قراءة في ديوان صور الشاعر محمد هلال فخرو
- مارس 19, 2014
- 0
وضمن نشاطات المديرية في شهر آذار تقام فعالية قراءة في ديوان (( صور )) للشاعر المخضرم محمد هلال فخرو , قراءة وتعليق الناقد محمد زياد مغامس ويدير الحوار الناقد أسامة مرعشلي وذلك الساعة الثانية عشرة من يوم الثلاثاء 4/3/2014 في صالة تشرين ويتبع الندوة تكريم الشاعر فخرو
محمد هلال فخرو
محمد هلال سعيد فخرو سورية
ولد عام 1928 في إعزاز بحلب.
عمل موظفاً في مؤسسة الحبوب إلى أن تقاعد.
نشأ في أسرة تحب الشعر, وقد بدأ رحلته مع الشعر عام 1954.
دواوينه الشعرية: شتات 1970 ـ أكاليل غار (بالاشتراك) 1974
ـ صور 1975 .
ممن كتبوا عنه وعن شعره: عبد الله الطنطاوي, ومصطفى النجار (مجلة الثقافة السورية, وجريدة الثورة السورية), كما كتبت عنه دراسة بعنوان: محمد هلال فخرو شاعر الصورة والخيال المشرق ـ الحركة الشعرية المعاصرة في حلب 1975 .
عنوانــه: مقهــى الموعـــد ـ أول شـــارع بــــارون ـ حلـــب – ص. ب 5219 سورية.
الدعوة
وضمن نشاطات المديرية في شهر آذار تقام فعالية قراءة في ديوان (( صور )) للشاعر المخضرم محمد هلال فخرو , قراءة وتعليق الناقد محمد زياد مغامس* ويدير الحوار الناقد أسامة مرعشلي* وذلك الساعة الثانية عشرة من يوم الثلاثاء 4/3/2014 في صالة تشرين ويتبع الندوة تكريم الشاعر فخرو
قراءة في المجموعة الشعرية
صور
للشاعر محمد هلال فخرو
وقد تفضل الأستاذ زياد محمد مغامس مشكورا فقدم لنا نص المحاضرة كاملة لنشرها في عالم نوح
ظواهر في المجموعة
دراسة وتقديم :
زياد محمد مغامس
أكاد أن أقول : أنّ من يعرف روّاد مقاهي حلب ولا يعرف مكان ومكانة الشاعر محمّد هلال فخرو إنّه لا يعرف حلب ولا مقاهيها ، محمّد هلال فخرو الشاعر الخيّر الذي إن حاول تقتيراً مرّة لم تطاوعه أنامله، وإن حاول عبوساً انفرجت شفتاه عن ابتسامات تترى متدافعة، وجه صبوح مشرق، يحيط به فكر نيّر يلمّ بمعارف شتّى كثيرة، فإن أعوز أحد شيئاً أو تساءل عن معلومة ،قدم إليه ليجد عنده ضالّته المنشودة ،والإجابة الشافية، دون تذمًر أو تردّد ، إنّه الشاعر الإنسان دائم التهلّل ، بوجهه الحليق المنبئ عن رجولة كاملة، يزينها بعض الخجل المطلوب، عيناه متألّقتان، تطلان وراء نظارة سميكة تمنحه بعض جاذبيّة وإدهاش، حضوره أنيس محبّب كلماته وإشارته تموج فيهما أنغام من الحكمة المخمّرة المزيّنة بإشعاعات من الفكر الرائي.
هلال فخرو لم تضمّه مدرسة يوماً، ولم يتتّلمذ على يد معلم ، بل علّم نفسه بنفسه، ونهل من العلوم والمعارف بجهده وتفرّده ، ككثير من أدباء العرب الذين كان تحصيلهم ذاتيّاً وهو يجاهر بهذا ولا يخجل منه ،وهاهو ينبئ عن نفسه في قصيدة طويلة مطلعها:
أنا لست أحمل من ربوع العلم ما يُدعا شهادة (1)
لكن أين منه حملة الشهادات، فالبون شاسع، والمسافة كبيرة، وهو من أصحاب المجموعة الواحدة، وما أكثرهم في شهبائنا التي احتوت إبداعهم وما تزال، ومنهم من كبا جواد شعره ومنهم من ما يزال على الصهوة، يخبّ السير نحو المرتقى، ويمكن للمتابع أن يذكر من هؤلاء "خير الدين الأسدي ،محمد كمال، نديم مرعشلي، نور الدين أبو ريشة، لؤي فؤاد الأسعد وغيرهم كثيرون".
