الدكتور والروائي فارس الحاج جمعة لعالم نوح وشادي نصير: أقول أن الرواية بدون خيال لا وجود لها وأرى العمل الروائي الذي لا يحمل موروث ثقافي ورؤية بعيدة المدى لا يعمر طويلاً،

الدكتور فارس الحاج جمعة


الروائي السوري "فارس الحاج جمعة" إسم بارز في الفضاء الأدبي الروائي السوري، والعربي، يختار أحداث كتاباته من الواقع وبصدق، حيث صدر له ثلاث روايات على التوالي "على لائحة الانتظار" الحاصلة على جائزة الإبداع الأدبي والنقد من دار الحوار والفكر من بيروت ودمشق، و"أوراق رجل حر" و"ذاكرة في الجدار" وهو يتحضر لإصدار روايته الرابعة وقد كان لموقع عالم نوح وشادي نصير الحوار التالي:

 

• بما أن عالم القصة مختلف بشكل جذري عن عالم الرواية من حيث الرؤية والنص والاخراج فما هي الخطوات والمواضيع التي تختارها للإنتقال من كتابة القصة القصيرة إلى الرواية؟

الرواية عالم كبير جداً، وخصب، يتنوع بشخصياته ويتنوع بعوالمه وأحداثه ومواكبة أحداثه للواقع، وبطرح فلسفات مختلفة ورصد أحداث الحياة اليومية وإشباع طموح الإنسان ونظراته البعيدة إلى ما يتوق لظهوره ولا يستطيع رؤيته بعينه المجردة.

وقد دخلت هذا العالم منذ طفولتي المبكرة واكتشفت أنه ليس كل من يكتب الإنشاء هو قادر على كتابة الرواية فالرواية بحاجة إلى نظرة عميقة للحياة ونظرة صامتة فأنا عندما أسير صامتاً ارصد كاللاقط الالكتروني الدقيق كل التفاصيل الدقيقة والتي لا يراها المواطن العادي بكل تفاصيلها وجنونها وتداعياتها وإرهاصاتها الإنسانية الصغيرة التي قد تكون كبيرة في عالم الغد أو حتى اليوم.

• نلاحظ في رواياتك أكثير من خط وتكتب بطريقة شعرية مختلفة عن النسج الروائي وهناك أسلوب شعري خاص بك أيضاً يميزك حدثنا عن هذا الدمج؟

ليس كل إنسان يمتلك الناصية الشعرية وعندما تكتب بلغة شاعرية مختلفة عن إيقاع العصر بمفاجآته وتناقضاته ولغة مكثفة ترصد دقائق لحياة بأقل ورق وحبر تكون كتابة واسعة الطيف.

والبعض يلومني أن الجميع ليسوا قادرين على التقاط أو فهم هذه اللغة وأن بعضهم يعيدون القراءة عدة مرات ولكنهم يرون متعة في القراءة إضافة إلى أنها تشبع الحس الثقافي والجمالي عندهم وهذه اللغة تمتزج بالواقعية، ففي روايتي تطرح عدة فلسفات وعدة رؤى وعدة مواضيع ونظرات للحياة وتعطي إيقاع جميل للحياة وتجذب القارئ، والآن أجد أن الرواية القديمة كانت متعب وهذا لا يعني أنني اقلل من قيمة الرعيل الأول من كتاب الرواية العربية بل على العكس فالرواية القديمة كانت رواية حكائية وأما اليوم فالرواية هي رواية تنحو لأن تكون متضمنة محمول ثقافي والمحمول الجمالي كان أيضاً ضرورة من ضرورات العمل الروائي.

 • ما هي المحاور الرئيسية للرواية التي تكتبها؟

تحمل رواياتي ثلاث محاور رئيسية محور فلسفي بعيد المدى ومحور واقعي ومحور حكائي وهو الهيكل الذي يحمل اللحم والعظم ودماء الرواية فروايتي على لائحة الانتظار، فيها دفء الشعر وبرودة وصقيع الواقع فهي توخز وتحرك القلب من الداخل فالأسلوب التقليدي صار ثقيلاً على المتلقي، وكان فيها البعد الفلسفي للحياة ومحور الانتظار لان الجميع ينتظر شي من الحياة، الصغير والكبير ينتظر شيء من الحياة إضافة إلى المثقف والأمي والغني والفقير الكل ينتظر شيء ما.

