فقاطعته بشفقة ومحبة وقلت له: ولو، يا قلبي العزيز، أعرف تماما أنك تتكلم من باب حبك العظيم لسورية، وأرى أن عروقك رسمت خارطة سورية في شغافك، وأن اسمها محفور في شرايينك.. ولكن أعرف أيضاً أن إيمانك بالله، أكبر من الظلم الذي يمارس عليها، فسورية الله حاميها، و سورية الله مبارك فيها، فهي مهد جميع الديانات وموطن كل الحضارات ..

وكتبت ريما ديبو عن حبها ويسعدنا أن نشاركها هذا الحب، وهي خير من عبر عننا؛ نحن الذين يخوننا التعبير ولكن لا يخوننا الشعور،  وهي أرق من قال:

سورية هي الحب الأبدي.. وشمس الحنان

أميز في قلبي ثلاث خفقات واضحة المعاني:

خفقة حب ووله لسورية والتي هي حبي الأبدي ..

وخفقة إكبار وإجلال لكل روح شهيد أستبسل في سبيل الوطن الغالي وروى بدمائه الزكية تراب بلده الغالي سورية.

وخفقة غضب على من جرحها، واغتال أبنائها..

أحسست بألماً وبثقلا في قلبي لم أعهده يوماً، فوضعت يدي على قلبي، فلفتني أن دقاته التي كنت أميز فيها الخفقات السعيدة المتسارعة بحب الحياة والمستقبل قد تغيرت فجأة وصارت دقات خافتة بطيئة مثقلة بالهموم، فلقد كان قلبي يخفق ببطء وبمشقة واضحة..

وحتى لو لم أكن طبيبا مختص بالقلب، لكني أعرف قلبي وبيننا عشرة عمر، وأفهم كل دقة يدقها ما تفسيرها، وماذا تحمل من معاني، وماذا يريد أن يقول ويسّر لي.

فخاطبت قلبي وأنا خائفة عليه من أن يكون مريضا، قلت له: يا قلبي لم أراك يوما مثقلا بجراحك وهمومك كما أراك الآن!! يا قلبي المسكين، ماذا ألم بك ومن هذا الذي استطاع أن يجرحك ويدميك؟ فأنا التي أعرف كم إيمانك كبير بربك الذي يظهر وينضح مع كل دقة من دقاتك !!

أرجوك أجبني ما الذي جعلك مثقلا ونازفا إلى هذا الحد ؟

أكيد أن هناك مصابا جللا حدث حتى جعلك تصل لهذه الحالة الأليمة!!

فأجابني قلبي وهو يخفق ببطء لما يحمل على كاهله من ثقل كبير أحنى ظهره وأبطئ من خفقاته… التي كانت قبلا متسارعة مندفعة نحو الشمس وتنضح بالحياة والسعادة…

رد علي قلبي وعيناه مليئة بدموع الألم والقهر: كيف لي يا صاحبتي العزيزة.. يا من أخفق في صدرك.. يا من أضخ الحياة في عروقك.. يا من أشاركك فرحك وحزنك.. أن لا أكون مجروحا، وداميا وحزينا؟ وأنا الذي كنت في زمن مضى أضخ في شرايينك السعادة والأمل بغد مشرق معافى.. مليء بالأحلام الزاهية والمستقبل الواعد الواسع المشرق..

أما الآن فدقاتي بطيئة وحزينة جدا على هذه البلد التي معناها الشمس، فكيف سمح لنفسهم هؤلاء الضللة الطامعين أن يفكروا مجرد تفكير أن يطفؤا نور الشمس؟ ويحاولوا جعلها كامدة تلبس السواد حزنا على ما يحدث على أرضها من تخريب وعدوان لم تعهده سورية ولم تعتاد عليه بهذه الهمجية والوحشية والدموية والبعيد كل البعد عن الإنسانية؟

من سمح لهم أن يسرقوا الأمان من سورية البلاد الذي اعتدنا عليه منذ عشرات السنين؟؟

من سمح لهم أن يحرقوا معالم سورية الحبيبة؟؟ لأجل أكاذيبهم المزعومة البعيدة كل البعد عن الوطنية والمنطقية والصواب..
ينادون بالحرية ولا يفقهون ما ينادون به.. فهل الحرية هي الهمجية؟؟

ينادون بالإصلاح، ويخربون كل ما تطاله أيديهم من أملاك عامة للناس والمواطنين من سيارات ومحلات وبيوت!!