ما رأيته مرة إلّا باسماً راضياً ، بكل المدى الذي تحمله كلمة ابتسامة، وبكل ما توحي به كلمة رضا من رحابة ، رغم الزهد الذي يلحظ في مسيرته الحياتيّة، ويلحظه متابعوه في جالس أنسه الدائمة، وهي مجالس غنيّة بالمعرفة ، مترعة بالأنس والصفاء والمودّة ،حياته _ كما أعرفها_ هادئة مستقـرّة ،هي إلى الصوفيّة أقرب ، إنّه أبـو سعيد الشاعر محمد هلال فخـرو ،صاحب المجموعة الشعريّة الوحيدة " صور " التي ستكون محور حديثنا ،وآمل أن يكون تقديمها بشكل يليق بها وبمكانة صاحبها، ليكون عرفاناً واعترافاً بهذا المبدع الذي لم تقدره مدينته التقدير الذي يستق كغيره من المبدعين.
المجموعة شكلاً :
هـي مجموعة وحيدة لصاحبهـا الذي عزف من طبـاعة آثاره الشعريّة بعدها، لكنّه لم يعزف عن الإبداع والاستمرار في العطاء، وهي ذات غلاف كان أبيض لكنّ عوادي الأيام نالت من بياضه قليلاً، وهو مزيّن بخطوط وزينة من تصميم الخطاط الكبير سم أخوان، وتمّ إنجاز المجموعة فـي المطبعة الـتعاونيـّة حلـب سنـة 1976 ،وأظهـر غـلافها المقابـل سعرها ،وحمل بيتاً من الشعر عن قوم الشاعر العرب ، سيتم إيراده لاحقاً.
تضمّ المجموعة بين دفّتيها مئة وتسعاً وثمانين قصيدة شغلت أربع مئة وعشر صفحات من القطع المتوسط، ملأ الشعر فيها كل فراغ، ولو أراد صاحبها أن يتعامل بشعره كما يتعامل شعراء اليوم لكانت المجموعة أربع مجموعات أو تزيد، وفي نهايتها ثبت بالخطأ والصواب وكلمة شكرا لصاحب المطبعة.
شيء في المجموعة :
تبدأ المجموعة بدراسة نقديّة مطوّلة كتبها الأستاذ الناقد عبد الله الطنطاوي حاكم من خلالها حركة الشعر العربيّة بعامّة، ونوّه بدراسته ببعض المبدعين ،وقد بذل جهداً يشكر عليه ،وقد وقد أمتدّ جهده على ثمان وثلاثين صفحة ،ونحن قد نرى ما رآه الأستاذ الطنطاوي وقد نرى شيئاً آخر ،ولكل منّا منظاره ومقاييسه ورؤيته ،وبالتالي الكتابة النقديّة تعبّر عن صاحبها كما يعبّر الإبداع عن مبدعه.
ولا يعتقد بداية أنّ دراسة ما يمكن أن تفي الشاعر هلال حقه ،أو أن تتناول كل ما في المجموعة من ظواهر فنيّة أدبيّة ،لأنّ في المجموعة كما في صاحبها من الفضائل الأدبيّة ما يحتاج إلى دراسة مطوّلة وامتداد درس ،لما فيها من تعبير عن هموم الحياة و وعثائها.
قصائد المجموعة بعامّة قصائد غنائيّة بالمفهوم النقدي للغنائيّة الشعريّة العربيّة وبالمفهوم الفنيّ ، فهي تكاد تكون مغنّاة بكلماتها وأوزانها ،والقصائد موزّعة على الحب والغزل في أكثرها ،وعلى الروحين الإنسانيّة والعربيّة ،كما تل من بين صفحاتها ظاهرات أخرى كالحزن والحكمة والفلسفة والإخوانيات ،وموضوعات هامشيّة أخرى انسربت في قصائد حملت عناوين أخرى لم ير أنها شكّلت ظاهرة يمكن التوقف إزاءها ،وستقف الكلمات الماثلة عند ظاهرة أو أخرى ،وترجئ الحديث عن الأخريات ،لمناسبة أخرى يكون زمنها أطول .
وهي بمجملها قصائد : تقول بوح الذات ،أفراحها وأحزانها ،همومها ومشاغلها يوميّاتها الصغيرة التي يمرّ بها الإنسان العاديّ كثيراً دون التفات ،وهي عن ذات مبدعها المحترقة ،وتبين موقفه من القضايا التي تهمه في الحب والرثاء والمدح والهجاء والفخر وغيرها ، مهما اتّخذ التعبير فيها من صيغ وأشكال، لأنّها قصائد تمتلك تميّزها وخصوصيتها ،وهي ذات رؤى ومواصفات خاصّة تجعل منها بنية شعرية متماسكة كما سيتوضّح .
