وكان لا بدّ لعالم نوح من سؤال الروائي السوري زياد كمال حمامي
وعن هذه الرواية يقول الكاتب محمود الوهب

وكان لا بدّ لعالم نوح من سؤال الروائي السوري زياد كمال حمامي عن:

ـ من أين تستمد شخصيات أعمالك؟ هل هناك شخصيات متخيلة أم واقعية؟

لا شك أن الخيال وسيلة مؤثرة لمواجهة القضايا التي تعد مهمة في الواقع، والمبدع المميز هو الذي يستطيع استعادة صورة الواقع المسكوت عنه بعد نزع الأقنعة وتعرية الإسقاطات، وتصوير التفتت والتهرؤ الذي يصيب عالمه النصيّ، ويبرز الفن المضاد الذي يمثل رفضاً وخروجاً على الواقع، والإبداع في الحقيقة هو ثورة على الواقع، ومن هنا، استمد شخوص رواياتي من الواقع، ومن الواقع المتخيل أيضاً، ومن هنا يأتي التناسب في الخيال الأدبي، الممزوج مع الواقع، بل مع المنطق الخيالي للواقعية، ولهذا، تستطيع أن تجد في تجربتي الأدبية مزيجاً من الخيال والواقعية، وكل النصوص لدي تتداخل فيها هذه الثنائيات من التخييل والواقعي، وما فوق الواقعي أيضاً، إقناعاً وإمتاعاً، فالخيال الإبداعي يعمل على مستوى مزدوج، مستخدما توحد المجاز مع المعنى الحرفي، وذلك لكشف صراعات الإنسان في محيطه المتخيِّل، ويصوِّر المجازي والاستثنائي، الواقعي أو فوق الواقعي الاعتيادي، ومن هنا، برأيي، يصبح الخيال واقعياً، حيث تتبللور الصورة الأدبية التي تعتمد على الحقيقة، تلك التي يقدمها الكاتب للعالم، لكي تبدو وكأنها الواقع نفسه.

تقول وبكل ثقة أن روايتك قدّمت مواضيع وطرحا جديدا، كيف ذلك؟

نعم في روايتي : قيامة البتول الأخيرة ـ الأناشيد السرية، قدمت مواضيع جديدة، جريئة، كاشفة للمخبوء، وما أكثرها، فمثلاً : تجد في الرواية شخصية مغتصب النساء الموتى من تأثير الحرب القذرة، والخراب،وكذلك شخصية"أم القطط"، المستبدة، وشقيقتها "الثريا"، العمياء التي تستطيع أن ترى من خلال حاسة شمِّ الروائح، وتميز رائحة الغدر والجريمة، الحب والخيانة، وترى المستقبل، وهذه شخصيات جديدة في الأدب الروائي العربي، ناهيك عن تقديم الطقوس المريبة لعوالم "الماسونية"، و" عبدة الشيطان"، و" أخوة الحليب"، الذين يسيطرون على لعبة الكراسي الخفية لمداميك حياتنا العربية، وتجنيدهم للنخبة المثقفة المحبطة من أبناء جلدتنا, هذا في رسم وتقديم بعض الشخصيات الجديدة، أما في متن الرواية الأسلوبي، فالجديد، كما أظن، هو تفكيك المألوف في حياة الشخصيات، وكذلك غير المألوف أيضاً، من زاوية تتكىء على المغامرة والتغريب والتجديد، والجرأة في معالجة التقنية الفنية التي تعتمد على فن السيناريو الدرامي، من خلال المشاهد المتقطِّعة، المشوقة، تلك التي لها صلة بالواقع، ولكنها ليست كلها واقعية، فالدراما تُظهر أزمة القيم والمعايير لشخصية أو فعل أو ردة فعل لعنصر معين، وتُظهر فضائح الخلاف، والصراع، وصولاً إلى النهايات غير المتوقعة، وهذا ما أعتمد عليه النصّ، واللغة ـ هاهنا ـ تكون وسيطاً، والشخصيات لا تمثل نفسها، بقدر ما تمثل المجتمع، وهذا المجتمع ليس إلا ذرة من الكون، وهكذا نجد أن الإبداع يعكس لنا صور الكون كله، الظاهر والخفي، ناهيك عن تصوير المواضيع ـ المسكوت عنها ـ وتقديمها لغوياً، وتشكيلاً أسلوبياً، وصوراً درامية، وهنا تبرز صيغة حرب الكاتب مع شخوصه المتمردة، صراعه معها، وصراعها معه، ومع حروفه وجمله التصويرية، ففي البداية يعتبر العنوان: قيامة البتول الأخيرة ـ الأناشيد السرية، نصَّاّ موازياً، والمفتاح الأول من مفاتيح النصِّ، ثم تأتي المشاهد المتلاحقة في كل فصل من فصول الرواية، لتحيلك إلى المشاهد الأخرى حيث معاناة الشخصيات، وصراعاتها، تجاورها وتتابعها، لترسم لوحة فسيفساء متكاملة، عبر نصّ مفتوح وجامع لكل ذرة وحرف وصورة ولغز في هذه الرواية، ولعلها تتجاوز الأجناس الأدبية المختلفة، وتتداخل، وتمتزج، لتقدم لنا لوحة كاملة في المشهد الروائي العربي.

