صفحة علم الميتافيزيقا: في الخميس 12 أكتوبر عام 1972 كانت هنالك طائرة مستأجرة تابعة للقوات الجوية الأوروغويانية منطلقة من مونتيفيديو عاصمة الأوروغواي

طائرة آكلي لحوم البشر

في الخميس 12 أكتوبر عام 1972 كانت هنالك طائرة مستأجرة تابعة للقوات الجوية الأوروغويانية منطلقة من مونتيفيديو عاصمة الأوروغواي، متجهة نحو الشيلي تحمل على متنها 45 شخصا يتكونون من أعضاء أحد فرق الرغبي و عائلاتهم و أصدقائهم و مساعديهم، ليخوضوا مباراة في العاصمة الشيلية سانتياغو…

مسار رحلة الطائرة كان سيأخذها فوق جبال الأنديز أعلى سلسلة جبال في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، كان الطقس ذلك اليوم سيئا و اجتنابا لحدوث مشاكل للطائرة في الجو قرر الطاقم الهبوط مؤقتا في مدينة مندوزا في الأرجنتين لقضاء الليل…
 في اليوم التالي الجمعة 13 أكتوبر أقلعت الطائرة و كان الطقس لا يزال سيئا مع غيوم ثقيلة فوق الجبال، اتجهوا جنوبا بمحاذاة سلسلة جبال الأنديز، كانوا يبحثون عن جبل منخفض إسمه بلانكون ليمروا فوقه غربا و يصلوا إلى الجهة الشيلية من جبال الأنديز خارج الغيوم التي غطت الأجزاء العالية من الجبال مما جعل الطيران فوقها أمرا خطيرا…
لكن وجدوا أن الغيوم تغطي جبل بلانكون أيضا ما حجب عنهم الرؤية تماما و اضطر طاقم الطيران لعمل حسابات ملاحية لمحاولة تقدير مكان الطائرة الحالي، كانت حساباتهم خاطئة فاصطدموا بقمة جبلية على ارتفاع 3657 متر تقريبا و كسر الجناح الأيمن للطائرة و اندفع بسرعة رهيبة إلى الخلف و حطم الذيل تاركا حفرة في النصف الخلفي للطائرة و أدت قوة اندفاع الهواء إلى طيران بعض الركاب من أماكنهم إلى الخارج، ثم اصطدمت الطائرة بقمة جبل آخر فكسر الجناح الأيسر و هبطت الطائرة بشكل مفاجئ و سريع، اصطدم ما تبقى من جسم الطائرة بالأرض و انزلق في منحدر جبلي حاد إلى أن توقف في كومة ثلج…


في المحصلة قتل إثنا عشر راكبا أثناء التحطم و بعده بقليل بمن فيهم كل من كان في قمرة القيادة، في صباح اليوم التالي مات خمسة آخرون متأثرين بجراحهم و بقي 28 شخصا ينتظرون قدوم المساعدة، لم يكن لديهم ملابس صالحة للأجواء الثلجية ولا ما يكفي من الأدوية و كثير منهم كانوا يعانون من كسور في سيقانهم و إصابات أخرى، و مع ذلك كانوا واثقين من وصول النجدة خلال أيام إن لم يكن ساعات…
لكنهم كانوا مخطئين، فرغم أن الأوروغواي و الشيلي أرسلتا فرق البحث إلا أن تلك الفرق لم تكن لديها فكرة واضحة عن مكان وقوع الطائرة. و ما زاد الطين بلة أن جسم الطائرة كان أبيض اللون ما جعله يمتزج بلون الثلج و أصبحت رؤيته من فوق شبه مستحيلة، ألغيت مهمات البحث و الإنقاذ بعد ثمانية أيام و توفي شخص آخر من الناجين متأثرا بجراحه في نفس اليوم…

وجد الركاب الأحياء بين حطام الطائرة مذياعا صغيرا و سمعوا بواسطته تقريرا يقول بأن أفراد فرق الإنقاذ فقدوا الأمل في إيجاد الطائرة. كان هذا الخبر محبطا جدا للركاب و جعلهم يحسون بأنهم هالكون لا محالة، غير أن غوستافو نيكوليش أحد أعضاء فريق الرغبي حاول أن يزرع فيهم الأمل قائلا بأنهم بكل بساطة سينجون في النهاية (غير أنه توفي بعد أيام في انهيار ثلجي)…

أخرجوا جثث الأموات من جسم الطائرة و بدؤوا يستعملونه كمأوى للإحتماء من الطقس السيء، ابتكروا نظارات تحمي من العمى الثلجي باستخدام الزجاج الواقي من أشعة الشمس الموجود في قمرة القيادة، كما صنعوا جبائر و مقومات لتثبيت العظام المكسورة باستعمال حطام الطائرة…