شيء عن الشكل :
قصائد المجموعة تّتخذ الأوزان القصيرة أو مجزوءات البحور التي تتناسب مع الدفق العاطفيّ القصير ،حتّى إنّ بعض القصائد نظمت على التفعيلة الموحّدة ،واعتمدت الروي الثابت غالباً ،وجاءت بعض النصوص متبدّلة القوافي متعدّدة المقاطع ،إذ كان كلّ مقطع يتّخذ روياً مختلفاً عن سابقه ،لكنّه كان متساوقاً مع الدفق العاطفيّ متناسباً معه ،لم يشعر فيه المتابع بانقطاع ،بل شعر بتواصل الدفق الشعريّ ،لأنّه دفق شعريّ روحي أولاً وأخيراً .
ويمكن للمتابع أن يلحظ أنّ قصائد المجموعة تتخذ طوابع ثلاثة من حيث الشكل هي :
*قصيدة المقطع القصير جداً ،أو القصيدة القصيرة جداً، المؤلّفة من بيتين اثنين، وهي ما سمّته العرب نتفة ،وهي تمثّل موقفاً حياتياً أو فلسفياً جاء على شكل دفق قصير تلقائي حاد ،ويمكن أن نقدّم منه النماذج الآتية:
ما رأى إلفين إلاّ كان يدعو لهما
كيف لا يفرح قلب عاشق مثلهما (2)
وفي معنى آخر يقول موجزاً
إلى أين يمكن لي أن أفرّ ** وفي أيّ ركن ترى أستقر
وهذي الليالي بنا مولعات ** تجيء بكلّ غريب مضرّ (3)
ومثله :
تجيء ألوف وتمضي ألوف ** وداعي المنايا علينا يطوف
فنحن وإن طال فينا المدى ** لدى بعضنا يا صديقي ضيوف (4)
ومن الغزل نورد :
شفت بوجهها طرفا ** بدا ببياضــــــه حمره
وعدت بألف قافلة ** من المتعات في نظره(5)
ومن خمرياته نختار :
إذا ما ضاقت الدنيا ** بها تهوي فلا تصح
فهذي الخمر ما خلقت ** لصدر ما به جرح (6)
يظنّ أنّ هذا غيض من فيض ،لكنّه دالّ على ما أشير إليه ،وضيق المساحة لا يساعد على النظر فيها وتجلّي مضامينها ،وهي واضحة تدلّ على نفسها بما تملكه من فلسفة البساطة الآسرة ،ويقتضي التنويه إلى أنّ الشاعر فخرو يمكن أن يكون رائداً لهذا الجنس من الشعر في أيّامنا ،على من يّدعون الريادة فيه ،مع أنّ البيت الواحد أو البيتين الاثنين وردا كثيراً في شعرنا القديم ،وهما يمثّلان خلاصة تجربة ،أو موقف يكفيه من الشعر البيت الواحد ،وما أتى به بعض الشعراء المعاصرين ،هو تفتيت لكلمات البيت أو البيتين ،منثور على طول الورقة أو عرضها وهو بذلك تجديد شكلي تزينيّ ليس أكثر .
* يلي هذا الشكل قصيدة المقطّعات، وهي القصيدة القصيرة التي لا تزيد على البيتين وتنتهي بستة ابيات ،وهي كثيرة العدد في مجموعة صور ،فرضها موقف أكثر طولاً من سابقه لايفيه بيت أو بيتين ولا تكفيه عجالة ،يمكن أن نلمّ ببعض نماذجها ، وهي كيفما كانت تحمل بعضاً من رؤى الشاعر نفسه ومنه :
سيان إن رجعت وإن لم ترجع ** تلك الليالي الموغلات بلا وعي
أنا لم أعد أهوى الظلال ولا مدى** يمـــتدّ بين غروبـــها والمــطلع
لاشيء أخشى في الوجود ضياعه ** إن سرت سارت كل أملاكي معي(7)
وفي مقطّعة أخرى حملت عنوان شجار قال :
وقائلة ها قد كبرت فقلت لا ** فعندي بهذا الصدر للغيد ما يرضي
فإن هال حسنائي تجاعيد قد بدت ** بوجهي فما بعضي دليل على بعضي
تشاجرت والأيام في حومة الوغى** وما هذه الآثار إلّا من العـــض(8)
وفي وقفة أخرى يعاتب أخاه الإنسان بحنوّ ورفق بقوله :
أرقّ بمهجتي حيناً وأقسو ** وينفر زورقي حيناً ويرسو
وأسمع كلّ خافية بأذني ** كمن يعروه عند الشرب مسّ
يخاطبني الجماد فأصطفيه ** وألّمس في الجماد أخاً يحسّ (9)
ويقول متغزلاً بمقطوعة أخرى حملت عنوان عنفوان :
