صباح وأديب مخزوم في حوار من القلب
- أبريل 7, 2015
- 0
حوار استعادي شامل مع الفنانة الكبيرة الراحلة صباح عاشت بفرح لايعرف التراجع أو الانكسار ومضت بفرح
اجراه معها: الاعلامي أديب مخزوم
حوار استعادي شامل مع الفنانة الكبيرة الراحلة صباح
عاشت بفرح لايعرف التراجع أو الانكسار ومضت بفرح
أجراه معها: الاعلامي أديب مخزوم
بناء على طلب العديد من الزملاء والأصدقاء، يعيد الفنان والناقد التشكيلي والمؤرخ الموسيقي أديب مخزوم، نشر الحوار الذي اجراه مع الفنانة الكبيرة الراحلة الأسطورة صباح، في بيروت – الحازمية خلال عام 2004 . ولقد اختار موقع عالم نوح الإلكتروني لما له من مكانة في قلبه، بعد الحوارات المطولة والشاملة التي اجراها الموقع معه.
لــتسليط المزيد من الأضواء على مسيرتها الفنية، أستعيد الحوار الذي أجريته مع الفنانة الكبيرة صباح خلال عام 2004، في جناحها الخاص بفندق كونفورت في الحازمية، بحضور أبنة أختها والمعجبة الأولى بها كلودا عقل، حيث تحدثت معها حول ذكرياتها مع الفن والحياة، وليس من المبالغة القول أنها أصابتني بعدوى المرح والفرح والتفاؤل، فميزة صباح الأساسية أنها عاشت حاضرها، كما عاشت ماضيها، فهي لم تكن تعترف بالزمن، ولم يجد الحزن طريقه إلى نفسها، فصباح وكما هو معروف كانت ذات ابتسامة دائمة وشهيرة، لا تتخلى عنها حتى في أحلك حالاتها وتوتراتها النفسية، وهي في هذا الصدد تقول: من الأولويات التي حافظت عليها وتمسكت بها، إخفاء متاعبي خلف ابتسامة دائمة، وتوزيع محبتي بالتساوي بين فني وأولادي.
بداية قلت لصباح ماذا عن انطلاقتك في القاهرة، ومن هو مكتشفك الحقيقي ؟
** الفضل الأول في اكتشاف موهبتي يعود إلى السيدة آسيا داغر، التي كانت في فترة منتصف الأربعينات تبحث في لبنان عن وجوه وأصوات جديدة، وحين جاءت إلى بيروت، طلبتني بعد أن شاهدت صورتي، وأبدت إعجابها بصوتي، واتفقت معها على تمثيل فيلمين هما: القلب له واحد مع أنور وجدي، وهذا جناه أبي مع زكي رستم .
كم كان عمرك عندما دخلت عالم التمثيل السينمائي ؟
** كان عمري 17 سنة فقط ، ولقد قالوا لي أنهم اختاروا لي اسماً فنياً هو صباح، لأن وجهي كان مشرقاً وأوحى لهم بنور الصباح.
من أفلام بدايات انطلاقتك الفنية أيضاً فيلم (أول نظرة ) ؟
** فيلم أول نظرة صورنا بعض مشاهده في مصيف برمانا، ومثل فيه أمامي جورج شماس، ولقد تزوجت فيما بعد من نجيب شماس منتج الفيلم، وابن عم جورج، وأنجبت منه ابني الدكتور صباح الذي يعيش في أمريكا، وكان أول زواج لي، أما الذي أخرج الفيلم فهو نيازي مصطفى.
