وهي محاضرة عن فلسفة الهندسة المعمارية العربية ” شارك فيها د. حسين الصديق ود. م.غسان قصير وأدارتها د. شهلا العجيلي، وكتب عنها الدكتور جمال طحان

عمارة للحياة

فلسفة الهندسة المعمارية العربية

 

أقام المعهد الفرنسي للشرق الأدنى بالتعاون مع البيت العربي ندوة بعنوان" عمارة للحياة " دارت حول السلام، والطمأنينة، والإنسانيّة كمنطلقات العمارة في الثقافة الإسلاميّة و المشربيّة بوصفها جماليّات وتجلّيات في اللعبة بين الظلّ والضوء المنحوت" شارك فيها د. م.غسان قصير و د. حسين الصديق وأدارتها د. شهلا العجيلي، وحضرها عدد من المثقفين والمهتمين فضلاً عن طلاّب المعهد الفرنسي وبعض أساتذته. وذلك في دار حماض بحلب.

 

تحدث المنتدون عن فن العمارة الإسلامية الذي نجح في تحقيق التوازن التام بين الجوانب المادية والمشاعر الروحانية، من خلال مجموعة من القواعد والأسس والتراكيب التي توصل إليها كل من المعماري والفنان المسلم، وأمكنه من خلالها حل مشاكل البناء بحلول فعالة، متوائمة تماما مع عقيدته الدينية السمحة، وبما يحافظ على القيم والتقاليد الاجتماعية، مع توظيف معطيات بيئته، أو جلب ما لم يكن متوافرا في بيئته وتصنيعه وتعديله حتى يتوافق مع قيمه وبيئته. ولقد حقق معالجة فعالة في مجال تقنين الضوء باستخدام (المشربية) أو (الروشان) أو (الشنشيل).

وأشارا إلى أن المشربية تعدّ كمظهر من مظاهر العمارة الإسلامية جاء متوافقا مع الظروف المختلفة للمجتمع الإسلامي، والمقصود بالمشربية ذلك الجزء البارز عن حوائط جدران المباني التي تطل على الفناء الأوسط للمنازل الإسلامية بغرض زيادة مساحة سطح الأدوار العليا، ويستند هذا الجزء البارز إلى (كوابيل) و (مدادات) من الحجر أو الخشب تربط الجزء البارز من المبنى، بينما تغطى الجوانب الرأسية الثلاثة لهذا الجزء البارز بحشوات من الخشب الخرط المكون من (برامق) مخروطية الشكل، دقيقة الصنع تجمع بطريقة فنية بحيث ينتج عن تجميعها أشكال زخرفية هندسية ونباتية أو كتابات عربية. وسميت المشربية بهذا الاسم لوجود صلة وثيقة بين هذا الجزء من المبنى وبين أواني الشراب (القلل الفخارية) التي كانت توضع بها. وقد اتسع مدلول هذا المسمى (المشربية) ليشمل كل الأحجبة الخشبية المنفذة بطريقة الخرط والتي كانت تغطى فتحات النوافذ أو تفصل بين أجزاء المبنى المخصصة للرجال وتلك المخصصة للنساء، سواء كان ذلك في المنازل أو في المساجد. وقالا أن نظام المشربية يوفر مزايا عديدة فهي تتيح لأهل المنزل رؤية من في الخارج بدون أن يراهم أحد، وذلك لاختلاف كميات الضوء داخل المشربية عن خارجها إذ إنه أقل في الداخل بكثير عن الخارج، ويوفر ذلك خصوصية لأهل المنزل. كما أن التكوين الهيكلي والزخرفي للمشربية يتفق تماما مع الظروف المناخية لمعظم بلدان العالم الإسلامي والذي تسوده في معظم فصول السنة شمس ساطعة، وتعد المشربية من أحسن الحلول لهذه المظاهر الطبيعية، إذ إن الفتحات الضيقة التي تتخلل قطع الخرط تتحكم في كمية الضوء النافذ إلى الغرفة المقامة عليها المشربية، وتعمل بذلك على تلطيف درجة الحرارة من خلال النسيم الذي يمر من بين هذه الفتحات. وبيّن المنتدون تأثر العمارة الأوروبية حديثاً بالعمارة الإسلامية، حيث يوجد في باريس عاصمة فرنسا ( معهد العالم العربي ) وهذا المعهد هو مركز ثقافي يهدف للتعريف بالثقافة العربية ونشرها ، وقد تأثر بشكل كبير بالعمارة الإسلامية من ناحية الهندسة العمرانية ، بما أنه مركز للثقافة العربية فتلاقت الحضارتان العربية والفرنسية بشكل ملحوظ ، فقد أتخذ المبنى الطابع الغربي الحديث بحضور طابع عربي مميز ، فالواجهة الشمالية تشبه مرآة تعكس الأبنية المواجهة له ، فى حين تمتزج التقنية الأوروبية بالتراث العربي من خلال الواجهة الجنوبية التي صممت بمئتين وأربعين مشربية تُفتح وتُغلق حسب كمية الضوء الساقط عليها بفضل عدد من الخلايا المتأثرة بالضوء ، حتى أصبح تحفة هندسية معمارية يلتقى فيها الشرق بالغرب .

د. محمد جمال طحان

صورة داخلية لمكتبة معهد العالم العربي في باريس توّضح إضاءة الشمس من خلال المشربيات