تباكي لست بالباكي ** ولا في العشق بالشاكي
ولا قلبي ستـــبعثه ** من الأكفـــان ذكـــراك
ومهما كان من غدنا فإنّي سوف أنساك (10)
وفي لحظات الصفاء يناجي الإله بقوله :
إلهي أراك بعـــــين اليقين ** وألمس فضلك في كلّ حين
وأنظر بين صروح الجمال ** موازين تهتف بالعاقـــــلين
أعوذ بوجهك من أن أكون** إلهـــي الغداة من الجاهلين
فإنّي إلهي فقيـــر إليـــــك ** وأنت الغني عن العالمين (11)
مقطّعات عباره عن مجموعة صور متنوّعة المضامين ،فمن الإخوانياّت إلى الإلهيّات إلى الغزل ومنها مقطّعة خيوط الشال :
قالت : أراك نـسيتني ** فصرخت كيف يكون ذلك؟
لا يخطرنّ أمـام عينك ** ذاك أو يلقــــــى ببالــــــك
أترين محفــــظتي بها ** كنـــــز أعزّ من المــــــمالك
وأريتها خيطــــين فار ** تابت فقلت خيوط شالك (12)
وقال في مقطوعة الحبّ القديم :
صلاة محبـــتي الأحلــى ** بنبض جوارحى تتلى
ومهما قلــت مــتّ هوى ** لمثل حبيــــــــبتي قلاّ
لك الخيــرات من حــبّ ** مقيم والصــــــــبا ولّى
فكم في الليل قلـــــت لـــه ** تعال فقـــــــــال لي أهلا
أحجّ مع الهوى أبداً ** وأركع حيثما صلىّ (13)
وقد رافق تقديم الأشعار عازف العود الشاب كرم مغامس
ويفضل لهذه الدفقة أن تسمّى الحبّ المقيم بدلاً من الحبّ القديم للانسجام مع المعنى ،وتترك المقبوسات بلا تعليق لأنّ كلّ مقبوس شعريّ دالّ على نفسه بنفسه ،فهو من الوضوح والدقّة ممّا يجعله في غنى عن الشرح أو التوضيح ،وليس في المقبوسات من غموض يحتاج إلى إبانة .
أمّا القسم الثالث ،فهو القصيدة الطويلة ،ونماذجه كثيرة نورد منه أبياتاً من قصيدة طويلة نراها دالّة على صاحبها ،ومبرزة لمذهبه الشعريّ،ومفصحة عن حياته وأفكاره من خلال شعره ،كما أنّها مشيرة إلى ما يريده وقد أعطاها الشاعر اسم " الجمال " ومنها نقتطف :
أنـــا عاشق أبداً وأبقى في المحبــة ماء مــزن
طهّرت في نبع الجمال رغائبي وغـسلت ظنّي
بالحبّ ينتبه النهار بـــداخلي ويمـوت حـزنــي
بالحبّ أحيا مرّتيــــن وتقـــرب الأبعـاد مــنـّي
أهوى فنائي في الهوى وأستطيب شـعور دفـني
لولا المحبّة لم تجد شــعـــراً ولا أثـــراً لـــفــنّ
بي روح يعــرب إنّما أحيا على هضبات قرني
أغنـــي الحيـــاة فأغنتني وأظلّ ملتصقاً بلونـي
قد عشت في سيف المثنّى في تلافيف ابن جنيّ
في دار عثمان الشهـيـد بـكـربـلاء مع الحسـيــن
بين الـحجـون إلـــى الغضا بـعرار نجد المطمئنّ
في مدفع الجولان يسقي الغاصبين عصير حزني
مـا أقــرب الأيـّــام مهمـا يبعد التــاريــخ عــنــّي
ذي قار في تشرين عادت تنصب الأقصى لعيني
مجــــدي دليل للبنـــاء وليس مجــــدي لـلـتـغـنـّي
فاسكب رحـيـق الـنـيـربـيـن بكأس قلب مطــمئــنّ
واضـــحك مــعـي إن طال ليلك نحن لليّل المضنّ
أطـوي العــيـون بــمهجتـي وألـمّ بـسـمـتهـا بـظـنيّ
أنا للجمال حكاية فـيــهــا الــكثيــر مــن الــتــمنّــي
أنـــا لـلــجمــال وكم يطيب لـــي الــتعــبــّد والتغنّي (14)
هي دالة أخرى ضافيّة على حبّ الشاعر للجمال والمرأة والوطن في آن معاً ،ولا عجب وهو من قوم تذيبهم الأعين النجل وقت السلم ،ويذيبون الحديد أيّام الحرب ،فحبّ الوطن عند الشاعر يمتزج بحبّ كلّ جميلة تسير على ترابه .
