وهو إذ يستقرىء المستقبل يقول : ” سيأتي اليوم، وقريبٌ إن شاء الله بعونه، تعالى ، سوف نجتمع جميعاً – الأمة العربية كلها – في رحاب الجامع الأقصى وكنيسة القيامة، بينما الأجراس تقرع مهللة لعودتنا إلى وطننا، إلى فلسطيننا، إلى قدسنا، بينما المآذن تصدح، الله أكبر، الله أكبر، إنه السميع المجيب وعلى كل شيء قدير

 

 

 

فلسطين والمطران كبوجي بقلم المهندس باسل قس نصر الله

مقالة مشتركة مع موقع عالم بلا حدود

في إحدى زيارات المطران ايلاريون كبوجي مطران القدس في المنفى إلى سورية، استقبلته من على سلم الطائرة، حيث كان متعباً، لكنه رفض أن يُظهر تعبه، لذلك توكأ علي إلى السيارة التي كانت بانتظاره ثم إلى قاعة الشرف.

أنا لا شك أعزو شرف استقباله إلى وطني الذي علمني كيف يجب أن أحترم الرموز الوطنية وأقدرها، والثاني الى رئيس الجمهورية بشار الأسد الذي لولاه لما قدم المطران كبوجي الى سورية ممارساً حقه الوطني في انتخابه وليكون بذلك أول المهنئين للرئيس – من الشخصيات ذات الطابع العالمي – ، أما الثالث فهو لسماحة الشيخ أحمد حسون مفتي الجمهورية، الذي قدم ويقدم لي كل وسائل الدعم لأجل كل ما يعطي صورة مشرقة وصادقة عن الإخاء والمحبة والتناغم بين الأطياف في بلدي .

سبق أن سافرت في حزيران 2005 إلى روما حاملاً رسالة من سماحة مفتي سورية الشيخ احمد حسون  إلى سيادة المطران كبوجي، خاطبه فيها بـ "الأخ المناضل" وقال فيها…. "أيها الرمز في زمن تضاءلت فيه الرموز حتى باتت نادرة" وعندما دعاه قال للمطران "نتمنى أن نراك قريبا بيننا، وأن تَقَبلَ أن نكون نحنُ ضيوفاً عندك" ….و "لأنه في زمن الصمت هذا، نفتخر أن يكون في صفوف امتنا، صوتك المدوي في العالم، ينادي للحق والسلام العادل ، ويغذي فينا روح الإباء" .

وقد التقيت المطران أولا في بيته في روما حيث دعاني إلى مائدة الغداء في احد المطاعم، ثم سلمته رسالة سماحة المفتي العام والتي هي عبارة عن دعوة لزيارة سورية، وسألته عن موعد قريب لمجيئه، فأجابني بعد أن توقفَ لحظاتٍ يستعرضُ بها الوقائع التي تحدث في المنطقة، "الوقت الحالي لا يسمح و…..أنه تلقى تهديدا بالقتل من جهات غير سورية" (ليسمح لي القارئ بعدم ذكرها) ثم تطرقنا إلى عدة مواضيع وكنت أحاول بين الحين والآخر أن أعود إلى موضوع زيارته إلى سورية، حتى قال لي بشكل واضح وعصبي "لن آتي إلى سورية في الوقت الراهن، وسآتي عندما تسمح الظروف ولا تسألني أكثر من ذلك"

لم أسأل المطران بأكثر من ذلك، وأنا الذي أعرفه تماما وامتلك صورة نادرة لسيادته في بيتنا بدمشق، يقف أمام عربتي الصغيرة عندما كنت طفلا لم يتجاوز السنة الواحدة من عمره، لم أرغب في النقاش معه حول مجيئه، وأنا الذي أعرف كيف أن الاسرائيلين لم يستطيعوا – برغم سجنه – أن يثنوه عن حملِ صليبه الذي أختاره بكل شجاعة، وهو الدفاع المستميت عن الشعب الفلسطيني.

ومضت الأشهر وكنت خلالها على اتصال مع " سيدنا " حتى علمت أخيرا بقدومه الى سورية لممارسة حقه في الاستفتاء عام 2007، على ولاية دستورية جديدة للرئيس بشار الأسد، واستقبلته من على سلم الطائرة في مطار حلب، كان تعبا تماما، وعند نزوله إلى قاعة الشرف كان أهله في انتظاره، كما قدم المفتي العام للسلام عليه، وغادرا إلى دمشق على نفس الطائرة.