من سمح لهم أن يصدّروا من معامل الإجرام والنذالة، ويغرقوا أسواق الأطفال القلوب البريئة الصغيرة من منتجات مصانعهم القذرة.. مصانعهم التي تصنع بكل أسف شلالات من الدموع المقهورة ليذرفها الأطفال كل يوم على أب كان الصديق لهم، وكان السند، وكان الملاذ، وكان الرعاية؟؟

ومن أعطاهم براءة الاختراع ليتمادوا، وليشوهوا أقدس لوحة حللها الله، وهي لوحة العائلة: (الأب ، والأم ، والأطفال).. ويجعلوها ناقصة الخطوط، ومعتمة الألوان، في خطف دعامة وركيزة اللوحة الأساسية، وهي رب الأسرة.. الذي كسر شوكتك يا خائن، ويا غادر، ووقف في وجه أنيابك التي تريد أن تفترس أهله، وفدى عائلته فدى عرضه.. بقلب أسكته رصاصكم عن الخفقان في الدنيا الزائلة، ليملأ جنة الخلد بأعذب الخفقات التي تتكلم عن صاحبها وعن دمائه التي أهداها لحبيبته وعرضه سورية.. والتي تتحد خفقات قلب الشهيد في الجنة مع صلوات ورود شقائق النعمان على أرض بلاده، والتي تتغنى بكرم الشهيد الذي رواها بدمائه لتنمو وتترعرع في حقول بلاده الواسعة والتي تشهد في كل ورقة من ورقات أزهارها على بسالته… كل دماؤكم يا مارقين لا تساوي دمعة طفل واحد قهر على والده الذي اغتالته رصاصات غدركم الآثم، ولا قلب زوجة احترق بعد أن تسببت وحشية تركيبتكم المجبولة من نفس طينة الوحوش المفترسة في ترميل زوجة مازال طفلها في أحشائها جنيناً حرم من كلمة بابا.. ولكن سيظل حتى يصير كهلا سوف يبقى يسمع حكايا البطولة والفداء التي تتغزل بجمال وعنفوان وشجاعة والده الشهيد ..

ومازال قلبي مسترسلا يحدثني حزينا يعبر عن أحاسيسه التي تنضح من عشقه ووله لكل ذرة تراب في سورية…..

فخفت على قلبي أن يسترسل أكثر وأكثر.. وتزداد حالته سوءا كلما أسترسل في سرده لألمه الذي هو ألم وطن كامل .. فقاطعته بشفقة ومحبة وقلت له: ولو، يا قلبي العزيز، أعرف تماما أنك تتكلم من باب حبك العظيم لسورية، وأرى أن عروقك رسمت خارطة سورية في شغافك، وأن اسمها محفور في شرايينك.. ولكن أعرف أيضاً أن إيمانك بالله، أكبر من الظلم الذي يمارس عليها، فسورية الله حاميها، و سورية الله مبارك فيها، فهي مهد جميع الديانات وموطن كل الحضارات ..

وهي قدمت الخير لكل أشقائها العرب واحتضنتهم أوقات الأزمات والملمات التي أصابتهم في أوطانهم من تشريد ونزوح… فكان بابها مفتوح لكل من ألتمس كرمها وحمايتها وبيتها..

