وفي هذا الجزء الثالث نتعرف من خلاله على النوبات والموازين الموسيقية. وبالرغم من تداخل فنون الموسيقى عامة وانسجامها بشكل شامل في وحدة العناصر الفنية المكونة لها، فإن “الموسيقى الروحية” تبقى محملة باختلافات واضحة وجوهرية. دراسة للفنان سعيد العفاسي

وتحتل الموسيقى الروحية من التراث الموسيقي المغربي موقعا عظيما بسبب ما تحمله من سمات وخصوصيات تتميز بها من بين سائر أنماط المستعملات الموسيقية والغنائية السائدة بين الناس، مما نطلق عليه الموسيقى التقليدية وفنون الموسيقى الشعبية. ويأتي في مقدمة هذه السمات أن ممارستها تتم في أجواء دينية تسودها الروحانية وتجللها مشاعر القداسة، وتسمو بالوجدان إلى أعلى المقامات والمراتب.ومما يميز الموسيقى الروحية أنها لا تقتصر على المراسيم الدينية أو الحفلات والمناسبات التي تقام أصلا من أجل تلك المراسيم، بل هي تتجاوز نطاقها الزماني، وفضاءها المكاني لترتاد أجواء أرحب وأوسع. وليس أدل على ذلك من الدعوة إلى الصلاة بالأذان الذي ينطلق من أعلى صوامع المساجد خمس مرات في اليوم، فيملأ أرجاء المدن والقرى. وحتى تلاوة القرآن الكريم، فإنها ليست حكرا على المصلين في المساجد، ولكنها مما يستمع إليه عامة الناس صباح مساء عبر أمواج الإذاعة والتلفزة، وهي أيضا مما تتصدر به الحفلات العامة والأسروية. وهكذا يبدو جمهور الموسيقى الروحية عريضا إلى حد كبير، وذلك وجه من وجوه تميزها عن قداسات الكنائس والبيع.ومن مميزات الموسيقى الروحية بالمغرب أيضا قيامها على الأداء الفردي وخلوها من العزف على الآلات الموسيقية، ولاسيما بالنسبة للأذان وترتيل القرآن. أما فيما عداهما فإن الغالب أن يكون الأداء الصوتي جماعيا يتخلله الإنشاد الفردي بين الفينة والأخرى، كما يتخلله العزف على الآلات في حالات نادرة. وبالرغم من تداخل فنون الموسيقى عامة وانسجامها بشكل شامل في وحدة العناصر الفنية المكونة لها، فإن "الموسيقى الروحية" تبقى محملة باختلافات واضحة وجوهرية تتبلور من خلال الأجواء التي تمارس فيها ومن خلال أساليب أدائها وما يلف كل ذلك من ملابسات. وسيكون في الإمكان ـ مع شيء من التساهل والتجاوز ـ تعريف الموسيقى الروحية بالقول: إنها جماع الأساليب والتقاليد الغنائية التي ترتبط بالمراسيم الدينية كالصلاة، والإعلان عنها بالأذان، وإقامتها، والتي ترتبط أيضا ـ بالمناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى، والتي تقام إحياء لذكرى حدث كان له وقع عظيم في حياة الأمة الإسلامية، من قبيل الاحتفال باليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول الذي يخلد ذكرى مولد الرسول العربي صلى الله عليه وسلم، واليوم الأول من شهر محرم ذكرى هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، وما ماثل ذلك من المستعملات التي ينطوي أداؤها على خلفية دينية باعتبارها السمة الثابتة للإنشادات الدينية. ومن هنا تتحكم في ممارسة مستعملات الموسيقى الروحية جملة من المواصفات تشكل الإطار الملائم لها، وتتحدد بمقتضاها الشروط النفسية والفنية الكفيلة بخلق المناخ السليم لأداتها.

النوبات والموازين الموسيقية: قديما كانت أشعار المدح في الموسيقى الأندلسية تختلط بأشعار الغزل، بحيث كان الاهتمام ينصب على الوزن دون غرض الشعر المستعمل فيه، فكان يستبدل شعر الغزل والوصف بشعر المدح الشيء الذي يخل بوحدة الموضوع. مما دفع ببعض الباحثين والمهتمين بهذا الفن إلى تصنيف الموازين والأشعار والأزجال كل في موضعه. من ثم تتضح لنا العلاقة الوطيدة بين الموسيقى الأندلسية وفن المديح والسماع الذي أصبح يعتمد بدوره على نفس النوبات والطبوع الأندلسية مع امتياز هذا الأخير بغزارة أشعاره وأنغامه في حين تقتصر الموسيقى الأندلسية على نوبات معينة تحدد في إحدى عشرة نوبة، كل واحدة منها تشتمل على خمسة موازين ( البسيط – قائم ونصف – ابطايحي – الدرج – القدام ) ويكون الميزان موسع وقنطرة وانصراف إلا ميزان الدرج مثله خفيف .

