عبث لوليد حماد
- أغسطس 12, 2013
- 0
“عبث” لوليد حماد، أُلملم دمع أمي كل ليلة عن الأرصفة والله وحده كان الشهيد علي. فأمي لم تكن عاهرة يوماً وأبي لم يكن رجُل فاسد.
أصدقاءنا في عالم نوح، يسرنا اليوم أن نعرّفكم على وليد حماد
هو كاتب وصحفي من فلسطين مقيم في غزة
يكتب في العديد من الصحف لالكترونية وله العديد من الأعمال الأدبية
وديوان شعر بعنوان " ظل ناعم " لم ينشر بعد نظرا للظروف في غزة.
"عبث" للكاتب الفلسطيني وليد حماد
أُلملم دمع أمي كل ليلة عن الأرصفة والله وحده كان الشهيد علي. فأمي لم تكن عاهرة يوماً
وأبي لم يكن رجُل فاسد.
الشرطي يساوم عاهرة على بيع الجسد, والخونة يساومون المُحتل على بيع ما تبقى من الوطن, بينما أنا نحيلاً أسقط في الحارة والشارع والخيمة والمخبأ.
لا أصلح لشيءٍ حتى لممارسة الحُب سراً أو جهراً أمام شجرة أو حبة لوز.
الثلجُ يذوب تحت الشمس يا أمي وانا أجلس وحيداً كصوفي أمارس طقوس الصلاة على غفلة.
غداً سأنزل إلى السوق وأبيع الأرض التي يمشي عليها الناس, وقبل المساء سأربط الشمس بحبلٍ حتى أهرب معها بخفة, قبل أن يقاسمني أخوتي الحُلم وأقاسمهم أنا فيما تبقى من اللجوء والمنفى وقصص النضال, وعند موعد النوم سأستعيرُ خيمة كبيرة من الصحراء
وأقرأ كتاب عن مُتعة الحُب والجنس, وحينما أنهض من غفلتي سأقول لجدي كُن
لطيفاً لمرة واحدة معي وأحكي لي عن الوطن وانا سأجلس بجانبك مُنصتاً لأصلح
حذائي الممزق من الحرب وأرتب النياشين, وعندما تنتهي أخبرني حتى أعود
لزوجتي بكامل وسامتي وأسألها الحُب والغفران, فلقد أصبحتُ عاطلاً معها عن
الحُب من يوم أصبح الوطن سمكة تهرب من شباك الصيادين لزلال الماء في أول
النعمة وأخر المطر.
ها هو الحمام الأبيض عاد ليسكن الخيام وعادت الخيول الاسرائيلية لتدوس الأطفال في الشوارع والبيوت وعندما تنتهي تذهب برحلة لتوثق الحرب في المذكرات الدولية, والحاكم الأرعن كعادته يجلس في الخارج ينادي الناس ويشرح لهم بأن للأموات ذاكرة وللأوطان التي هجرها أهلها ذاكرة
وللكلاب الضالة أيضاً ذاكرة .. فلماذا نحن الوحيدين الذين نملك ذاكرة مثقوبة
وبالرغم من ذلك نخونها في كل مرة ولا نتوجع ولا نشعر بألم الخيانة.
شاخ حُلمي هذه المرة يا أمي فعلّميه أن لا يشيخَ ولا يكبر, أنا أرمل الأيام
المُسافرة المختبئ خلف قَلم وبارودة فكيف أظل أنبش القبور ليلاً بحثاً عن
ريشة مُختبئة خلف الوسادة أو عن جثة هامدة لزوجة تنام بسلام فوق جناح
عصفورٍ أخضر. إلى متى أظل أنبش الأرض؟ وهل الشهداء سيستيقظون يوماً في
المنام دون دموعٍ أو تعب ؟
رُبما إن صعدتُ نحو السماء هذه المرة سأنادي إلى الله من خلف حجاب لأتفادى
صوت المدافع وهي تُغني للأحياء والأموات، للأطفال منهم والرجال والشيوخ
والنساء " أغنية الفطام المبكر للحُلم المسافر في دماء الشهداء "رٌبما كان
علي أن أضع جيشاً من الاحتمالات المُبكرة عن الأحصنة العاشقة, عن صوت الشعب المناضل, عن حجر النرد الذي يسيل في المعركة, عن حضوركِ وغيابكِ عن ليالي البارود المُعتمة عن "عادات المدينة الضاحكة وعبوس المخيم ", عن التصاق شفاهنا تحت تطاير الرصاص فأنتِ الخصب لروحي أيتها الجميلة وليس لدي خيارٌ أخر غير الانتظار.
هُنا تركتُ بارودة يوم كُنت صغيرا .. وعُدتُ الآن لأشهد على حدوث الثورة ..!