(أكل اللحم البشري):
لم يكن لديهم من الطعام سوى بعض الشوكولا و قطع حلوى و البسكويت و المربى، إضافة إلى زجاجات كبيرة من المشروبات كان الطيارون اشتروها عندما حطت الطائرة في مدينة مندوزا. لم يكن ذلك الطعام كافيا للجميع، حاولوا الحفاظ عليه لأطول مدة و توزيعهم بينهم بكميات قليلة جدا، استخدموا غطاء مزيل العرق كمعيار للمشروب حيث يشرب كل شخص غطاء واحدا و يأكل قطعة شوكولا واحدة في كل وجبة، و ابتكر أحدهم (يدعى فيتو ستراوش) طريقة لإذابة الثلج ليصير ماء، لكن كان واضحا لهم أن الأكل لن يدوم طويلا. لم يكن أمامهم أي مصادر نباتية أو حيوانية في ذلك الجبل المغطى بالثلج و بدأ شبح الموت جوعا يلوح في الأفق…

بعد تفكير طويل توصلوا إلى أن الطريقة الوحيدة للنجاة هي أن يأكلوا لحم الذين ماتوا، أحد الركاب الناجين (يدعى بيدرو ألغورتا) فكر في المسألة على أنها مجرد مساعدة من أصدقائهم الأموات.
روبيرتو كانيسا (الذي كان من أوائل الناس الذين اقترحوا فكرة أكل لحم الأموات) خرج من جسم الطائرة حاملا بيده قطعة زجاج و اتجه لإحدى الجثث و قطع منها عدة شرائح من اللحم. و عاد لرفاقه فأخذ معظمهم واحدا تلو الآخر قطعة لحم لكل واحد و أجبروا أنفسهم على بلعها. البعض رفض أن يأكل اللحم فأخذوا ما بقي من الشوكولا، لكنها نفذت بعد مدة ليست بالطويلة و اضطروا مرغمين على أن يأكلوا اللحم كالبقية.
كانت هنالك عشرة جثث، اتفق ركاب الطائرة على أن لا يستعملوا ثلاثا من تلك الجثث إلا في حالة الضرورة القصوى ( أم و أخت راكب إسمه ناندو بارادو و إبن أخت راكب آخر يدعى ميثول). قسموا اللحم بينهم بكميات قليلة كما كانوا يفعلون بالشوكولا، تولىفيتو ستراوش و ابن عمه مهمة تقسيم و إعداد اللحم.
ساعدتهم البروتينات الموجودة في اللحم على تقوية أجسامهم و التفكير بشكل أفضل في إيجاد طريقة للخروج من الجبال.


يقول ناندو بارادو أحد الذين نجوا من التحطم في كتاب أصدره عام 2006:
"كنا نتضور جوعا، بدون أي أمل في إيجاد الطعام، سرعان ما ازداد جوعنا بشراهة فبحثنا بأية حال… مرة تلو الأخرى فتشنا جسم الطائرة بحثا عن كسرات خبز أو لقمات. حاولنا أكل أشرطة جلدية ممزقة من حقائب السفر، رغم معرفتنا بأنها معالجة بمواد كيميائية و ستسبب لنا ضررا كبيرا. مزقنا وسائد مقاعد الطائرة على أمل إيجاد القش، لكننا لم نجد إلا رغوة مفروشات غير صالحة للأكل… مرة تلو الأخرى أصل لنفس الإستنتاج: لم يبقى لنا إلا أن نأكل الملابس التي نرتديها، لم يكن هنالك أي شيء سوى الألومنيوم، البلاستيك، الجليد، و الصخر."
في 29 من أكتوبر حصل انهيار ثلجي دفن جسم الطائرة و قتل تسعة راكبين آخرين. بعد ذلك أدرك الباقون أن انتظار النجدة بلا جدوى. ومات ولد آخر متأثرا بإصاباته.
بعد عدة محاولات غير ناجحة لتسلق الجبال قرر من بقوا على قيد الحياة أن يذهب أقوى ثلاثة منهم في رحلة مرهقة و خطيرة للخروج من جبال الأنديز بحثا عن المساعدة، و هذا ما حصل إذ انطلق كل من ناندو بارادو و روبيرتو كانيسا و شخص ثالث (عاد لاحقا إلى مكان سقوط الطائرة) آخدين معهم معظم الطعام (اللحم البشري) و الملابس الدافئة، استمر الإثنان في البحث و بعد إثني عشر يوما وجدا ثلاثة رجال شيليين يركبون الأحصنة، تولى أحد أولئك الرجال مهمة إبلاغ الشرطة بأنه لا يزال بعض الناجين في الجبال، كان ذلك في منتصف ديسمبر…

بدأ إنقاذ الركاب بمساعدة الطائرات المروحية بعد مرور 72 يوما على تحطم طائرتهم. بحلول 23 من شهر ديسمبر انتهت بنجاح عملية إنقاذ الناجين الستة عشر…

رد فعل الكنيسة و أقرباء المتوفين بخصوص أكل لحم أبنائهم :
بعد وقت قليل من إنقاذ الركاب أعلن مسؤولون من الكنيسة الكاثوليكية أنه وفقا لتعاليم الكنيسة لم يرتكب الناجون أي خطيئة بأكلهم اللحم البشري، و أن الخطيئة الحقيقية كانت ستحصل لو تركوا أنفسهم يموتون دون طعام.
و عبر الكثير من أهالي الموتى عن دعمهم للناجين و تفهمهم و تقبلهم لما فعلوه من أجل البقاء أحياء.