شيء في المضمون :
يمكن للمتابع أن يتحدّث قليلاً في نظرة الشاعر للحبّ ،وهو شاعر هوى بالدرجة الأولى ،لكنّ مفهومه للحبّ يختلف عن مفاهيم غيره من شعراء الحبّ والغزل ،كما تحدّث الناقد الطنطاوي ،فحبّ هلال حبّ عربيّ المنبت ،والحبّ متعة الحياة وماؤها ،كلّما نهل منه العاشق ازداد عطشاً ،فإذا لم نحب فماذا نعمل في الوجود ،والحبّ عود إلى الحياة ،وولادة جديدة ،والحبّ في رؤية الشاعر محمّد هلال فخرو يجعل الكون صفاء،والألم شفاء ،والسجن روضة جميلة ،والحبّ عنده يسير بمسربين خياليّ وواقعي معاً ،ولا عجب وهو يتحدّث عن هذا بقوله :
أنا بالمحبّة قد بدأت وإنها ** إرثي وفيها تنتهي وأمجادي (15)
ويخاطب عذوله بعزفه على الوتر نفسه :
ملأنا عمرنا حبّاً ** فأزهر وصلنا فـــــلاّ
صناعتنا أجدناها ** وهل من صيغة أحلى
نلاعب كلّ مائسة ** ونـغزل حبنّــا غــــزلا
غنينا بالهوى صبحاً** وســـافرنا بــــه لـــــيلا (16)
ويقول مفاخراً بقصيدة أعطاها عنوان " عشر مرات " :
جمعتك من هواياتي** وصغتك من صباباتي
ففيـك تمثّل الماضي** وفيك تجسّـد الآتـــــي
فـــهـل أهـديت للدنيا** ليسمع صــــوت أنّاني
أحــبّــك آه لا تـــكفي** أحبّك عشــر مــــرات (17)
الحبّ يشغل مساحة واسعة في مجموعة صور ،وحبّه يسمو ولا ينحدر ،يسمو إلى عوالم رفيفة شفيفة لا يرقى إليها إلا من اكتوى بناره ،والمتابع يقرأ في حبّ الشاعر العفّة والأخلاقيّة فهو شاعر غزل يتمثّل شعر العذريين :
لا يشتكي منيّ القرين ولا تعاتبني الفضيلة
أبقى نبيلاً فـي الغرام ولا أحبّ سوى نبيله
ما بين صدري خافق أبداً مشاعره نبيــــله (18)
لكنّه مع إعلانه هذا يخونه حسّه أحياناً ،فهو ينحدر إلى الوصف الماديّ ،كالعيون والشعر والقوام و …. كما يلحظ شموخه في حبّه كشموخه في حياته ،ويتسامى ببعده عن الضراعة والتذلّل أو إظهار الضعف أو التشكّي،وهو يريد للحبّ أن يكون قاسياً مشتركاً بين الناس كلّهم ،لعلّهم يتخلّصون به من ألوان الشرور ،والمقبوسات الواردة طيّ هذه الصفحات،فيها كثير مما أشير إليه .
شيء في النهايات :
يتبدى للمتابع شيء يراه هامّاً ،يظهر في نهايات القصائد ،وتحديداً في نهاياتها ،فقد كانت القصائد تتواصل وتتماسك لتصل بالقارئ إلى الذروة،حيث ينتهي الدفق وتنقطع المعاني بحدّة لتكون المفاجأة الشعريّة التي تأخذ بتلابيب المتابع ،وتجعله ينبهر بالنّور الذي فاجأه ،تماماً كما كان يفاجئ الشاعر الكبير عمر أبو ريشة بنهاياته المفاجئة الجميلة ،وكما كنّا نقرأ في عمود الشعر العربيّ القديم الذي يلزم الشاعر أن ينهي قصيدته بحكمة أو مثل أو ايجاد ضالّة أو غيرها .
وهي نهايات تأتي بعد انسياب لغويّ رقراق ،ترتبط بها نهايات النصوص مع بداياتها ممّا يدفع إلى التواصل ،ويحيل إلى التكامل ،ويلحظ هذا بجلاء في نصوص كثيرة منها نص " الزئبق الأحمر " التي مطلعها :
أذوب أذوب كالسكر ** بعالم رمشك الأخضر
وتنسرب أبيات النصّ التي تظهر نفسيّة الشاعر وتأخذ بيد المتابع إلى الخاتمة المفاجئة التي يتحدّث فيها المبدع عن نفسه :
يعيش بحبّه الدنيا ** فتكبر وهو لا يكبر (19)
أيّة فلسفة حياتيّة يعيشها المبدع وتحملها هذه النهاية ،وعلى الإيقاع نفسه ،يبدأ قصيدة " ملاعبنا " بالآتي :
حملنا في جوارحنا ** قلوباً بالهوى نشوى
ولا يهمّنا المطلع بقدر ما تهمّنا الخاتمة ومفاجأتها الآتية :
نقدّمها قرابيناً ** ونضحك عندما نشوى (20)
ختام ضاحك مع جناس جميل ،وانتهت قصيدة " نجمة الأفق "بالبيتين الآتيين ،بعد استرسال ممتع :
غمر النور كياني و ارعوى ** خافق يخطو على سحب الضلال
لـــــم يـــكن ذلك منّي عجباً ** ضيّق الشيب على الأفق المجـال (21)
لنا أن نتمثّل حالة عاشق كبير يردعه شيبه عن المواصلة .
