إن تشعّب الحياة وصعوبتها قد تفرز كثيراً من الظواهر الاجتماعية المثيرة للجدل، مقالة لأغيد شيخو

السحر يعكس غياب الفكر

إن تشعّب الحياة وصعوبتها قد تفرز كثيراً من الظواهر الاجتماعية المثيرة للجدل والتي تطفو على السطح مثيرةً الشكوك رغم كل ما توصلنا إليه من تحضّر وتقدّم , ولعلّ من أبرز تلك الظواهر ظاهرة السحر والشعوذة التي أصبحت تلقى رواجاً كبيراً ليس في المجتمعات العربية فحسب وإنّما في المجتمعات الغربية أيضاً, وهذا إن كان يدلّ على شيئ فإنّه يدل على أن الإنسان كلما تتطورت به الحياة وزادت الضغوطات عليه فإنّه لا يجد له مفرّاً منها إلاّ طريق العلم بالغيبيات ليعرف المستقبل ويسير على أساسه وبذلك يحجز نفسه خلف سور من الخرافة يحيط به من كل جانب فيطوّق كل شرائح المجتمع بغضّ النظر عن مستوياتهم وثقافاتهم.

وإذا ما نظرنا عن كثب في هذه الظاهرة نجدها تنتشر أكثر في المجتمعات الفقيرة والريفية حيث تتميز هذه المجتمعات بتفشّي الفقر وانتشار البطالة وارتفاع نسبة العنوسة وانتشار الأمراض فتكون بالتالي مهيّأة لانتشار ظاهرة السحر والشعوذة فيتوافد إليها السحرة والمشعوذون الذين يتوالدون كالطفيليات وينتشرون كمرض عضال يصعب استئصاله, وتشير الدراسات أنّ المجتمعات العربيّة بالأخص تنفق نحو /10/ مليار دولار على هذه الممارسات ولا يوجد أي مأشّر على تراجعها أو حتّى الإحاطة بها من إحدى جوانبها فالإنسان بطبيعته ميّال للفضول وحب اكتشاف المجهول مما يدفعه أحياناً إلى الإلتجاء لوسائل "قد تبدو غير عقلانية بالنسبة للبعض ولكنها تكون عقلانية جداً بالنسبة له" وذلك لمعرفة مستقبله ومصيره أو عمله أو حتّى زواجه في المستقبل وهذا ما تحرمه جميع الديانات السماويّة فلا يعلم الغيب إلا الله .

والسحر يعتبر من أعظم الكبائر بل هو من نواقض الإسلام, والدين حثّ على الابتعاد عن المشعوذين والدجالين الذين يدّعون معرفة الغيب قال تعالى( قال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم) فمن ادّعى بمعرفة الغيب فهو كافر بالله ومكذب بالدين قال تعالى(قل لا يعلم الغيب إلا الله).

ولعل انتشار الجهل على نطاق واسع في المجتمع العربي والبعد عن التمسّك بتعاليم الدين وانقطاع الأمل من الحياة يؤدي إلى الإنقياد وراء ولو بصيص من الأمل ربما يؤدي إلى كشف المستقبل وتغيير المصير فكثير من الناس لا تهمهم طرق المعرفة أو طرق الشفاء من الأمراض سواءً أكان العلاج شرعياً أم لا فالمهم هو التخلص من المرض بحد ذاته بغض النظر عن الوسيلة المتبعة , كما أن كثيراً منهم يعلمون علم اليقين أنّ لا فائدة من تلك الممارسات ولكنهم ينخرطون في ذلك المجال فقط فضولاً أو حبأً للاستطلاع غير مدركين حجم الخطورة التي قد يسببه هذا الفضول وبالتالي أصبحت تجارة هؤلاء السحرة والمشعوذين رائجة ورابحة حيث استطاعوا بخبثهم أن يحتالوا على كثير من الناس, فشخصيّة الساحر أو المشعوذ تلعب دوراً هاماً في التصديق لذلك تراه تارة بزي الطبيب المعالج وتارةً بزي العالم بالشريعة وتارةً يلعب دور من أتته نبوءة وواجب عليه ابلاغ صاحبها الأمر الذي لا يترك لذوي الحاجات أي مهرب أو مفر من براسين المشعوذ الذي يحيط به من كل جانب.

ولعل المرأة تكون أكثر عرضة للوقوع في شباك المشعوذ منساقةً وراء مشاعرها وطيبة قلبها أو حبّاً بالمحافظة على زواجها أو امتلاك قلب زوجها أكثر أو حتّى للزواج بالإضافة إلى بعض المشاعر السلبية التي تتملكها فلا تستطيع اخفاءها كالغيرة والحقد على جارة لها لتفوقها عليها , ونحن هنا لا ننكر دور الرجل في هذه الظاهرة فكثيراً ما يكون المشعوذ أو الساحر رجلاً يستغل طيبة المرأة أو ينساق وراء دافع مادي وشعور بالنقص فيحاول اكتساب بعض الشهرة من خلال ضعاف العقول فيعمل على ترويج الأكاذيب والأفعال اللاجتماعية للوصول إلى غاية يرضي بها نفسه , وفي دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الإجتماعية أشارت إلى أنّ مصر تأتي في مقدّمة الدول العربية التي تنتشر فيها ثقافة الدجل بشكل سرطاني وبأرقام مثيرة للرعب والفزع , وتكشف الدراسة التي نشرت منذ فترة أن نصف السيدات المصريات يعتقدن بالسحر والشعوذة ويترددن على الدجالين فيما تؤمن بالدجل نسبة كبيرة من الرجال الباحثين عن التفوق الجنسي , وتذكر الدراسة أيضاً أن عدد الدجالين في مصر قد تزايد حتّى صار هنالك دجال واحد لكل مئة وعشرين مصرياً.

وإذا ما انتقلنا إلى المجتمعات المتقدّمة نجد أن هذه الظاهرة لا تختلف كثيراًلديهم  بل تتّخذ طابعاً مقنعاً أكثر من المجتمعات الفقيرة فضمن عباءة الألفية الثالثة والتكنولوجيا فائقة السرعة أصبح قطاع المشعوذين منافسأ شرساً لقطاعات أخرى كالطب أو القضاء فنجدهم منتشرين بشدّة على شاشات التلفزة ويساعدهم كادر هائل من التقنيين والمحترفين في مجال التكنولوجيا وبذلك يتم خداع الناس بأبهى الطرق وبآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا. . . . .

أغيد شيخو