القصة التي ألقتها القاصة رانية أوسو خلال الأمسية التي أقامها المنتدى الثقافي الشبابي بالتعاون مع (جمعية المنتدى الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة) أمسية قصصية “ومضات أدبية من الدمج الثقافي” وذلك يوم الأحد5/2/2012الساعة 7مساءً

 

القصة التي ألقتها القاصة رانية أوسو خلال الأمسية التي أقامها المنتدى الثقافي الشبابي بالتعاون مع (جمعية المنتدى الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة) أمسية قصصية "ومضات أدبية من الدمج الثقافي" وذلك يوم الأحد5/2/2012الساعة 7مساءً

رانية أوسو و قصتها :

عصفورة

منزل كبير حجارته بيضاء تحيط به حديقة صغيرة منسقة على نحو جميل ويدل تناغم الألوان على ذوق رفيع و قد توزعت الأشجار المثمرة على محيطها مشكلة سوراً طبيعياً .قبالة المنزل مباشرة شجرة بيلسان كبيرة يزود عبيرها الجو بانتعاش ربيعي ..و قد تم وضع أرجوحة حديدية ذات مقعد يغطيه فرش وثير بألوان زاهية..

كانت جودي طفلة في السابعة جالسة بسكون في الأرجوحة الهامدة تتأمل أشياء لا على التعيين.. و قد تناثرت من حولها و على ثوبها قطع من البسكويت …و اذا بمخلوق صغير بساق واحدة يسقط بجانبها و يبدأ بالتقاط الذرات المتناثرة، و عند اقترابه منها شيئاً فشيئاً تنهض جودي بشكل مفاجئ و تهرع إلى المنزل.. وطبعا ردة فعلها تخيف المخلوق الصغير أيضاً فيطير لأقرب غصن من الشجرة الضخمة…

في المنزل تلاحظ الأم صغيرتها وقد لازمت الشباك لساعات دون الايتاء بأي حركة مركزة نظرها على شيء ما و هذا ما جعل ابتسامة حزينة ترتسم على وجهها الشاحب المصفر..

الأم: جودي.. جودي.. هيا يا عزيزتي ..إلى الطعام. ولكن جودي لم تستجب لنداءات أمها و ظلت متسمرة في مكانها تراقب شيئا ما .تقترب أمها و تمسك بيدها و تجلسها على مائدة الطعام و تطعمها رويداً رويداً.. تنتهيان من تناول وجبة الغداء و يسود هدوء رهيب أركان المنزل و كأن كل ما فيه جامد صامت.

تعود جودي إلى مكانها السابق وتتخذ وضعيتها السابقة إلى أن يخيم الظلام فلا تحول نظرها لساعات عن شيء ما في الخارج. تأتي أمها مرة أخرى و هذه المرة تجد صعوبة في اقناعها بالذهاب لغرفتها و الاستعداد للنوم.. وبعد محاولات عديدة تطاوع جودي أمها..

تدخلان الغرفة المعتمة الموحشة و ما ان تدير الأم المصباح الكهربائي حتى تظهر مجموعات الألعاب الموزعة بشكل جميل و مرتب في كل انحاء الغرفة…تقف جودي وسط الغرفة و قد ارتسمت على وجهها علامات الاعتراض

ولكن تعامل أمها اللطيف يجعلها تستسلم لواقع أن موعد النوم قد حان. فتلبسها أمها رداء النوم. و تضعها في السرير و تطبع قبلة على خديها الورديتين.. وتخفف الاضاءة و تخرج……

راحت جودي تقلب أوارق الصباح في نفسها متسائلة عن ذاك الزائر الصغير المتلصص لفتات البسكويت والنومُ يداعبُ الأجفان .

اشعاع أصفر قوي يخترق زجاج الشبابيك و يداعب العنينين الكبيرتين المغمضتين فتفتحهما جودي و تنهض مباشرة من السرير و تندفع من السلالم بسرعة كبيرة و تخرج حافية إلى الحديقة وتجلس على مرجوحتها التي تظللها أغصان البيلسان المثقلة بأوراق تنسدل كالستائر فتشكل حاجزاً أمام أشعة الشمس القوية.. تجلس جودي في مكانها المعتاد و تنتظر شيئا لا تعرف ما هو و إذا بعصفور رمادي صغير يحط على مقربة منها ويقترب قافزاً على ساقه الوحيدة تارة و مستعيناً بجناحه تارة أخرى.. يقترب أكثر فأكثر فتحس جودي بوجوده و لكنها لا تكترث له كثيراً ..تطل أمها من الشباك و تنادي: جودي.. جودي…و لكن جودي لا ترد و تصب كل اهتمامها على ذلك المخلوق الصغير الذي يطير بعيداً ما أن يسمع صوت الأم ..ولكنه لا يبتعد كثيراً فيستقر على الغصن الذي اعتاد الوقوف عليه منذ وصوله إلى هذه الحديقة التي أعجبته فقرر الاستقرار فيها ..تأتي الأم و بصعوبة بالغة تقنع جودي بالدخول للمنزل و الاستحمام و تناول طعام الافطار و لكن جودي تفضل اكمال فطورها في الحديقة حاملة معها قطعة البسكويت المفضل لديها و ما أن بدأت بنثر الحبيبات حتى يهبط صديقها العصفور و يبدأ مشاركتها الوجبة..

تمر الأيام و يتشكل نوع من التآلف بين العصفور و الطفلة الصغيرة وفي احدى الصباحات الربيعية الندية المعطرة و بينما كان العصفور كالعادة يتناول وجبة الافطار الشهية فإذا بيد جودي تلتقطه ولكنه و لكنه لا يقاوم و بعد برهة ترمقه بعينين جامحتين وتبدأ بالارتعاش . و تصدر صوتا غريبا و تهز رأسها للأمام و الخلف و تشد الخناق على صديقها الذي يخفق قلبه الصغير بسرعة كبيرة و لحظات كانت تفصله عن الاختناق فإذا بأمها تمسك بيدها و تحاول تخليص ذلك المخلوق الذي ما أن يجد فرصة الهرب حتى يحلق إلى أعلى غصن في الشجرة..

تضم الأم ابنتها و تجهش بالبكاء فتنظر إليها جودي باستغراب و تترك أمها و تدخل المنزل و تستقر مجدداً أمام النافذة محدقة بصديقها الصغير .

رانية أوسو