أنا من مواليد محافظة حلب 1956 وترعرعت في حي الجميلية الذي يضم تنوع من حيث الديانات فهناك المسيحية والإسلام واليهود….

للذاكرة تعابير يفيض بها اللسان بكل فرح … نتابع اليوم رحلتنا في الذاكرة واليوم نستضيف ذاكرة الفنان غسّان ذهبي ….


هلاّ أبحرنا في ذاكرتك وبالأخص مرحلة البدايات؟….


أنا من مواليد محافظة حلب 1956 وترعرعت في حي الجميلية الذي يضم تنوع من حيث الديانات فهناك المسيحية والإسلام واليهود….
إن بوادر البزوغ الفني لي كانت بعد مشاهدة مشهد عبد الحليم حافظ وهو يغني لمريم فخر الدين أغنية "بتلوموني ليه؟" في السينما فشعرت أنها الأقرب إلى قلبي … في حلب كانت دور السينما تتهافت لتتميز بالعرض الأول للفيلم … أحببت المسرح فكنت أرتاد مسرح العرائس في طفولتي وأيضاً بعض الأفلام المهمة …
بداياتي في المشاركة كانت من خلال مسرحية قام بها أستاذنا في الابتدائية "نهاد الفرّا" وهو موسيقي وسينمائي أيضاً مما جعل لدي حب أكبر للسينما، والدي أيضاً كان يعمل على استئجار الأفلام السينمائية وعرضها …


في سنة 1971 أو 1972 تم إنتاج ثلاثة أفلام في حلب وهي "رحلة عذاب"، "امرأة من نار"، "المدينة الهادئة" وكان والدي من مجموع الأشخاص القائمين على العمل، من خلال مصاحبتي لوالدي كنت أرى من أعتبرهم عمالقة من ممثلي السينما المصريين من أمثال "عبد المنعم إبراهيم"، "ماجدة الخطيب"، "يوسف شعبان"، "رضا ميسّر" ….
أثناء تصوير فيلم "رحلة عذاب" تعمقت علاقتي مع المخرج الراحل الحلبي الأصل "رضا ميسّر" … هذا الأمر زاد في عشقي للسينما….


ثم ارتدت مسرح الشعب حيث كان فيه الأستاذ "بشار القاضي" فكنت أحضر عروضه وأيضاً عروض الفرق التي كانت تأتي من دمشق أمثال"فرقة نزار فؤاد"، "فرقة سعد الدين بقدونس" الذي أعتبره أحد الأشخاص الذين ضحّوا بجهدهم من أجل المسرح الجوّال، فكنت ألازمه عند زيارته لحلب فكأن بنا أب وابنه…
أيضاً كنت أشارك في أعمال إذاعة حلب حيث كان يعمل بها أثناء ذلك "نذير دقاق"، "عبد الكريم شياح"…
كشاب لديه طموح فني كان علي العمل في مجال المسرح واخترت المسرح اتحاد العمال كما شاركت في أعمال نادي شباب العروبة فعملت مع مجموعة كبيرة من الفنانين أمثال "ناصر وردياني"، "رياض وردياني"، "فايز أبو دان"، "عبد الوهّاب الجرّاح" وهذا الأخير هو أب المسرح الخاص العائلي الملتزم في حلب حيث كان يقدم نصوص هامة ل"فرحان بلبل"، "سهيل إبراهيم"، "ممدوح عدوان"…. ولي الشرف بأنني شاركت معه في مسرحية بانوراما.


ومن ثم توالت مشاركاتي في الأعمال المسرحية فوصلت إلى ما يقارب الثلاثين عمل مسرحي في المسرح العمالي وأنا الآن المسؤول الفني في المسرح العمالي …
أما بدايات دخولي إلى التلفزيون كانت من خلال السهرات التلفزيونية التي قدّمها الأستاذ "هيثم حقّي"…. من الطريف ذكره أنني كنت ألح عليه الطلب لكي أعمل في مجال التلفاز كلما ذهبت لدمشق…. بعد فترة من الإلحاح أعطاني دوراً في عمل اسمه "نقطة ببحر" تأليف "عبد النبي حجازي" فكان يعزم على تصويره في حلب …. عندما استلمت النص لم أصدق أنني سأعمل مع الأستاذ هيثم حقي …. وبالفعل تم العمل بمشاركة العديد من الفنانين أمثال "جمال سليمان"، "فارس الحلو" و"عمر حجو" ….


ثم عملت مع الفنان "أيمن زيدان" في "نهاية رجل شجاع" للكاتب حنا مينا وللمخرج "نجدة إسماعيل أنذور"….
فيما بعد تم تأسيس شركة حلب الدولية التي أنتجت مجموعة من الأعمال الناجحة "خان الحرير"، "قلوب خضراء"، "الثريا"…الخ.
ثم توالت الأعمال التلفزيونية فعملت مع كل من "فردوس أتاسي"، "علاء الدين كوكش"، "مأمون البني"، "رياض ديار بكرلي" …. الخ.
ومن الأعمال التي قدمتها "البيوت أسرار"، "ربيع بلا زهور"، "العرس الحلبي"…

ماذا تحدّثنا عن أسماء مرت في الذاكرة كانوا أساتذة والآن هم زملاء في الوسط الفني كالفنان عمر حجو والفنان جميل ولاية…الخ.