كأنّ الشاعر كان يؤمن بمقولة اللذّة في القاع ،أو خير الأمور في خواتيمها ،وجعل نهاية نصّ " أشعب " كالآتي :
يهتزّ إن ذكر الغرام كأنّه ** نغم على وتر الكمان يقلّب
أعطى قيادته الجمال فما يرى**إلّا الحسان كأنّ قلبي أشعب (22)
ومنه في نهاية نص " الحبّ قدر الشاعر " :
دعيني للهوى أسعى ** وقــــولي وفّق الله
فلســــت بتائب أبـداً ** وإن نـوديت عمّاه (23)
إيمان بالحب حتّى الثمالة والرمق الأخير بلا رادع من شيب أو من طول عمر .
وأحبّ أن ننهي الحديث عن هذه الظاهرة بهذا البيت الذي ورد في نهاية نصّ " الحبّ " :
أهوى الهوى وأحبّ أصحاب الهوى وأرى بوجه العاشقين بلادي_24
كانت النهايات مفعمة بفلسفة حياتيّة مشتهاة بتلذّذ ،وتمثّل براعة ،وتحمل كثيراّ ممّا يريده الشاعر محمد هلال فخرو وتظهر كثيراً ممّا في قلبه للعلن.
شيء في المذهب الأدبيّ :
قصائد مجموعة صور لا تعبّر عن فكر فئة اجتماعيّة أو أدبيّة محدّدة ،بل تعبّر عن ذات مبدعها ،وتقول صوته الخاص ،وهي محققة لشرطيها الذاتيّ والموضوعيّ ،وحملت جماليّة شعريّة كانت قادرة على التعبير عن احاسيس إنسانيّة دافقة متوافقة مع تناغم بنائيّ وتماسك ملحوظ ولكنّ المذهب الذي تعينه الكلمة ،هو أحد المذاهب الأدبيّة المعروفة ،ولوحظ أنّ النصوص كلّها لم تخل من انعطاف نحو الإبداعيّة أو الرومانسيّة ،بما فيها من حلم وإبداع يؤثر السهولة والبساطة فما خلت قصيدة من ألفاظ تمّت إلى حقل الطبيعة أو الحريّة أو الخيال أو الذاتيّة أو ….. ونأخذ مثلاً قصيدة " مزارع الانتظار " فإنّها تنسرب في المسار الذي ذكر ،وفيها نلحظ الألفاظ الدالّة الآتية :
( نرجس _ اليوح – الدلّ – الزنبق – شوق – نقيّ – غنج – شيب – رؤيا – منفيّ – نقيّ – صب – حبّ – شذا – حكايا – ناظريّ – آه – الحقل – السقي – بني عذرة * ) وهي كلمت تنبئ عن حلم رومنسي جميل ، لكنها تستمّد قطراتها من روافد الأجداد ،وهي محدّدة ومحلاّة بواقعيّة حياتيّة كانت معيشة ،وما من نصّ فيها مبعثه الخيال المحض ،وهذا يحيل قليلاً إلى الحديث في "النص الغائب"
شيء في النص الغائب :
النصّ الغائب كنصّ غائب كان غائباً في المجموعة ،فما وجدنا نصّاً فيها،كان تشكيلاً من نصوص سابقة أو معاصرة ،وكلّ ما لوحظ في النصوص ،هو كلمات تنتهي إلى مخزون أدبيّ عامّ دالّ على سعة اطلاع، ووفرة معرفة ،ومزاوجة بين قديم وجديد ،وما ورد طيّ قصائد المجموعة كلّها من كلمات تمتّ إلى الماضي هو : ( الشغف _ الصهباء _ حمأ _ المصباح الدريّ _ آل _ عنت _ الملكوت _ الشميم _ مارج _ جحفلين _ ومن الأسماء العربيّة القديمة للأماكن والأشخاص ورد _ قيس وليلى _ جميل _ عروة _ عفراء _ يثرب _ بني ذبيان _ بني عبس _ بني عذرة _ الفرزدق _ جرير _ عكاظ _ الخليل _ قريش _ مسيلمة _ مكّة _ القدس _ الأقصى _ إبليس _ يعرب _ سيف المثنى _ ابن جنيّ _ عثمان) *
هي حبات فقط من قطوف عناقيد الأجداد الدانية ،وهي كلمات وردت طيّ النصوص لا تشكّل نصّاً غائباً يمكن أن يشار إليه ،وفق المقاييس المتعارف عليها أدبيّاً ،وهذا لا يعني أن لا أثر يلمح لسواه في قصائده ،فقد يرد تشابه في الروح أو الروي كما سيتوضح .
