تتمة الرحلة التي بدأناها بمزرعة الجمال والصيصان وقدمناها الأسبوع الماضي وكانت على طريق اللاذقيةحيث التقينا بالشاعر والفنان العزيز شادي نصير والعزيز الصحفي يزن كركوتي وجلنا في نواحي كسب حيث صرخ عبد الناصر: الجنة هنا. نتمنى تواصلكم.

حيث صرخ جمال عبد الناصر: الجنة هنا
رحلة في مجاهل غابات اللاذقية وكسب

كتب: بسام لولو تصوير: نوح حمامي

* نحو حياة أرحب وأغنى بمعاني الصداقة والفن والجمال
* برفقة شادي نصير ويزن كركوتي
* في الجنة أكبر ثعابين الدنيا وفنانون ومزارات وقلوب مكسورة

كان من الممكن أن أخص بيوم 21/3/2010 أمي الراحلة، لأعيش أقصى ما يمكنني من مشاعر التوحّد معها في يوم عيدها.

ولأن قبضة أمي لم تُفلِتْ قلبي منذ رحيلها، وظلّتْ تعصره بلطفٍ مُوْجِعٍ، وظلّ يَنُزّ على فراقها أينما كنتُ ومهما فعلتُ، ولأنني أحب أن ألبّي نداءات الحياة الأرحب والأغنى بمعاني الصداقة والفن والجمال، وأن أسمح للحياة العفوية أحياناً أن تقرر عني وتحدد خياراتي، لأرى ما ستأتيني به، بررت لنفسي تلبية نداء الصديق الفنان نوح حمامي، لتمضية بضع ساعات معه في طبيعة اللاذقية البِكْر مع بعض فنانيها، وساعدني على ذلك القرار اعتقادي بأنني من دعاة التعامل بمعاني الصداقة مع كل عناوين ومفردات حياتنا، كما ساعدني الربيعُ وبعضُ الأصدقاءِ اللذان فجّرا شهيتي مؤخراً على التواصل مع الطبيعة والتعايش معها وتأملها واكتشاف المزيد من نِعَمِها وأسرارها. 

فكان أن وهبتنا الحياة التعرّفَ إلى أكرم حراكي في مزرعته، وأن نعايش معنى الكرم الحقيقي في بشاشته وفي الشاي الطيّبة التي قدمها لنا، وأن نتحرّق بالأشواق إلى الحياة التي كان يتطلّع إليها عامل تلك المزرعة، كما صرّحتْ ملامحه. 

ثم وهبتني الحياة التعرف إلى الفنانيْن يزن كركوتي وشادي نصير اللذين وهبانا وقتهما في ذلك اليوم وقادا رحلتنا إلى "كَسَبْ"، فعرفنا بمعيتهما أن أكبر أفعى في العالم تعيش في بحيرة سد بلوران، و تُرى بالأقمار الصناعية، وأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم يتمالك نفسه عندما رأى جمال الطبيعة ووقف عند "الكوع 45" وصرخ : " اللـه دي الجنة هنا"، واكتشفنا أماكن وصَفَها يزن بأنها مناسبة لمن يحتاج إلى "الصَفن"، أي إلى تأمل الحياة بعيداً عن صخبها، وأخرى مناسبة لمن يحتاج إلى "عناية مشددة" إذا ما انكسر قلبه أو صرعته الحياة الصاخبة في إحدى عراكاته وجولاته معها، وتعرفنا إلى مزارات وأضرحة نائية قصدها أناس أشعلوا شموعهم بجانبها وعقدوا مناديلهم على أبوابها، عسى أن تنجبر قلوبهم وتتحقق أمانيهم في حياة منشودة، ما يدعو إلى التساؤل: يا ترى ما الأماني التي انعقدت عليها تلك المناديل؟ وقصدنا فناناً فطرياً (جرير جورج) اختار العيش على شرب "العرق" في أقصى الجبال، وخلال كل ذلك كانت الطبيعة لاتكلّ من التكرّم علينا وتعريفنا إلى الكثير من تفاصيلها وعيون مائها وأشجارها المعمّرة. 

وكانت لنا محطة في الفيللا التي بناها الصحفي الراحل محمد كركوتي طوبة طوبة على مزاجه، ورحل عندما أوشكت على الاكتمال، لكن العَشَم بتحقيق أحلام ذلك الرجل كبير مع حيوية وشباب ابنه يزن، وإن بدا مسكوناً بأبيه ومشدوداً إليه طول الوقت، وعلى الرغم من الحزن الصارخ في عينيه على رحيله.. وعلى الرغم من اقتناعي التام مع شادي بأن الحياة المنشودة لم تأتِ بعد، وبأن أي أمل بتلك الحياة ضَرْبٌ من العبث والسراب، لكنني مؤمن تماماً بأن على الإنسان ألا يسلّم بحقيقة العبث، ومتأكد من أننا حاولنا أن نقطع شوطاً على درب تلك الحياة في ذلك اليوم وفي تلك الرحلة ومع يزن وشادي، ولعل صور الفنان نوح خير من يتكلم عن هذه الرحلة.