نعلم أنك تقاسمت بطولة ثلاثة أفلام مع فريد الأطرش هي ( بلبل أفندي، إزاي أنساك، لحن حبي) ، ماذا تختزن ذاكرتك من انطباعات عن لقاءاتك الكثيرة مع الموسيقار الراحل؟
** أول مرة عرفت فيها فريد الأطرش، كانت عندما جاء إلى لبنان، قبل ذهابي إلى مصر، وكنت لا أزال أغني في المدرسة، وحب الفن يجري في دمي، حيث جئت إلى صاحب البيت الذي كان قد دعا فريد إلى سهرة عشاء في منزله وطلبت منه أن أغني ليسمعني، وهكذا غنيت أمام فريد الذي كنت أحبه كثيراً، وسمعني لأول مرة، وكنت لابسة مريول المدرسة، ويومها قال لي فريد أنني لا أزال صغيرة ونصحني بإكمال دراستي .. وبعد سنتين من هذا اللقاء، ذهبت إلى مصر، ومثلت وغنيت ونجحت في أفلامي الأولى، وطلبني فريد وأسند بطولة أحد أفلامه لي، ولقد نجح الفيلم نجاحاً ساحقاً، وكانت إيراداته تفوق الوصف، ومن يومها استمر تعاوني معه، حيث شاركته بطولة ثلاثة أفلام، ولحن لي العديد من الأغنيات الناجحة والشهيرة.
الأغنيات التي لحنها لك فريد الأطرش، تفوق في عددها جميع ما لحنه لسواك من المطربين والمطربات، ماذا تقولين؟
** هذا صحيح لقد أعطاني العديد من الأغاني مثل : بيحبني وبحبه، أنغام من الشرق، زنوبة، ربيع لبنان، ويا دلع دلع، وأكلك منين يا بطة، وحلوة لبنان، وعالصورة امضيلي عالصورة، ومن الموسكي لسوق الحميدية، والعديد من الأغنيات التي غنيتها معه أو بمفردي في الأفلام التي شاركته بطولتها. وبيت فريد في القاهرة كان يجمع الفنانين ويوفر أجواء التواصل والحوار، كذلك بيته في بيروت، وبعد أن رحل تفرق العديد من الفنانين الذين كانوا يلتقون على مائدته أو في صالون منزله الفسيح المطل على النيل، فريد كان يتقن التعامل مع الإيقاعات الراقصة، كان سيد الأفلام الاستعراضية، وأغانيه التي قدمها لي مثل يا دلع دلع لا تموت، ولا تزال الناس تطلبها مني في حفلاتي العامة، وفي بيت فريد تعرفت على والد ابنتي هويدا عازف الكمان الراحل أنور منسي.
أيضاً تعاونتِ مع محمد فوزي وعبد الحليم حافظ في بعض الأفلام، ماذا عن ذلك ؟
** مثلت مع محمد فوزي أول فيلم مصري ملون هو (الحب في خطر) حوالي عام 1951، ومن شدة إعجابه بي، كان يحذف بعض أغنياته، لكي تتساوى مع أغنياتي في الأفلام التي مثلتها معه، رغم أنني كنت لا أزال صغيرة، وفي بداياتي الفنية، ومن أفلامي الأولى معه يبرز فيلم (فاعل خير). أما عبد الحليم حافظ فكنت من أوائل المشجعين له عندما ظهر في مطلع الخمسينات، وشاركته بطولة فيلم (شارع الحب) وكنت آخذه معي إلى حفلاتي، كنت مع هؤلاء مثل الأهل، وليس من بديل لمن رحل من هؤلاء الكبار.
وماذا عن قصتك أو حكايتك مع محمد عبد الوهاب؟
** عبد الوهاب كان يتميز بنزعة ملوكية في لباسه وفي فنه وفي أسلوب حياته وكنت أزوره باستمرار، وكان يحب صوتي، ولقد اكتشف – كما قال النقاد – جوانب لم تكن معروفة أو مسموعة في طبقات صوتي. والواقع لا أذكر متى التقيت به لأول مرة، كل ما أعرفه هو أنه عندما سمعني، أثنى على صوتي، ولقد أحبني كمطربة وكانت أول أغنية لحنها لي ( يا ورد يا زرع ايديا )، وقال لي أنت فنانة رائعة الصوت، ولا أحد مثلك يقدر على أداء المواويل اللبنانية، ولقد أشركني في نشيد (الوطن الأكبر) إلى جانب عبد الحليم حافظ وشادية ووردة وفايدة كامل، كما أسند لي بطولة أفلاما من إنتاجه. إلا أن الشيء الأكثر أهمية الذي يمكن أن أتوقف عنده هنا، هو أن الكلمات التي لحنها لي عبد الوهاب، لم تكن مصرية، وهذا لم يحدث، في كل حياته الفنية لأحد غيري. ومن الأغنيات اللبنانية التي لحنها لي ولا تزال محبوبة لدى الناس أغنية (عالضيعة) وأغنية (جاري أنا جاري) و (كرم الهوى) و (كل ما بشوفك) وكلماتها كلها لبنانية من نظم توفيق بركات، وكنت أتمنى أن أظهر معه في بعض أفلامه لكنه كان قد توقف عن التمثيل واكتفى بالتلحين.
