سيادة يوحنا ابراهيم، مطران السريان الأرثوذكس في حلب للمهندس باسل قس نصر الله: إنني أفضل أن أكون شهيداً في حلب ولا شريداً في العالم

وبالتشارك مع موقع: عالم بلا حدود، مشكورا هذه المقالة من المهندس باسل قس نصر الله

 

 

شهيدٌ في حلب ولا شريدٌ في العالم بقلم المهندس باسل قس نصر الله

تأخرت عن موعدي معه، ولم يكن ذلك بسببي بل بسبب الأشخاص من بعض الفعاليات الوطنية التي أبدت رغبتها في اللقاء به.

استقبلنا سيادة يوحنا ابراهيم، مطران السريان الأرثوذكس في حلب، واستمع باهتمام إلى محدّثيه، وكان كعادته يكتب بعض الأفكار التي ترد في سياق الحديث.

استمعنا إلى أصوات تفجير ورصاص وقال له أحد الموجودين عن سبب عدم انتقاله من حلب والبقاء على خط تماس؟ فأجابه مع زفرة صاعدة من قلب محترق، "إن وجودي يعطي الناس بعض الاطمئنان" وأردف قائلاً : أتى إلي أهل مخطوفٍ وطلبوا أن أتدخل مع الخاطفين وكانوا يطالبون بمليون ليرة وعندما تدخلت أصبح المبلغ خمسة ملايين، فاتصلت مع جهة ما وقلت له، كم ستطلبون إذا تكلم البطريرك؟ عشرون مليوناً؟"

كان حزيناً من ما وصلت إليه الأمور في مدينة حلب، قال لنا "في ما مضى كان طريق حلب – دمشق يأخذ مني ساعتين ونصف، أما الآن فإن طريق مطار حلب أصبح يأخذ ساعتين"

"كلكم يعرف أنني كنت أسافر دائما خارج سورية لحضور مؤتمرات وندوات وغيرها، أما الآن فإن كل أصوات أصوات الرصاص والتفجير لن تبعدني عن حلب، إنني أفضل أن أكون شهيداً في حلب ولا شريداً في العالم"

غادرناه والنداء الذي أطلقه كان يختمر في ذهني.

الذي تعلمته في هذا الحصار الخانق، هو إرادة الحياة.

تعلمت أن الحياة يجب أن تكون إرادة صافية.

لي صديقة من حلب، هي سيدة عزيزة دائمة الابتسام، تضفي البهجة في جلساتها مع صديقاتها وجيرانها وأقربائها، وكنت من حين إلى آخر، أتصل للاطمئنان على عائلتها ودراسة أولادها، وكنا نتجاذب أطراف الحديث- هاتفياً – لدقائق، ودائماً كنتُ مدهوشاً من حبها للحياة، والأهم أنها دائمة الانشغال بالمطبخ، ودائماً كانت تستقبل ضيوفاً على مائدة الطعام، وحتى في الحصار الحالي لم تتغير تجاه الضيوف، وأنا أكاد أجزم – دون رؤيتها – أن ابتسامتها لم تفارقها لتضفي شعاعاً من التفاؤل ضمن ظلام الخوف والحصار.

كتبت لي مرة "على شرفات الانتظار …… تنمو أعشاب الأمل وزهور الفرح ….. ومهما علتها الأشواك لابد أن ينبت الياسمين …. أرض الخير …لا تنبت إلا الخير"

تعلمت من الحصار أن أكون أكثر قوة وأن أضفي نوعاً من البهجة على المحيطين، وزادني إصرارا على ذلك هاتين الشخصيتين اللتين ذكرتهما.

أحلم بطاولة للحوار بين الفرقاء، طاولة حقيقية، لا تنتمي إلى الكرنفالات التي أقمناها سابقاً.

أحلم بهدوء يعم في بلدي فلا أسمع عند الصباح إلا أصوات العصافير.

أحلم بمغيب الشمس في بحر بلادي والشفق في سمائها.

أحلم وأحلم وأحلم…..

ولكن الحقيقة الثابتة أنني سألتزم بمقولة المطران ولن أغادر حلب

والتزم مثل تلك السيدة العظيمة بإضفاء البهجة من حواليَ.

وكما قال الشاعر الفلسطيني توفيق زياد

هنا لنا .. ماضٍ .. وحاضرٌ .. ومستقبلْ

اللهم اشهد أني بلغت