هنا يمكن للملاحظ أن يرى نصوصاً تحاكي أخرى ،لكنّها لا تنتاص معها ،أو تعارضها ،بل كانت محاكاة هادفة إلى شيءمن مماثلة ،أو رغبة في تجاوز أو إظهار تفوّق ،وكما ألمح ،وردت في نصوص مجموعة صور ،كلمات متقاطعة ،أو أوزان تتماثل ،أو قواف تتشابه ،وهي بذلك أقرب إلى الميتاناص ،أو هو مجموعة النصوص التي يمكن تقريبها من النص الأصلي ،لكنّ النص يظلّ متمركزاً حول ذاته ،وعمليّة الميتاناص تظهر في أماكن كثيرة منها : قصيدة " يا أخي " المماثلة لقصيدتين تحملان العنوان نفسه للشاعرين المهجريين ميخائيل نعيمة ،و إليليا أبو ماضي ،كما ظهر تماثل مع قصائد الحلّاج الصوفيّة وبخاصّة في قصيدته التي يقترب معناها من : أنت ما شئت ولا شئت أنا ،مع الفرق البيّن في نظرة كلّ منهما إلى الإيمان ….. ، وظهر تماثل مع أبي فراس الحمداني في بيت الشعر : نحن قوم تذيبنا الأعين النجل من حيث المعنى والمبنى ،و في : فلا هطلت عليّ ولا بأرضي ومع الشاعر الكبير عمر أبو ريشة في مثل : إني مضيت ولن أعود إلى الوراء ،وورد تماثل آخر مع نزار ويظنّ إنّ فترة بداية كلّ من الشاعرين كانت متقاربة رغم اختلاف المكان، وظهر التماثل في قصائد منها : الإطار والصورة وبين قوسين وقارئة الفنجان : قالت والخوف ومع ابن زريق في حيران القلب موزّعه، ومع الخيام في رباعيّاته : وبخاصّة ترجمه أحمد رامي اسقنيها ولا تقل لي حرام … ومع أبي العلاء المعري في خفّف الوطء، ومع جورج جرداق في هذه ليلتي، كما ظهرت روح الطرب من خلال مماثلة بعض أغاني المطرب عبد الحليم حافظ في سمراء والمطربة الكبيرة فيروز في كثير من أغنياتها الحالمة . *
شيء في الغنائيّة :
في ظنّ المتابع أنّ بعضاً ممّا سبق ناتج من خصوصيّة أسلوبيّة ،تعتمد بساطة اللفظ وبساطة النسق الشعريّ ،الذي استطاع الشاعر من خلاله تحويل الحدثّ اليوميّ العاديّ إلى نصوص غنائيّة تحمل بوح الذات الخاصّة التي تتناول الموضوع الشعري مباشرة دون تعقيد ،وتأمّل كلمات بعض النصوص ،ومحاولة السباحة في بوحها ،تشعر المتابع بغنائيّة عالية تمتلكها ،وهي غنائيّة ناتجة من حسن اختيار البحر ،أو من تقنية داخليّة ،أو من سلاسة ألفاظ ،ويحيل هذا قليلاً إلى الحديث في لغة الشاعر ،وبظنّ الدارس أنّ الشاعر مرّ بمخاض لغويّ عسير ،وهو يحاول البحث عن لغة خاصّة ، فيها من البساطة والوضوح والأصالة والمعاصرة ما يدلّ على مبدعها ،وفيها بالقدر نفسه بعد عن القوالب الجاهزة والخطابيّة التي سادت في الشعر القديم ولفترة ما في الشعر العربيّ المعاصر، فالشاعر محمد هلال فخرو اختار قاموسه اللغويّ ،واستطاع أن يطوّع مادّته بحيث أصبحت اللغة المناسبة للغنائيّة المهدوفة ، بلا فضولٍ ولا ضيق ولا تعسّر،تنساب ببساطة وعفويّة مع ميل إلى ايقاع موسيقيّ منسجم ،فقلّ أن نقرأ في النصوص زحافاً شاذاً ،أو علّة عروضيّة ،وهي غنائيّة معاصرة ناتجة من توليف موسيقيّ متكامل ،بحر ولغة وقافية ،وهي نصوص تكاد تكون مغنّاة بنفسها ،حتى لو غفلت عنها أوتار الملحّنين ،وهذا مثل من قصيدة بيدرآل :
إّنــها بــي مـا تــزال ** سفح شوق وظلال
أعــرب عن نفـسـهـا ** بــين لمح واختزال