قد ينتظر حلمه أو قصة حب أو حتفه أو قبره أو ثروته أو زواجه، فالإنسان دائماً في حالة انتظار سواء انتظار آني أو انتظار فيما بعد هذه الفلسفة الماورائية الفلسفة بعيدة المدى، لا يلحظها الإنسان بشكل مباشر أو بالعين المجردة فالكتابة أحياناً تعبر عما تجيش به نفس القارئ ولا يستطيع أن يبوح به وهذا المحمول الفلسفي أما المحمول الإنساني الثاني هو العلاقة بين الشرق والغرب العلاقة بين الشرق الدافئ الحضاري والذي يعتمد بحضارته على الرسالات السماوية والثقافات القديمة والمشاعر والعلاقات الإنسانية الدافئة والمحور الآخر هو المحور الغربي لبارد المدني إلى يعيش على الحجر والحديد ورتيب ويومه مركب ومحسوب اللحظات وهذا التلاحم بين الغرب والشرق قدمت تلاحم بينهما من خلال عيشة بعض المغتربين فيه وكلاهما ذات علاقة إنسانية واحدة ولكن الرؤى والمجتمع يفرض عليهم الاختلاف أما البعد الثالث فهو القصة وهي الحامل الأساسي للرواية وهي الهيكل وهي القصة الحكائية.

• دمجت بين الشرق الدافئ والغرب البارد ألا تعتقد بأن قراءتك للرواية الغربية في بداية مشوارك الأدبي ساهم بشكل ما لرؤية هذا العالم واليته المختلفة سواء بين الشرق والغرب والتشابه الكبير بينهما؟

قرأت لبلزاك وهيجو وبودلير وتشيخوف وميشيل هنري والروس والفرنسيين وغيرهم واقر بوجود خيط إنساني يربط بين الجميع أضف أنني أقمت لمدة سنة كاملة في فرنسا وشاهدت شواهد في فرنسا وعايشتها في باريس وكانت في فترة بعد البكالوريا واستفدت منها، مع العلم انه كان لدي رؤية وهذه الرؤية تختلف بين شخص وآخر فالجبال مثلا تختلف من شخص لآخر بحسب ثقافته وعمقها وحساسيتها وأيضا بسبب الموهبة الأدبية فالإنسان من الممكن أن يكون عنده الموهبة الأدبية ولكن ربما لا يستطيع توظيفها في وقتها المناسب لذلك أنا عندما اربط بين الخيط الدافئ بين الشرق والغرب وبين الإنسان والإنسان فهناك مشاعر رغم برودة الطقس ورغم برودة الدم تبقى المشاعر واحدة والذي يختلف الواقع المحيط الحياة العامة وغيرها من الأمور.

• الرواية العربية هي وليدة جديدة فهل ترى أن الرواية السورية التي هي امتداد للرواية العربية بدات تعمل قفزة نوعية وتحقق لها مكانة في الوطن العربي و خارجه؟

أقول أن الرواية بدون خيال لا وجود لها وأرى العمل الروائي الذي لا يحمل موروث ثقافي ورؤية بعيدة المدى لا يعمر طويلاً، والى قبر الثقافة، فالقصة العادية قد تقرأها في فيلم سينمائي، وتواكب مرحلة محددة من الحياة فهي لا تحمل البعد السياسي أو الثقافي ، فهذه الروايات محكوم عليها بالفشل أما الرواية التي تحمل بذور الثقافة ولون متجدد بالحياة وبالثقافة بالفلسفة والحياة هي الرواية التي ستبقى الآن أصبحت الرواية تحمل الإرهاصات الأدبية والفلسفات بعيدة المدى والرؤية للمستقبل ولا تحمل قصة حب معينة أو قصة بناء ثروة وهي قصة جميلة ولكنها لحظية ولا يوجد فيها تأثر بعيد المدى أو تحفر بعدها الحقيقي فالرواية الآن بدأت تشق ريقها في الرواية العالمية وتحمل إضافة إلى المحمول الحكائي والجرأة الأدبية والشخصية وبدأت تضاهي الروايات الكبيرة ولا يزال هناك بعض الموانع التي تقف في وجه الرواية العربية وأهمها الجيل المعبئ بالتسرع والثقافة المسبقة الصنع والمواقف وأنصافها.

