حدّثني صديق لي يعمل في الديكور الدرامي أنهم قبل كل عمل عليهم القيام بإصلاحات لا غنى عنها كطلاء الجدران و ملء الفراغات بقطع ديكور جديدة!, و أغرب ما في ذلك أن هذه الإصلاحات تتم حتى و لو كان العمل يناقش الطبقتين الوسطى و الفقيرة التي يكون واقعهما على عكس واقع المشاهدة التي تصوّرها الأعمال الدراميّة حيث يهتمون بالجمال أكثر من اهتمامهم بالواقعية

 

 

 

سينوغرافيا المشهد الدرامي …… حاجة أم ترف؟

 

 

 

 

إذا ما كانت السينوغرافيا هي كل شيء يشغل فراغ المشهد ما عدا الممثل من ديكور و إضاءة و غيرها من الأمور الفنّيّة التقنيّة التي تفيد المشهد و تغني الفكرة العامة للعمل، فمن هذا المنطلق يمكننا الحكم على الدراما السوريّة بأنّها غير واقعية السينوغرافيا، فعندما تشاهد أعمالنا الدرامية تشعر بأن منازلنا عبارة عن قصور عامرة بالرفاهية و الجمال دون أن يشوب هذا الجمال أية شائبة حتى و إن كانت آثار رطوبة على حائط ما فهذا الأمر بالنسبة للمسؤولين عن العمل لا يجوز و يجب على مخرج العمل أن يطالب بتصليح هذه الأمور.

 

حدّثني صديق لي يعمل في الديكور الدرامي أنهم قبل كل عمل عليهم القيام بإصلاحات لا غنى عنها كطلاء الجدران و ملء الفراغات بقطع ديكور جديدة!, و أغرب ما في ذلك أن هذه الإصلاحات تتم حتى و لو كان العمل يناقش الطبقتين الوسطى و الفقيرة التي يكون واقعهما على عكس واقع المشاهدة التي تصوّرها الأعمال الدراميّة حيث يهتمون بالجمال أكثر من  اهتمامهم بالواقعية, و من ناحية أخرى نجد بأن الأمر ازداد تكلّفاً في السنوات الأخيرة المعاصرة لدخول الدراما التركيّة إلى شاشات عرضنا و ما فيها من سحر جمالي يصبغ على المشاهد و هذه تعتبر نقطة قوّة لها, التفت المنتجون إلى هذه الناحية و أصبحوا أسخياء في دفع متطلبات الديكور الإنتاجية حتى أن بعضهم قام ببناء المشهد من الصفر و لم يعتمد على أبنية مسبقة الصنع فعادوا بذلك إلى منتصف القرن الماضي عندما كان بناء الديكور لكل مشهد أمر لا بدّ منه في الاستديو، أما الآن و مع وجود تقدّم غريب في الأمور التقنيّة المونتاجيّة فهذا الأمر أصبح ترفاً و لا حاجة له.

 

إن الكلام السابق لا ينكر بأن أعيننا تحبّ الجمال و لكن أعتقد بأننا نتفق على أنّ هذا الجمال يجب عليه أن يكون طبيعياً وليس مصطنعاً إلى حد الابتذال و هنا يتوجّب عليّ أن أضرب مثال انتقدته صاحبته و هي الكاتبة السورية "رنا حريري" كاتبة الجزء الأوّل من مسلسل صبايا الشهير حيث قالت بأن العمل ترجم بشكل خاطئ جداً من قبل الرؤية الإخراجيّة و الإنتاجيّة فهي كتبت عن خمس صبايا جامعيات يعيشون في منزل عادي مستأجر في أحد أحياء دمشق كأية فتيات من عصرنا و ليس كما صوّره المخرج حيث نرى أن سينوغرافيا المنزل تتمتّع برفاهيّة عظيمة و أنّ هكذا منزل له أجار كبير ليس بوسع الطالبات الجامعيات الخمس تحمّل تكاليفه بل و تكاليف طريقة الحياة التي يصوّرها المسلسل و يزيدها تصاعدياً من خلال أجزائه الثلاثة إلى أن وصل إلى عرض جمالي رائع لـ"مالوكانات" الشاشة في جوّ من جمال الديكور و الملابس هذا الأمر الذي يبيّن بأنّ هذه العوامل مجتمعةً كانت سلعة لتسويق هذا المسلسل.

 

في الختام يبقى أن نتساءل عن مستقبل الدراما السوريّة التي كان الوصف الواقعي من أهم مميّزاتها في بداياتها, أمّا الآن فهي تبتعد عنه شيئاً فشيئاً ليأبه القائمين عليها بالنفع المادي أكثر من الرسالة الإنسانيّة التي توجهها هذه الأعمال "إن وجدت"،و كما يقول المثل الشعبي "كل شي بزيد عن حدوبيقلب ضدّو" فيا سيداتي و سادتي المخرجين هلا راعيتم ذلك أثناء وضعكم لخطط تنفيذ المشاهد و ديكوراتها المختلفة, فإنّي لأخشى على الفن السوري أن يزداد في التجويف و البعد عن الواقع.

 

 

 

جلال مولوي – عالم نوح