الأستاذ عمر حجو يعتبر رمز من رموز حلب فعندما نقول بأن الأستاذ صباح فخري رمز للطرب الحلبي … يكون الأستاذ عمر حجو رمز للدراما في حلب، مهما تحدثنا عن الرموز لن أوفي حقهم وفضلهم علينا.
الأستاذ جميل ولاية والأستاذ سليم قطاية يعتبران من مؤسسين التلفزيون السوري والإخراج التلفزيوني في سوريا …. وأعتقد بأنهم السبب في نهضة الدراما التلفزيونية…
الأستاذ بشار القاضي والأستاذ محمد الطيب من مؤسسين المسرح القومي في سوريا.
الأستاذ نذير عقيل الذي أعطى للإذاعة السورية الشيء الكثير فكان صاحب قدرة على شد المستمعين له وخصوصاً في برنامجه "استديو 26"، طبع رحم الله المتوفين من الذين ذكرتهم.
هؤلاء الأشخاص حقيقة يحملون إذا جاز التعبير زمرة الدم "فن" فكانوا يؤسسون لفن حقيقي وليس الفن لديهم وسيلة للشهرة كما في أبناء اليوم …. فالأستاذ نذير عقيل قدم العديد من البرامج على التلفزيون السوري دون أن يظهر فيها فكان لا يحب الظهور….


كمسؤول فني عن المسرح العمالي، هلا حدثتنا عن ذكرياتك فيه….


تم تأسيس المسرح العمّالي مع بداية السبعينات من القرن الماضي، أول عمل شاركت به كان في عام 1976 وحتى الآن قدمت ثلاثين عمل ضمن المسرح العمّالي، وممن كان معي "ناصر وردياني"، "رياض وردياني"، "مروان غريواتي"، "رضوان سالم"، "هلال دملخي"، "نزار طحّان"، "ماجدة مورا"….الخ، وكان لي شرف التعرّف على الأستاذ "أحمد سيف" كان بمثابة المعهد لفناني حلب، فكنا نلازمه من الصباح حتى المساء فنذهب أينما ذهب، نقرأ المسرحيات ونتناقش بها…. نذهب لدور العرض السينمائية… فكانت التجارب المسرحية أشبه إلى ورشات عمل …. فنعمل على الديكور…. والملابس والإضاءة والصوت …الخ.
ثم تعاملت مع المخرجين الأكاديميين مثل الأستاذ "كريكور كلش"، فهو من أوائل الأشخاص الذين درسوا المسرح بشكل أكاديمي.
أيضاً تعاملت مع المرحوم "محمد دروبي"، فالمسرح العمّالي هو الرافد الحقيقي للحركة المسرحية في سوريا، فكان حاضنة للمواهب الشابة في مجالات العمل المسرحي من تأليف وتمثيل وإخراج…. في الحقيقة هذا ما أسعفتني به الذاكرة من ذكريات في المسرح العمّالي وكما تعلم الذكريات منها الحلوة ومنها المرّة….فلا يوجد عمل ليس له خصوصية…..


تحدثنا عن ذكرياتك على صعيد السينما بشكل عام….

حلب من أوائل البلاد التي شهدت السينما فكانت موجودة منذ عام 1911، فأول شركة سينمائية تأسست في حلب، ومن أوائل مخرجين السينما كان "إسماعيل أنزور"، عدد دور العرض وصل إلى خمسة وعشرين داراً للعرض، في حين كان سكان حلب لا يتجاوز عددهم المليون … من الطريف ذكره أن العائلة فيما مضى كانت تفتخر بأنها ذهبت إلى السينما لحضور عرض، وكانت العديد من الأفلام تعرض لمدة تتجاوز الثلاثين أسبوعاً…
الفلم كان يتجوّل بين دور العرض فأنا واحد من الأشخاص الذين كنت أنقل "بكرة الفلم" على الدراجة من سينما غرناطة إلى أوبرا إلى فؤاد والخيام…الخ، فكان أسماء الصالات هي ذاتها كما في بيروت والقاهرة وباريس، كما كانت دور العرض تختص في عرض نوعية معينة من الأفلام فسينما حلب كانت تعرض الأفلام الأجنبية، وسينما الأوبرا كانت تعرض الأفلام المصرية، وسينما الكندي كانت تعرض الأفلام الهندية …وهكذا.

كان نجوم الفلم يحضرون العرض الأول من الفيلم، وكان يترافق مع وجود العديد من الصحف، وأيضاً كان الرسامون يتنافسون لكي يرسموا إعلان الفلم الذي يوضع على باب الصالة، فأذكر من الرسامين "رافي"، "جاك"، "جعفر"….والفنان التشكيلي المصري"جورج مهجوري" والذي التقيت به في دمشق ورسم لي لوحة…..
أما الآن فأنا أعمل على النادي السينمائي الشهري التابع لمديرية الثقافة، ونأمل من خلاله إعادة الذائقة السينمائية للجمهور…..

 

إعداد وتصوير : نوح حمامي

حوار : شادي نصير

تحرير : جلال مولوي

كما وصلنا الكثير من صور أرشيف الأستاذ غسان ذهبي ….