أعزاءنا، وتوصلنا من موقع عالم بلا حدود؛ مشكورين، بهذا المقال الجميل عن سيادة المطران عطالله حنا مطران القدس بقلم الأديبة كلاديس مطر: لقد حدثته عن هذا الجيش الغريب العجيب الذي تملكه سوريا و المسمى ” بالوحدة الوطنية ” ، و عن ثقافة المحبة و التسامح التي نعمل اليوم أكثر من أي وقت مضى على تعميمها كجزء من تراثنا الروحي القديم

" عطاء الله" بقلم كلاديس مطر


لم تكتف الأقدار الجميلة بأن تضمني و خادم القدس الشريف؛ سيادة المطران عطا الله حنا* ( مطران القدس )، في سيارة واحدة متجهة من فندق الأوراسي في العاصمة الجزائرية ، إلى مبنى المكتبة الوطنية حيث الملتقى الدولي لدول البحر الأبيض المتوسط ، الذي شاركتُ فيه مع نخبة من مفكري و باحثي هذا الحوض، و إنما زادت كرمها فتباطأت عجلات السيارة بسبب زحمة استثنائية للسير، جعلت مدة الوصول تصبح ساعة كاملة بدلا من عشرين دقيقة.

كان سيادته يجلس في المقعد الأمامي بشكله الاحتفالي الطيّب، بينما كنت استوعب بروحي المترقبة فرادة اللحظة التي بدأ مطر خفيف ينعشها شيئا فشيئا. التفت إلي و قال مباشرة حدثيني عن سوريا. قلت ماذا تريد أن تعرف .. قال باندفاع و تلقائية غير مألوفة أذهلت المرافق الجزائري شديد التهذيب الذي يجلس بجانبي، سوريا هي البلد الأحب على قلبي، لي فيها أصدقاء و أحباء و أخوة يفهمون ملامح و طبيعة عملي.

الحق لقد تركتني هذه المشاعر أتدفق في كلامي أمامه، و أنفتح كما لم أفعل من قبل. و أخذت سيمفونية " الحديث عن سوريا " بيني و بين سيادته تتعالي تدريجيا أمام ذهول المرافق المسكين الذي يقوم بلده رويدا رويدا من بين أموات التطرف و الإرهاب.

لقد حدثته عن هذا الجيش الغريب العجيب الذي تملكه سوريا و المسمى " بالوحدة الوطنية "، و عن ثقافة المحبة و التسامح التي نعمل اليوم أكثر من أي وقت مضى على تعميمها كجزء من تراثنا الروحي القديم، و نسيج وجودنا المعاصر. حدثته عن لوحات إعلاناتنا التي ترفل بصور لشيخ و خوري يزرعان شجرة. و عن مسيرتنا الاقتصادية المنتعشة التي قررت أن تصم أذنيها عن كل كلام وتواظب الازدهار. حدثته عن الحرية الدينية و عن الأمان الماسي النادر الذي يتيح لامرأة من السير بمفردها في عمق الليل. حدثته عن أمور أخرى كثيرة و كان هو يصغي باهتمام و فرح.

إننا نعلم معا أن أي بلد على هذا الكوكب، له طريق جلجلته الخاص ليسير فيه، و له صليبه الذي يحمله على طول هذا الطريق. و أن هناك من يتربص بنا و من يحيك لنا، و أن مخاضنا لم ينته بعد .. لكننا تجاوزنا ذلك خلال الحديث، فما في النصف الملآن من الكأس مغر وواف وواعد ولعل هذا هو الأهم.

حين وصلنا استقبلته وزيرة الثقافة، و قدمه الدكتور أمين الزاوي مدير المكتبة الوطنية قبل أن يبدأ محاضرته عن ( حوار الحضارات و التعاون الإسلامي المسيحي في النضال من اجل فلسطين ) ، باعتباره من أهم الشخصيات التي زارت الجزائر بعد الاستقلال .

لقد تحدث سيادته عن عمله المكثف النضالي تحت الاحتلال يدا بيد مع الفعاليات الإسلامية الفلسطينية، و عن مشاركاته في العديد من القمم العربية و اللجان و المؤتمرات و المجالس من أجل الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي، رافضا أن يصنف مع أي صراع آخر في حوض المتوسط لا قديما و لا حديثا. لقد أشاد أيضا من فوق منبره بالمثال السوري الفريد للوحدة الوطنية، مثبتا نظرته المبتسمة علي لثوان، و مطالبا بأن يكون نموذجا يحتذي في أي مكان. لقد أدخل حوارنا في عمق محاضرته بطريقة جعلتني عاجزة عن الشكر او حتى الرد.

في اليوم التالي و بعد الانتهاء من مداخلاتنا جميعا ..كان على المطران عطالله حنا مغادرتنا إلى مكان آخر، مكملا طريق الألف ميل النضالي، حاملا إيماناً استثنائياً بأرضه و بقضيته.

لقد ترك هذا " الرجل " غصة في حلقي. حين رأيته مغادرا بثوبه الأسود الطويل، مبتعدا إلى حيث السيارة التي سوف تقله الى المطار، عرفت أنه رسم مفترقاً روحياً آخر في حياتي : لا، لم أعد قادرة على أن أكون ذاتي تماما، فهؤلاء الرجال، لا يعرفون كيف يمروا من أمامك بهدوء كالآخرين، ولن تعرف أنت سكينتك القديمة أبدا بعدئذ. إنهم محفزون على الحياة و النضال بمستوييهما الأكثر عمقا .

إنهم روح الزمن حقا .

 

* ثيودسيوس (حنا) من سبسطية (و. 1965) هو مطران البطريركية اليونانية الأرثوذكسية في القدس. عيّن في 24 ديسمبر 2005 في كنيسة القيامة، وهو ثاني فلسطيني يتقلد منصب المطران في الأبرشية.

 

المطران عطا الله حنا

 وُلـِد 1965
الرامة، الجليل الأعلى
مطران الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية في القدس

حياته
ولد باسم عطا الله حنا في 1965، الرامة، الجليل الأعلى، ودرس اليونانية في القدس، وأكمل دراساته في اليونان حيث حصل على ماجستير اللاهوت من جامعة تسالونيكي عام 1991.[2] بعد عودته للقدس، عين راهب في كنيسة القيامة في العام نفسه. وكناشط في الحياة العامة، فهو المدير والمتحدث العربي باسم البطريركية، وقام بالتدريس في المدارس المحلية، وحاضر عن المسيحية في كلية المعلمون العرب في حيفا. ولتفانيه في خدمة الكهنوت في الأراضي المقدسة, فقد حصل على دكتوراه فخرية في اللاهوت من المعهد اللاهوتي في صوفيا، بلغاريا.وعلى لقب أرشمندريت Archimandrite. 

صورة سيادة المطران عطا الله حنا من google والسيرة الذاتية من موقع "المعرفة"