النوبة الأولى رمل الماية:
تشتمل على اربع طبوع : ( طبع رمل الماية – انقلاب الرمل – طبع حمدان – طبع الحسين
1 طبع رمل الماية :
المستخرج لهذا الاسم هو صابر الفارسي، وقد زعم أهل الغناء أن واضعه هو رجل يدعى ربيب الماية. ورمل الماية هو فرع من الماية التي هي أصل ومقام هذا الطبع هو صوت "ري" ويستعمل فيه إنشادا / بحر الطويل .
2 انقلاب الرمل ، أو رمل الذيل :
استخرجه عبد الرزاق الفيلسوف من أهل قرطبة بالاندلس ومقامه صوت "دو" ويستعمل فيه إنشادا /بحر الرمل
3 طبع حمدان :
استخرجه سنان بن عتاد رجل من العرب بأقصى السوس، وقيل استخرجه حمدان الضرير الاندلسي، ومقامه صوت " فا" ويستعمل فيه إنشادا / البحر الطويل
4طبع الحسين :
المستخرج له الحسين بن أمية وكان سلطانا أعجميا وسمي باسمه ومقامه صوت "لا " ومما يستعمل فيه إنشادا / البحر الطويل.
وكانت أشعار هذه النوبة وأزجالها تدور حول الغزل والخمريات ووصف غروب الشمس إلى حدود القرن الثاني عشر الهجري حيث قام الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد القادر الفاسي بتحويل أشعار هذه النوبة إلى أشعار في مدح النبي عليه السلام والشوق إليه نظرا لما تحمله ألحان النوبة من معاني السمو والجلال والعظمة .
النوبة الثانية: الاصبهان
تشتمل على طبعين طبع الاصبهان – طبع الزوركند
1 طبع الأصبهان :
وهو فرع من الزيدان والمستخرج لـه هو جابر بن الأصعد الأصبهاني وقيل إن ملائكة الرحمان وحور الجنان يسبحون الله بهذه النغمة ومقامه هو صوت "ري" ومما يستعمل في إشاده / بحر الطويل .
2 طبع الزوركند :
والمستخرج لـه هو عبد الرزاق الفيلسوف من قرطبة بالأندلس، وهو مركب من الحجاز الكبير وطبع الاصبهان، ولحن هذا الاخير هو الغالب على طبع الزوركند. ومقامه هو صوت " ري" ويستعمل في إنشاده / بحر الرمل
النوبة الثالثة : الماية
المستخرج لهذا الطبع هو رجل يدعى أمية بن المنتقد من بني مالك حيث سمي باسمه وقيل امرأة تدعى "ماية " حيث سمي باسمها . ولطبع الماية من الازمنة، العشية عند الغروب لذلك تدور اشعرها حول هذا المعنى . ومقامها صوت "ري" ويستعمل اليوم قي صوت "دو" ومما يستعمل في إنشاده /بحر الطويل
النوبة الرابعة : رصد الذيل
يقول الفقيه الحايك: هو فرع من الذيل وقد استنبطه ابن الحارث الذي استنبط نغمة الرصد . وتوجد بنوبة رصد الذيل بعض الصنائع مركبة من سيكة ورصد الذيل ومقامه صوت "دو" ومما يستعمل فيه إنشادا / بحر الطويل .
النوبة الخامسة : الاستهلال
تشتمل هذه النوبة على طبعين : الاستهلال – عراق العرب
1 الاستهلال :
خارج عن الشجرة والغالب عليه أن يكون فرعا من الذيل وهو من الطبوع المجهولة والستخرج له هو الحاج علال البطلة وذلك في أيام السلطان السعدي أبي محمد عبد الله الغالب ومقامه صوت " دو " ومما يستعمل فيه إنشادا/ بحر الطويل
2عراق العرب :
وهو فرع من الذيل وقد استخرجه صيكة بن تميم العراقي وهو المستخرج لطبع صيكة وسميت باسمه ومقامه صوت "مي " ومما يستعمل فيه إنشادا :
ألا بعراق العرب يا خيـر منشـد بحق الهوى كن لي مجيبا ومنشدا
فديتك عللني اريح من الهـوى وأنــــــس غريبا لا زلت لنا مرشدا
النوبة السادسة : الرصد
تشتمل هذه النوبة على أربع طبوع : – الرصد – الحصار – المزموم – الزيدان
1 طبع الرصد :
وهو فرع من الماية واسمه في الحقيقة رأس الماية والمستخرج له محمد بن الحارث – الخزاعي – نديم هارون الرشيد وكان هذا الاخير يقول : نسبة هذا الفرع من اصله كنسبة السكر من قصبه ومقامه صوت " ري " ومما يستعمل فيه إنشادا /بحر الطويل
2 طبع الحصار:
هو فرع من الزيدان ويسمى بالحصار لانحصار نغمته في صوت منشده. استخرجه عنان بن مدرك اليمنى ومقامه هو صوت "ري" ويستعمل فيه إنشادا /بحر الطويل
3 طبع المزموم :
قيل استخرجه رجل يسمى بشير بن عتاد من بلاد سوس والمعروف أن الذي أطلق عليه هذا الاسم الجواد بن حاتم ومقامه هو صوت "صول" ويحتوي على صوت "فا" ملونة ومما يستعمل فيه إنشادا / البحر الطويل
4 طبع الزيدان :
استخرجه رجل يدعى هبة الله بن معاذ الحبشي، وبه يمكننا أن نفرق بين طبع الزيدان وطبع الرصد ذلك أن بالزيدان أصوات ملونة وليست بالرصد أصوات ملونة ( كأصله الماية ) ومقام الزيدان هو صوت "ري" ويحتوي على أصوات ملونة "مي" "فا" ومما يستعمل فيه إنشادا ( بحر الطويل .
