا إصرار الكثير من الأصدقاء، والمشاهدين والجهة المنتجة على أن يكون لهذا النجاح جزء رديف، والملف العربي لم يقفل… فكيف "الولادة من الخاصرة" أن تقفل، لأن "ساعات الجمر" هي ساعات الوطن العربي، ساعات الغليان والاحتراق".

الكاتب والسيناريست سامر رضوان مع الصحفي شادي نصير

تكتب حول الفساد الاجتماعي والحكومي في الوطن العربي، وفي سورية بالتأكيد، وحول رؤيته للدراما هل هي تلعب دور الناصح والمرشد؟
الدراما ليست أكاديمية لتعليم الناس، ولو كانت كذلك لكان نجح كتاب الدراما عبر سنة من تخليص المجتمع السوري من طائفيته، ومن قدرته على تقطيع البشر، وجدنا في سورية سورياً يستطيع وبكل بساطة أن يقطع جسداً بشرياً بغض النظر عن هويته، هذا يعني أن الدراما لن تستطيع أن تقدم فعلاً تنويرياً، هنا يقودني هذا السؤال… إلى البحث عن سؤال موازي له "هل الدراما هي رسالة تنويرية وثقافية، أم هي صناعة" وأنا أميل إلى أنها صناعة تحمل رسالة".

ـ هل أنت مع كتابة نص درامي من ثلاثين حلقة مخصصاً لفنان أو فنانة؟ كما يحدث في الدراما المصرية؟

هذا الكلام غير وارد في قاموسي على الإطلاق البطولة التي تقترحها الحكاية يأتي إليها الممثل ولا تذهب الحكاية إليه".

ـ مادا تحدثنا حول مسلسلك الجديد "وصايا كانون"؟
هو مشروع لمقدم روائي مغايراً عما قدم في "لعنة الطين" و"الولادة من الخاصرة" هنا اتهمت بأنني سوداوي، وعنيف وقاسي وسأؤكد هذه الفرضية في "وصايا كانون" لكن بوجهة نظر مغايرة تماماً وسيتمكن المتلقي من اكتشاف أن القسوة ليست خارج لعبة الفن فلو كانت كذلك فلما أطل علينا بعض الشعراء وقالوا، نريد أن نسمي مدرسة بالرومانسية، لو لم يقتطفوا جزء من خصائص الفن العام وانتقوا ما يناسبهم منها وسموها بالكلاسيكية".

 

وفي الختام لا بد أن نتمنى للشاعر والسيناريست سامر رضوان المستبقل المتألق الذي يستحقه.