أصبح الطفل بيننا يعرف أن صوت المدفع ليس لإثبات الإمساك او الإفطار.
وأن صوت الرصاص ليس بالضرورة للأعراس فقط.

سوري مسيحي في رمضان بقلم المهندس باسل قس نصر الله

كان شهر رمضان الكريم بالنسبة لطفل لم يتجاوز الثامنة من عمره، هو عبارة عن أيام من المأكولات التي تشتهر في هذا الشهر، فمن غزل البنات إلى شراب قمر الدين والسوس وكعكة رمضان إلى الكثير من العادات والاحتفالات.

مضى زمن طويل على هذه الأيام، حيث كنت أنا ورفاقي من آل علواني وفرحات وغيرهم نتسابق إلى طقوس الطعام دون الالتفات إلي غيرها من الأمور.

ولم أكن أعتقد أن المَدافِعَ تُطلق إلا لأجل إثبات وقت الإفطار….

كنا مرة – قبل الإفطار – نلعب معاً على الرصيف أمام البناء وكنت آكل شيئاً، وعندما رآني والدي وهو قادم، عبث بوجهي وأمرني أن أصعد إلى المنزل، وأنبني حينها قائلاً "أن اميل قس نصر الله لم يقم بتربية أولاده على قلة الاحترام" وفهمت عندها ما يعنيه الصوم، وما هو احترام الآخر في معتقداته، ومنها عقدت العزم على أن لا آكل أمام احدٍ خلال رمضان.

كبرت وكبر رفاقي…
وكنت أتذكر ما علمني إياه والدي من احترام الناس ليحترموك.

أحزن في بداية رمضان هذا على ما وصلنا به.
تفرق أصدقاء طفولتي على هضاب الوطن والعالم، ولكن تجمعنا أخلاق رمضان وأخلاق الصوم المسيحي.

إذا كان علينا الامتناع عن الطعام، فهلّا امتنعنا عن القتل وهو ما ورد في الأشهر الحُرم؟

أصبح الطفل بيننا يعرف أن صوت المدفع ليس لإثبات الإمساك او الإفطار.
وأن صوت الرصاص ليس بالضرورة للأعراس فقط.

أحزن كثيراً لما آل إليه الحال، ولاستغلال الظروف، وللتهديدات المستمرة والكلام البذيء الذي أقرأه.
كلنا نطالب بمكافحة الفساد، ومعاقبة الفاسد والمُفسد، وكلنا يطالب بإيقاف نثر الدماء على هضبات الوطن.

هل هذا هو الوطن الذي تمتعنا فيه برمضان؟
هل هذه هي أخلاق الوطن وأخلاق الشرائع السماوية؟

هل أصبح القتل والاغتيال والاختطاف والابتزاز والمتفجرات هي سمة سورية؟

في إحدى المرات التي كنتُ فيها مع والدي، عندما سمع الآذان، أنزل والدي رجله التي كان يضعها على رجله الثانية، فتعلمت منه معنى آداب احترام الرموز الدينية للآخرين. فهل سنحترم كلنا الشهر الحرام؟

أنا السوري المسيحي اُذكّر الجميع أننا يجب إيقاف هذا العنف المزدوج.

علينا في هذا الشهر الكريم، أن نستخدمها فرصة لحقن الدم، والتوجه إلى الأساليب السلمية لحل الخلافات السياسية المؤطرة تحت أغلفة متعددة، والتي يتضح لكل عاقل أن لا قدرة لأي نوع من العنف على حلها.

أريد لأبنائي أن يعيشوا ويكون لهم ولأولادهم ذكريات جميلة عن رمضان، يعيشوها بطفولتهم وشبابهم، وان يصدقوا أن المدفع سيكون له استعمال على الجبهة، وآخر للتذكير بالإمساك والإفطار في رمضان.

أريد للجميع، الكبار منهم، أن تعود ذكرياتهم الجميلة عن رمضان وأن يحييوها بورع وخشوع وسلام، والصغار منهم، أن تكون لهم الذكريات الجميلة والأحلام الوردية عن غزل البنات وقمر الدين و "الخرجية" .

أنا السوري المسيحي، أريد لجميع أبناء وطني، واكرر جميع أبناء الوطن، بكل هذا الطيف الذي يُشكل سورية من سنة وشيعة وعلويين ومرشدين واسماعيليين ودروز وأرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت وغيرهم من الأزهار، أن يمر عليهم هذا الشهر الفضيل وتتجمل فيهم مزهرية الوطن.

اللهم اشهد أني بلغت