 

هذه الرواية ——————————–
————————– بقلم محمود الوهب.

"قيامة البتول الأخيرة" ليست مجرَّد رواية تقوم على حالة اغتصاب جماعي لأجمل بنات حارة اليهود: "البندرة"، من مدينة حلب التي عرفت على مدى تاريخها بالتنوع السكاني وترابطه..! إذ يعد الحي البندرة الذي تقطنه مجموعات من مختلف الطوائف والأديان، من المنسيات، فلا وجود له إلا في ذاكرة المدينة.. فقد أهملته الحكومات المتعاقبة، وها هو ذا الروائي زياد كمال حمامي يعيد له زهوه وألقه عبر رحلة قصيرة لا تزيد عن ثمان وأربعين ساعة في زمن خاص جداً إنه زمن الحرب، والتوق إلى الحبّ والحرّيّة..!
ينقل الراوي قارئه إلى عمق المدينة، بل إلى قاعها الذي تتفحصه شخصية عبد السلام بعين الفنان المرهفة، وببصيرته النافذة التي تقويها تجربة العشق المختلفة بـ: ليزا أبراهام فارحي اليهودي، حارس معبد "الصفراء"، الذي يحتفظ بنسخ من التوراة ويزعم أنَّ كاتبها "عزرا عاسوفير"، بحسب ما أبلغ الوكالة اليهودية العالمية برسالة خاصة: "إنّها إحدى أقدم النسخ في العالم".
في قاع المدينة مجتمع واسع، غريب، متنوع..! فيه شخصيات أصيلة كالحاج الهلالي الأب الروحي للحارة، الذي تحوَّل إلى رجل محبط لا يشبه ماضيه.. وفيه كذلك، ابنُه يحيى الذي يعشق "البتولَ" بصوفية شفيفة، ويقسم أن يكون ثأره شافياً. وفي الحي، أيضاً، العم الفلسطيني "أبو الرمز" الذي يمتلك أرشيفاً ضخماً موثَّقاً إضافة إلى مفتاح داره الكبيرة في "القدس"، هما كلّ حياته..! وهناك الخواجة "قهوجيان" الأرمني المهاجر! أما الوليِّة "خاتون" فلا تشبه، في رؤاها، غيرها من العرَّافات..! وثمة شخصيات ثانوية لها دورها..
في الرواية أيضاً، شخصيات مريضة معقدة منها: "الجقجوق" مغتصِب النساء الموتى يمارس عليهن طقوساً شيطانيّة تكشف عن شبق كريه تشمئز منه روح الميت إذ ترى بشاعة وجهه، وتشمّ رائحة جسده ونتنه.
هي رواية تشبك أوصالها روح إنسانية عابرة للأعراق والقوميات والأديان والمذاهب والأجناس.. ينسج سطورها كاتب ذو تجربة مميزة، يمارس حالة إبداع جديدة، فيها الكثير من الجرأة والمغامرة، يزين الرواية أسلوب يمتاز بالليونة والسلاسة إذ ينقل القارئ من حدث إلى آخر على نحو درامي فيه الكثير من مهارة السرد وتشويقه..!

* ************** *
* ناقد وروائي سوري.

 

وللمزيد عن هذه الرواية يمكن الاطلاع على مقالة
رواية.. قيامة البتول الأخيرة .. للروائي السوري زياد كمال حمامي أيقونة الإنبعاث والخصب والمغامرة
بقلم أحمد وديع العبسي