• هل تعتقد بوجود رواية نسائية ورواية أدبية؟

في الحقيقة هذه المصطلحات الدارجة اليوم كالرواية النسوية أو الرواية الرجولية "الذكورية" وأرى أنه لا يوجد أدب أو شعر أو كتاب أدبي أو رواية لها جنس خاص بها نسوي أو ذكري أو خنثى فالأدب هو الأدب ولكن هناك نفس نسوي في بعض الروايات يتسم بلغة التشكي أو لغة التظلم، أو الاستعلاء أو التذمر من الاستعلاء الذكوري، ودائماً في مجتمعنا الأبوي الذي تعاني منه المرأة من الاضطهاد، وأرى اليوم بصراحة في الوطن العربي عامة وسورية خاصة، بأنه ليس هناك ثمة فرق بين المرأة والرجل، وهذا العصر انتهى، وخصوصاً مقولة أن المرأة لم تنل حقوقها، فاليوم الرجل بات أقرب لأن يطالب بحقوقه، فهذه النظرة القديمة التي تعتم على المرأة وتحجمها وتضعها في قوقعة صغيرة كان يتكلم عنها الرسامون المستشرقون الغربيون، أثناء قدومهم للمغرب وتكلموا عن الجوهرة المدفونة في الجدار ويعتبرونها جوهرة الرجل الخاصة أما اليوم المرأة في وسائل الإعلام المرئية وغيرها وهناك بعض الروايات تحمل نفس الإمرأة فاللغة المدللة والشكاكة والتي تحمل أنوثة طاغية تدفعه الرجل لقراءتها فالرجل الشرقي نبيل تدفعه المرأة لان يكون دائماً رافعا القبعة لها.

فالمرأة كما يقولون تحكم الرجل بدمعتها بينما الرجل يحكم العالم بقبضته، ففي القرن الواحد والعشرين أصبحت المرأة والرجل في خندق واحد ولا بد للمرأة أن تسقط هذه العباءة وهذه اللغة المتشكية الشفيفة السقيمة وهناك بعض الأسماء التي لمعت وأخذت حقها فأنا أعشق المرأة التي تكتب بمحمول ثقافي ولغة رقيقة.

• حدثنا حول جائزة النقد الأدبي التي حصلت عليها؟

مع أنني لا أؤمن بالجوائز بشكل كبير، ومع احترامي لمانحيها فهي لا تصنع أديباً ولا شاعراً، فهي تكريم… ولكن ليس دائما……

قامت دار الفكر المعاصر في بيروت ودمشق بمنح روايتي على لائحة الانتظار الجائزة الأدبية الرفيعة بعد دراسة مستفيضة للكتاب من خلال لجنة قيمة من أساتذة النقد في الجامعات السورية واللبنانية وافتخر بها لأنها صدرت عن أدباء وأناس مرموقين والرواية تتكلم من خلال لغة ومحمول ثقافي وأفكار وإشراف للمستقبل وما قدمت للقارئ وكانت نقلة نوعية للغة وهناك ناقدة كبيرة في دمشق قالت بأن لغتها مستفزة تجعلك تقف عند كل جملة.
والأستاذ الشاعر الكبير أيمن معروف قال كل جملة من كتابي تصلح لان تكون عنوان قصيدة وهذا اعتزاز من كاتب كبير، بالإضافة إلى المحمول الوطني الفلسطيني.

• انهي معك ومع أطفالك الذين حصلوا على جوائز متميزة حدثنا عنهم؟

أطفالي بدأت تظهر عندهم هذه الموهبة فالكتابة عالم ثاني متميز والكتابة ليست حبر وورق فأنت في الكتابة تعيش عالم آخر وتكون شخص آخر، فالأدب يسافر بك إلى عالم آخر ومع أنه يعيش في غرفة ضيقة إلا أن عوالمه تكون كبيرة جداً.

ففي نعومة أظافرهم اهتموا بالإنشاء وأعلنوا في منظمة اليونسكو بالتعاون مع دار ثقافة الطفل في وزارة الثقافة بمسابقة للأطفال وقدمت ابنتي المسابقة وهكذا الثانية والفتى
فالموهبة موجودة ولكن لا بد من الاعتناء بالزراعة فالاهتمام بالأطفال أدبياً ينشئ جيل واعي مثقف وقرأ أطفالي أمهات الكتب ولو التقطوا الجملة الجميلة تكبر معرفتهم وتثمر.

• ما الجديد عند الدكتور فارس؟

لدي زاوية أسبوعية في جريدة الوحدة أو بعض المقالات في الجرائد العربية فانا احضر الآن متجه للقصة القصيرة وأحب أن يقرأ الجيل الجديد وهناك رواية قيد الطباعة وهي بغداد وألف ليلتها.