النوبة السابعة : غريبة الحسين
تشتمل هذه النوبة على ثلاثة طبوع – غريبة الحسين – المحررة – الصيكة
1 طبع غريبة الحسين :
هو فرع من المزموم ، استخرجه غريب الحسين ، وقيل استخرجته جارية تسمى الغريبة لانفرادها عن أهلها وذويها . ومقامه صوت "دو" . ومما يستعمل فيها إنشادا ( بحر الطويل .
2 طبع المحررة :
هو أصل ليس لـه فرع ، استخرجته جارية تسمى بالغريبة المحررة ، ومقامه صوت "ري" ويستعمل فيه إنشادا :
بالمحــــررة الغريبة فانشدوا وانشدن غريبة الحسين
واسقنــــي خمرة معتقة اللون فــذاك فيه قـــرة عينــي
3 طبع الصيكة :
استخرجه صيكة بن تميم العراقي الذي ابتكر طبع عراق العجم ، ومقامه صوت "مي" ويستعمل فيه إنشادا /بحر الطويل
النوبة الثامنة : الحجاز الكبير
تشتمل هذه النوبة على ثلاث طبوع : – الحجاز الكبير – المشرقي الصغير – مجنب الذيل
1 طبع الحجاز الكبير :
هو فرع من الزيدان ، استخرجه حجاز بن طارق من بلاد اليمن ، ومقامه هو صوت "ري" ويستعمل فيه إنشادا ( الخفيف
2 طبع المشرقي الصغير :
هو فرع من الذيل ، مقامه صوت "ري" ويستعمل فيه إنشادا ( بحر الطويل )
3 طبع مجنب الذيل :
استخرجه رجل من الأندلس يدعى "هديل" ، مقامه هو صوت "ري" ومما يستعمل فيه إنشادا/ بحر الطويل
النوبة التاسعة : الحجاز المشرقي
هو فرع من المزموم ، وهو مركب من الحمدان والحسين وبينه وبين نوبة المحررة جامع كا نقلاب الرمل . قيل استخرجه عبد القادر القرطبي وسماه بالجركة وسمي فيما بعد بالمشرقي لجريانه على ألسنة أهل الشرق . مقامه هو صوت "ري" . ومقام الحجاز المشرقي أيضا صوت "ري" غير أن به أصوات ملونة .
النوبة العاشرة : عراق العجم
إن عراق العجم خارج من شجرة الطبوع وقد اختلفوا فيه فقيل هو من الأصول الأربعة الأمهات وقيل هو من الفروع والمستخرج لـه هو صيكة بن تميم العراقي المستخرج لنغمة الصيكة وعراق العرب ومقامه هو صوت "صول" ويستعمل فيه إنشادا (الطويل
النوبة الحادية عشر : العشاق
تشتمل على ثلاثة طبوع : طبع العشاق – طبع الذيل – طبع رمل الذيل
1 طبع العشاق :
هو فرع من الزيدان استنبطه رجل من الإفرنج يقال له فرنجر بن ديجر وقيل أنه كان( طبع شاق) فتداولته الألسنة فسمي بالعشاق ومقامه صوت "صول" ومما يستعمل فيه إنشادا ( الطويل
2 طبع الذيل :
هو من الأمهات الأربع استنبطه رجل من اليمن يدعى زيد بن المنتقد ومقامه هو صوت "دو" ومما يستعمل فيه إنشادا ( الطويل
3 طبع رمل الذيل :
وهو فرع من الذيل استخرجه عبد الرزاق الفيلسوف من أهل قرطبة بالأندلس وهذه النغمة شائعة بالمغرب ولا وجود لها بالمشرق ومقام هذا الطبع هو صوت "صول" ومما يستعمل فيه إنشادا/ بحر الطويل.
ـــــــــــــ
الهوامش:
*1- ديوان ابن الصباغ الجذامي، مخ. خ. ع.
*2 التعريف بابن خلدون، تصح. محمد بن تاويت الطنجي، ص: 8.
*3 فتح الله البناني: كتاب فتح الله في مولد خير خلق الله، ص: 161.
*4 ابن الأحمر: نثير الجمان، ص: 324 ـ 326.
*5 كتاب الإمتاع والإنتفاع، تحق ـ د. محمد بنشقرون. بتصرف.
*6 محمد المنوني. مجلة دعوة الحق، ع 8 ص: 11
*7 مناهل الصفا، تحقيق كريم. ص: 236 ـ 238.
* كتاب وصف افريقيا لحسن الوزان
* الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس لعلي بن ابي زرع الفاسي. 
سوف ندرج في الأيام القليلة القادمة بعض الأغاني والقطع الموسيقية