ننتقل للحديث عن بدايات أعمالك المسرحية التي قدمت في قلعة بعلبك تحت عنوان ( موسم العز) في مرحلة تعاونك مع الأخوين رحباني، ومن ثم تعاونك مع فرقة الأنوار؟
** مهرجانات بعلبك حوّلت لبنان إلى وطن للسياحة العالمية والغربية ، وغنت أم كلثوم في قلعة بعلبك، ولقد اقترح أعضاء لجنة مهرجان بعلبك أن أغني في المهرجان الثاني، لأن غنائي فولكلوري قادم من القرى والأرياف، وهو المطلوب في مهرجان بعلبك، الذي كان يقام في كل صيف، ولقد رحب عاصي ومنصور الرحباني بفكرة تعاوني معهما، وكانت مسرحياتي التي قدمت في إطار مهرجان بعلبك الثاني تحت عنوان (موسم العز) من أنجح المسرحيات، واشترك معي في تقديمها وديع الصافي والمطرب الراحل نصري شمس الدين. بعد ذلك تعاونت مع الرحابنة في مسرحية ( دواليب الهوا) بمشاركة فيلمون وهبي وإيلي شويري، ثم اشتركت مع روميو لحود في تقديم مسرحية (أرضنا إلى الأبد) مع فرقة الأنوار، كما تعاونت مع روميو لحود في مسرحية (تضلوا بخير) إلى جانب وليد غلمية وتوفيق الباشا وجوزيف عازار وسمير يزبك. وقبل منتصف السبعينات كانت مسارح بيروت قد بدأت تستقطب المهرجانات المسرحية، بعد أن كانت قبل منتصف الستينات محصورة في قلعة بعلبك، ولقد تعاونت مع روميو لحود في تلك المرحلة بتقديم مسرحية (الفنون جنون) و(فينيقيا)، ثم قدمت مع وسيم طبارة ثلاث مسرحيات (شهر العسل، حلوة كتير، ست الكل) وكلها عرضت في بيروت.
اطلالتك الباريسية على مسرح " الأولمبيا " أوصلتك للعالمية ؟
** المسارح الكبرى مثل " الأولمبيا " هي جواز السفر الفعلي إلى العالم، فإن مر الفنان أمام جمهور الأولمبيا بأمان وسلام، فهذا يعني أنه حقق انتصاراً وأمجاداً كبرى، وأنا غنيت على هذا المسرح العالمي العظيم أمام جمهور حاشد، غنيت (عالندا الندا) وغنيت بالفرنسية، أنا طول عمري طموحة وطموحي لا يتوقف وشمسي لم تغب، إن مغتربينا يقطعون مسافات طويلة مئات الكيلو مترات ليشاهدوا حفلاتي، وهذا كان يحصل في جولاتي الأمريكية الأخيرة، جمهوري يتحمس لي إلى حد لا يوصف، ولا يزال الإقبال كبيراً على حفلاتي من قبل المغتربين، من مختلف الشرائح والأعمار والمستويات العلمية والثقافية، وحتى من الأطفال، لأن أهلهم يدفعونهم لمشاهدة أفلامي القديمة، وهذا يزيد من ارتباطهم بوطنهم الأم لبنان، وسبق لي أن غنيت على مسارح كبرى أخرى في باريس مثل " كران هول " الذي يتسع لعشرة آلاف متفرج.
