عبد الرحمن قباوة شاعر في العاشرة
- أبريل 18, 2010
- 0
عبد الرحمن قباوة، اختبأ تحت المقعد عندما طلبت منه المعلمة قراءة قصائده
أصغر شاعر في العالم
بسام لولو
اختبأ تحت المقعد عندما طلبت منه المعلمة قراءة قصائده
أصغر شاعر في العالم
بسام لولو
* دعوة للاهتمام بنتاجات الطفل وتوجيهها وتصعيدها
مثل كل الأطفال تشي ملامح الطفل عبد الرحمن قباوة بذكاء وقّاد وجمالٍ فريد، حسب تعبير جدّه، وإن بدا عليه بعض الانكماش أو الخجل في بعض الأحيان.
فاجأ عبد الرحمن(10سنوات) أهله مؤخراً بخمس قصائد من تأليفه، وراح يلقيها على المقربين منه أحياناً، ويخجل من قراءتها أحياناً أخرى، كما حدث معه أمام معلمته ورفاقه في الصف، فاختبأ تحت المقعد تهرباً من هذا الموقف، لكنه ظل يطالب بنشرها.
ولأن الطفولة دائماً جميلة ومحقّة، بمعنى ما، لم نمانع بتحقيق رغبة هذا الطفل، ليفرح بنفسه، على أمل أن تتشكل لديه ولدى أخوته ورفاقه دوافع تحرضهم على الاستمرار والترقي في مثل هذه الاهتمامات.
لم تخلُ القصائد من العثرات، لكنها عثرات يمكن وصفها بأنها طبيعية وجميلة ومضحكة بحكم طفولة صاحبها، ووجدنا أن هذا الشاعر الصغير لم يخرج عن إطار واقعه وتربيته الذي نشأ عليه، لكنه مع ذلك حاول أن يقدم رؤيته الخاصة، واستطاع أن يثير فينا قدراً من الفرح على طفل يعاني وهو يفكر ويتأمل من أجل أن يعبر عن نفسه بالشعر، وقدراً من الحزن على اغتراباته المبكرة، عندما تحدث عن همومه، فبدا تأثره واضحاً بانفصال والديه، وعندما تحدث عن هموم بعض أفراد عائلته، مثل جدّته وجده وخالتيه، وكأنه أراد أن يعبر عن حبه لهم بمشاركتهم بعض همومهم، وأن يقدم رؤيته من خلال هذه المشاركة.
والطريف في القصائد أنها كشفت فهم صاحبها الطفولي للأسلوب الشعري، ومعاناته، وربما سهره، من أجل أن تجاري مفرداته وجمله وأفكاره هذا الأسلوب، فكان يضطر إلى اختراع بعض المفردات والتراكيب أوحشرها في سياق القصيدة ليبدو شاعراً كبيراً ومتمكناً، ولتتناسب مع فهمه للشعر وقافيته وموسيقاه، فكشف خلال ذلك عن بعض معجم مفرداته وتراكيبه، والتقاطه وفهمه واستخدامه لهذه المفردات والتراكيب. وليكشف بعد كل ذلك عن مواطن تقليده وتفرده وخصوصيته.
ولعل الأهم أن القصائد كشفت بعض حساسيات صاحبها الطفل ومشاهداته التي حرضته ولفتت انتباهه، مثل حب الأم وبعض صراعات الحياة واغترابات الإنسان مع الفقر والموت والمرض والظلم وتفكك العائلة. فورد في قوله لأمه: "أنا في الحياة لامهرب ولامفر/قلبي انهدر/ سأظل أحبك يا أمي إلى مماتي/ فأنت في كل شيء أهم أدواتي" وإلى خالته وأولادها: " انطفأ قلبك /وذهب ضوءك/ ثم تغيّر الحال/ وصار وجهك مثل الهلال/… /وأصبحت الدنيا تبكي من غناء أولادك" وفي سياق حديثه إلى جدته: "أين النفوس القديمة/ فلا أحب النفس اللئيمة"، ولعل القصيدة التي تحدث بها عن نفسه وعن إخوته من أهم مايكشف عن بعض هواجس هذا الطفل مع تجربة انفصال والديه وتنقله بينهما:
ليس لنا مكان
ليس لنا جار مجير
لا وطن .. لاحنان
ننتقل من مكان إلى مكان
من دون أمان
لا أحد يعرف أين سيضعنا الله
في النار أم الجنان
لاأحد يهتم بنا
إلا أبي وأمي
فالكل يقول:
هذا ليس من همّي
أخيراً، من نافل القول، إنه لايمكن النظر في هذه الكتابات بمعزل عن طفولة صاحبها، وإن هذه التأملات في كتاباته ليست نهائية وحتمية، وتحتمل المزيد من التحليل، فهي لاتريد أن تكون أكثر من خطوة متواضعة، على طريق إعطاء نتاجات الطفولة جزءاً من وقتنا واهتمامنا لاكتشاف طرق تفكيرهم وانفعالاتهم وتعبيراتهم، إذ لا أمل لنا إذا لم نفعل ذلك.