وأيضا هي تفتخر أمام كل العالم ولا تخجل بأنها تقف إلى جانب كل مقاوم شريف يدافع عن حقوقه المشروعة بطرد كل طامع فيها، و ما يلم بها الآن من ألم ما هو تفسيره إلا لأنها شوكة في عين كل معتدي طامع بممتلكات غيره من البلدان ولأنها: لا، ولم، ولن تتنازل أبداً عن حقوها وأرضها، وستبقى تحمي عرضها، وعرض العرب..

فالغاصب غاضب لأن سورية هي مخرز في عيونه.. تقاومه بكل شموخ واعتزاز.. وببسالة الشجعان الأحرار تقف في وجه جبروته..

ولكن أعدك يا قلبي كما كنا في كل مرة منتصرين عليهم، فهذه المرة أيضا سننتصر عليهم.. ولو أنها المرة الأعنف من أي مرة.

لأن الغدر خرج من العرب الأشقاء، قبل الغرب الأصدقاء!! لكن لا بأس فالأزمات تغربل من حولك، وتسقط قناع كل مدعي يخفي وراء ابتسامته التي يعمل جاهدا لتظهر كابتسامة الحمل، يخفي أنياب ذئاب وثعالب شاردة غادرة شرسة..

وأؤكد لك يا قلبي وليطمئن فؤادك العاشق لكل ذرة تراب من هذا البلد الشامخ بلد الشمس والحق الساطع.. هذه المرة أيضا نحن المنتصرين لأن الله مع الحق، ونحن مواقفنا محقة، فالله لن يخذلنا وسيقف معنا ولو طال الوقت.

وبما أنك قلت لي وأنت تعرف أن سورية معناها الشمس.. فسأقول أن سورية الشمس ستبقى ساطعة في وسط سماء الوطن العربي (مهما حاول أن يطالها)، ولن يستطيع أن يطالها يد الغادر المعتدي ليطفئها أو يغير من لونها.. لأن سورية شمس عالية دائما، وستبقى عالية حتى يفنى الكون..

ولن أشبه المعتدين بالغيوم السوداء ، لأن الغيوم السوداء تحمل في قلبها المطر الأبيض والغيث والخير للأرض، ولكن سأشبه المعتدين بالزوبعة الرملية التي تحاول للحظات قليلة أن تخفي نور الشمس ولكنها خسئت بإذن الله، والشمس سورية ستبقى ساطعة تنير كل الكون، وستبقى الحضن الدافئ لكل مقاوم شريف حر.

ولتعود دقاتك يا قلبي تنضح من جديد بحب الحياة، ولتعلوا وتتسارع صدى خفقاتك بأصوات الصلوات والتقديس لله الواحد الأحد الحق الذي إن ينصرنا فلا غالب لنا، ونحن منتصرون بإذن الله، وبهمة كل مواطن حر شريف حمل سورية في قلبه، ويعرف أن فضلها عليه كفضل أمه، لا بل أكثر من ذلك بكثير، فسورية هي الأم الكبيرة التي احتضنته منذ كان صغيراً ورعته حتى صار كبيراً، وسهرت على حمايته وأمنه واطمئنانه.. وحافظت على هويته العربية.. وتنفس العزة والكرامة من هواء سورية النظيف الأصيل، وشرب حب الوطن والغيرة على أهله من مائها العذب، وترعرع في أحضانها الدافئة الواسعة…. وأكل من خيرها وتفيء في ظلها الوافر الحنون.. فهو الآن بعد أن تربى تربية صالحة سليمة عزيزة.. هو الآن يرد دينها عليه، ويقف معها في وجه كل أذى وتجريح تتعرض له، ويساند مواقف أبنائها الصامد الكريم العزيز..
و دائما ستبقى سورية هي الحب الأبدي، وشمس الحنان الساطعة..

ولن نسمح لهم أبدا بأن يغتالوا أحلامنا ومستقبلنا الواعد الأخضر والمشع بالنور، والذي ترفرف فوق سمائه طيور السلام والحب والعزة…