تعيشين متنقلة بين أمريكا ولبنان وبلداناً أخرى يتم دعوتك إليها، ألا يحق لك الاستراحة، بعد تعب السنوات الطويلة ؟
** أهم شيء في حياتي التواصل مع الناس والجمهور، ولهذا أتنقل وأقيم الحفلات وألبي جميع الدعوات التلفزيونية، ودعوات تكريمي التي تقام في لبنان وخارجه، بعت بيتي الذي بنيته منذ أربعين عاماً، لأن الوحدة أتعبتني، لا أستطيع العيش لوحدي، لقد أطلقوا إشاعة تقول أنني مفلسة، فلو كان ما يقولونه صحيحاً هل كنت أستطيع الإقامة في هذا الفندق، وأتحمل أعباء مادية هي أضعاف أضعاف ما كانت عليه عندما كنت أقيم في منزلي .إن محبة الناس لي هي التي تدفعني لمواصلة مسيرتي الفنية، وعدم الانقطاع عن الحفلات والجمهور والسفر والإعلام، فعندما يشعر الفنان أن الناس لم تعد تحبه، فإنه ينزوي ويعتزل ويبتعد عن إحياء الحفلات، وأنا لا أستطيع الابتعاد عن الغناء، طالما أن الناس لا تزال تحبني وتطلبني، وطالما أنني أتمتع بصحة وبقدرة على مواصلة رسالتي مع الفن. والشباب يرتبط دائماً بإحساس الفنان بجمهوره وبقدرته على العطاء والتواصل مع الناس، هناك شباب لهم نفسية الكهول وعلى العكس من ذلك هناك أشخاص أكبر مني ينبضون بالنشاط والحيوية والحركة والطموح، ومن أمثلة ذلك المطرب العالمي " فرانك سيناترا " الذي ظل يلقى جمهوره على المسرح إلى ما بعد الثمانين من عمره، أنا أعيش من منطلق أن لكل عمر جماله ولا أهتم بالمشاكل السطحية التي تعترضني وخاصة الإشاعات، على الإنسان أن يستغل لحظات الحياة السعيدة ويبتسم ويفرح بشكل دائم. مشكلتي أنني امرأة واضحة وصريحة مع نفسي ومع جمهوري، ولهذا كانت قصصي شائعة مع الرجال، هناك سيدات يتزوجن عشر مرات ولا يسمع بهذا أحد، أما أنا فلا أستطيع أن أحب أو أتزوج في الخفاء.
قلت بأنك كنت من أوائل المشجعين للفنان الكبير صباح فخري، متى كان ذلك، وكيف تنظرين إلى واقع الأغنية السورية؟
** كان صباح فخري في بداياته يحصر نشاطه داخل سورية، وحين التقيت به طلبت منه أن يوسع من رقعة نشاطه ويغني في لبنان، ولا سيما في بيروت، ولقد استجاب لطلبي وأضافت صباح: وأنا أحب صوت ميادة حناوي وأصالة نصري وأمل عرفة ورويدا عطية التي أدت أغنياتي بإحساس صادق.
أنت أكثر فنانة عربية تصدرت صورتها أغلفة المجلات الفنية حيث لا تزالين ومنذ أكثر من نصف قرن محتفظة بلقب نجمة الغلاف ؟
** إنهم إلى الآن يخصصون لي الأغلفة بمناسبة وبغير مناسبة، وغالباً ما يكون موضوع الغلاف مرتبطاً بخبر عني وأحياناً بإشاعة، وعلى كل حال الصحافة خدمتني كثيراً وساهمت بإعطائي هذه الهالة وهذا المجد وهذه الشهرة.
كيف تفسرين نجاح بعض المغنين والمغنيات في هذه الأيام، بأغنيات ركيكة من حيث اللحن والكلام والأداء؟
** الغناء لم يعد كما كان في الماضي، فأصوات مطربي ومطربات أيام زمان كانت مختلفة، ففي الماضي كانت الأهمية تعطى للصوت والموهبة والحضور اللافت وكان عددنا قليلاً قياساً إلى الكم الهائل في عدد العاملين في غناء هذه الأيام، كما أن الجمهور في الماضي كان يحب الرزانة والأداء المتقن على المسرح، أما اليوم فهو يبحث عن الصورة قبل الصوت