لا شكّ ان استخدام اللغة البصرية في القصيدة يخلق أبعاداً وآفاقاً خيالية بالنسبة للشاعر والمتلقي على حد سواء، ويدخله في عالم يفترضه الشاعر لنفسه ويرسم تفاصيله وألوانه التي يريدها أو كما يهواها هو

حامد بدرخان شاعر الريف

 

 

لا شكّ ان استخدام اللغة البصرية في القصيدة يخلق أبعاداً وآفاقاً خيالية بالنسبة للشاعر والمتلقي على حد سواء، ويدخله في عالم يفترضه الشاعر لنفسه ويرسم تفاصيله وألوانه التي يريدها أو كما يهواها هو.

في ديوان "الشمس لن تغيب" للشاعر "حامد بدرخان" نجد الكثير من الألوان والعوالم التي صنعها الشاعر لنفسه، ولكن هذه العوالم لم تكن مقتصرة عليه وحده وإنما كانت عوالم مشتركة بينه وبين المتلقي إلى حد كبير، فيخاطبه بعالم يستطيع المتلقي فيه معرفة تفاصيله وأسراره ويتابع بسلاسة تكويناته المألوفة بالنسبة إليه، وفي هذا الديوان نكتشف بصرية حامد بدرخان المفرطة وإحساسه بما حوله تماماً، وهو بذلك لا يضفي شيئاً جديداً على الصورة الاعتيادية التي يرى بها الأشياء بقدر ما يحاول نقلها كما هي  لتكون خاضعةً لفكرته وموضوعه الذي يطرحه، فنجد اللون بارزاً في العديد من قصائده، إذ يقول في قصيدة "من ملحمة الجولان":

 "في وسط الظلام الدامس" ويقول في "ثلاث قصائد حول شجرة السمّاق": " تعالي، لنبتعد عن آفاق الظلماء الباردة" إلى غيرها الكثير، وهو في ديوانٍ لا يتجاوز الأربعة والستين صفحة يبدأ في أكثر من عشر قصائد منها بالألوان التي تأخذ شكلها المفروض عليها دون أن تقتبس ألواناً أخرى، فالبحر لديه أزرق، والشمس لديه ذهبية كما في الريف، والأشجار خضراء في الجبال والسهول، بالإضافة إلى معظم قصائده التي يركز فيها على الألوان واللغة البصرية بشكل عام، ولكنه لم يتخطى إلى أبعد من ذلك، فاللون عنده ليس كألوان "أدونيس" مثلاً الذي يتلاعب بها إلى حد التناقض أو يستغلها ليولدها ويخلقها خلقاً جديداً فتبقى موحية لغرض شعري يرتئيه، إذ يقول في إحدى قصائده "مراياي بروق وردية وغصون" وأيضاً الشاعر "ابراهيم ابراهيم" الذي يقول "وأعشق فيك ألوان الغياب" فتخرج الألوان بذلك من رتابتها المعهودة وشكلها التقليدي لتعطي بعداً شعرياً آخر يكون أكثر رشاقةً وانفتاحاً على معانٍ كثيرة، ولا ننكر أن لحامد بدرخان بعض المحاولات في خلق شكل جديد للون ليصبح أكثر حركة وفعالية ويعطيه دلالات أرقى ولكنها لم تتخطى مفهوم "المحاولة"، فيقول في قصيدته "جهان":

 "مطر مخملي يهطل

على دقات قلبي"

 وهو بهذا يُخرج اللون من إطاره المعهود لينتقل إلى شكل ومعنى مبتكر يحرك المخيلة ويجعلها خاضعة لقانون التخيّل والخروج إلى أبعد مما تحتويه الجمل.

إن هذا الذخر بالألوان إن دل على شيء فهو يدل على توحّد ذات الشاعر مع الطبيعة التي خلقته فخلدّها فيما كتب، وهي حالة لا يمكن أن نعتبرها سلبية بقدر ما هي ذاتٌ واقعية، فهو يتوحّد مع الأغاني السمراء والمواويل التي كانت تداعب مسمعه في ليالي الريف الجميلة، مع كل دقة قلب يشعر أنها سمفونية ريفية بإمتياز، وهو على الرغم من تنوّع مواضيعه ومشاكله وسفره وترحاله بين المدن إلا أنه لا يكاد يطرح مشكلة إلاّ وتقحم الطبيعة الريفية نفسها بين كلماته، فاستحق بجدارة لقب…شاعر الريف والطبيعة..

 

أغيد شيخو_ عالم نوح