في دمشق ، حيث كان له برنامج حافل من الاستقبالات والولائم التي أقيمت على شرفه، وخلال الاحتفالات التي رافقت إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد، أقام مجمع الشيخ الراحل أحمد كفتارو، حفلا بهذه المناسبة، وخابرني أخي الشيخ الدكتور صلاح كفتارو حول رغبته أن يحضر المطران كبوجي هذا الحفل وان يلقي كلمة بالحضور، قلت له سأحاول وإن كنت أعلم تماما عزوف المطران عن الكلام، وعندما أخبرت " سيدنا " بذلك قال لي "بشرط أن لا أخطب، ولا تحاول أن تحرجني ، فانا لن أتكلم" المهم حضر فضيلة الدكتور عبد السلام راجح للسلام على المطران ومرافقته إلى المجمع، المكتظ بالحضور، وقبل أن يدخل إلى مكان الاحتفال، قام بزيارة ضريح الشيخ الراحل أحمد كفتارو حيث أدى صلاة قصيرة، وتذكر اللقاء الذي جمعه بالراحل، ثم دخل إلى المسجد حيث قام الكثير من الحضور احتراما لهذا المناضل، وبعد أن شق طريقه بين الجموع إلى مكان جلوسه، بدأ الحفل، وأنا لا أعرف كيف سأقوم بإقناع " سيدنا " بالكلام .

توجهت إلى أخي الدكتور صلاح وقلت له، أن المطران لا يريد الكلام، ولكنك بحنكتك تستطيع ثنيه، كأن تقول: أنه بهكذا مناسبة – الاحتفال بإعادة الانتخاب-  كان يود أن يكون للراحل الشيخ أحمد كفتارو كلمة، ولكن بما أن صديقه المطران كبوجي هنا، وهو بمثابة الوالد فقد يرغب في إكرامنا بالكلام، فما كان من المطران كبوجي إلا أن نظر لي وكأنه يقول لقد كشفت مؤامرتكم أنت وصلاح. لن أطيل عليكم ولكن سأنقل لكم بعضا مما  قاله سيادة المطران كبوجي في مجمع كفتارو أثناء زيارته له .

قال أمام اكثر من ثلاثة آلاف شخص "حلوٌ وجميلٌ تعانق الصليب والهلال، إنما الأجمل والأجدى انصهارُ الإنجيل والقرآن في البوتقة الواحدة، بوتقة الإله الواحد وبوتقة التعاليم السماوية الواردة في الإنجيل والقرآن وفي ذلك قوتنا ومناعتنا "

" ليس الدين لقباً، به نتغنى ، ولا مجموعة عقائد بها نؤمن، ولا مؤسسة إليها ننتمي"

"الدين حياة، الدين عمل، ارني إيمانك، ارني دينك من حياتك "

" أنا ابن سورية،…. كطفل، قبل دخول الصف، كنا نقف وننشد، بلاد العرب أوطاني، وسورية علمتنا أن لا نتقوقع، أن نفتح قلوبنا كبيرا للعالم اجمع، وبخاصة لأمتنا العربية "
إلى أن وصل إلى موضوع نتداوله منذ أكثر من خمسين عاما ، حيث قال بوضوح يجب أن يعيه الكثر في المنطقة ، قال " على الإسرائيليين اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن يختاروا بين أمرين لا ثالث لهما، إما السلام وإما الاحتلال، أما أن ينعما بالاثنين سوية، سلامٌ واحتلال فهذا من المحال ".

" أما نحنُ فقرارنا مُتخذ،… نحن العرب – وبخاصة سورية – قرارنا نحن متخذ، نحن نريد أن نعيش، والعيشُ ليس فقط أكلا وشرباً، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. الحياة الحقيقية هي الكرامة وعنوان الكرامة هو الوطن، ولذا نحن مصممون (سورياً) إما أن نعيش أحراراً كراماً في وطن سيد مستقل، وإما أن نموت كراماً دفاعاً عن حقنا في هذا الوطن، نعم للسلام، لا وألف لا, للاستسلام أيا كانت الظروف "

ووصل إلى قوله " نحن لا نستجدي، نحن أصحاب حق، فلسطين أرضنا، ونحن ما نطالب به اليوم هو مخجل، فعندما عرض بورقيبة قيام دولة فلسطينية على 46% من فلسطين، اعتُبِرَ خائناً ورُجمَ بالبندوره، ونحنُ اليومَ نقبلُ دولةً لفلسطين فقط في 22% من فلسطين، وهذا مُخجل …….ومن هذه الـ 22% أخذت إسرائيل وصادرت 40% لبناء المستوطنات، فما الذي بقي من الـ 22% من فلسطين المعطاة لنا؟؟؟؟، لا شيء "

حتى كانت جملته " ولذا بودي ألا أسمع ، عندما العرب يتكلمون عن حلٍ للقضية الفلسطينية في حدود الـ 67 أن يقولوا حل عادل، حلٌ عادل؟؟؟؟؟ لا هذا ليس بالحق العادل هذا حق باطل، هذا حل الممكن، هذا حل الوارد، هذا الحل المستطاع، أما الحل العادل فهو فلسطين كل فلسطين "

وهو إذ يستقرىء المستقبل يقول : " سيأتي اليوم، وقريبٌ إن شاء الله بعونه، تعالى ، سوف نجتمع جميعاً – الأمة العربية كلها – في رحاب الجامع الأقصى وكنيسة القيامة، بينما الأجراس تقرع مهللة لعودتنا إلى وطننا، إلى فلسطيننا، إلى قدسنا، بينما المآذن تصدح، الله أكبر، الله أكبر، إنه السميع المجيب وعلى كل شيء قدير "

الآن عرفت لماذا هناك من يخاف عودتك سماحة المطران.

اللهم اشهد أني بلغت