صوتها المقطوع من ** سـرّة الوجد الحلال
يسكب الأضواء في ** عــين ربات الجمال (25)
أو هذا المقطع من قصيدة الرمش الأخضر:
ضمّني إليك الورد ** يا غابة الـرمش
فوق دوالــــي النـدّ ** أشواقنـا تمــشي
يا ألـــف مـوحـيــة ** بالـحــبّ للروح
نفســـي كـأغــنيــة ** من حبّك الموحي
عـــريشــة تبــقــى ** مجدولة الأغصان
فـــي عـالــم يسقى ** بـالخمر والألحان (26)
و في هذين البيتين المغنيّين بنفسيهما وفيهما من الجمال ما يكفي الحالم :
بعيداً هنالك خلف الــتلال ** وعند حدود صحارى المحال
يقوم حداد عميق السكون ** تـــنام عـلـى شـرفـتيه الظلال (27)
نؤكّد ثانية أنّ القصائد ستكون أكثر تأثيراً وجمالاً إذا وجدت الملحّن القادر على تحويل الكلام إلى إيقاعات يذهب بها الحلم البعيد الذي يقطن وراء اللغة نفسها ،ولا عجب في ذلك ،فهي تحمل من رعش مبدعها الشيء الكثير،ولا يخفى أنّ الرعش هو مقلوب كلمة شعر كما قال ابن جنّيّ،وكانت أكثر النصوص قابلة للغناء والتلحين لأنّها وردت بألفاظ سهلة،حالمة ،رقيقة ،ناعمة ،نتمثّل فيها البساطة والعمق في أجلى صورهما،كما فيها تماسك دلاليّ لافت ،ناتج من تماسك البنية ،لأنّ الصورة في القصيدة بل القصيدة نفسها _أيّ قصيدة_ كانت تتركّز حول ثيمة معيّنة ولا تحيد عنها ،كما يتوضّح في هذا المقتبس من قصيدة (كانت تشكو لي ) :
غضبي والدمع بعينيها كالخمر في قدح مكسور
تتماسك في كبر مرّ كتماسك سـلـطان مــقهـــور
لا ليس صديقي مـن يـلـقـي الـليـلـك فــي التنّور (28)
أو في هذا المقتبس من قصيدة الرفض الجميل :
بعد عامين التقينـا فـدعتـنـي للشّـــــراب
قلت : يا حلوة إنّي لست بالناسي عذابي
كافئي الحبّ الذي يـتـبـع من سفح إهابي
بـلـقـاء مـن عـيـون وسـلام بــاقـتـضـاب
إننّي زوج ولن يـطـرق شـيطـانـك بـابـي (29)
شيء في القصيدة المغنّية:
النهايات المفاجئة ، والكلمة الممسوقة تحيل إلى الكلام في الصورة الفنيّة عند الشاعر في مجموعته ،وما خلا نصّ من مجموعة (صور) من خيال،أو من تحليق في عالم الشعر المطلق على متن تشبيه أو استعارة ترسم الجو الإيحائيّ للشاعر ، وتنقل بعضاً من حالته النفسيّة التي تلمّح إلى المعنى أحياناً ، فتزيده جمالاً ، وهي صور مستمدّة من واقع بلادنا الأخضر،المحلّى بالنغم الحالم ،المنطلق نحو الفردوس الأعلى ،وكانت الصور تنفخ في النصوص روح الحياة ،وتحمل المتابع إلى السموّ والارتقاء ،وهي استعارات وكنايات كانت متساوقة مع السائد في زمن إبداعها ،ونرى الآن أنّ كثيراً من الصور كانت تملك كمّاً من انزياح،يقرب بها أحياناً من الرمزيّة التي تعنى بالمبادلات اللغويّة أو بتبادل الحواسّ،لكنّها لم تجنح نحو الغموض فكلّ قصيدة كما في كلّ صورة وشائج تربطها في الأصل ،ولا تحيد عنه إلا بمسافة الإيحاء التي لم تنأ عن الأصالة ولم تتخلّ عن المعاصرة ،وتأمّل هذه الصورة على سبيل المثال كصور متفرّدة بذاتها ،بمعزل عن السياق الذي وردت فيه يشعر بذلك:
( ينام طيف الليالي _ توسّد النجم زهواً _ مكحّل بالأماني _ يقظة من سعير _ طرّزت بالشغف _ كنز حنان _ ينزف شوقاً _ أطوي العيون بمهجتي _ أذنبت روحي _ مزارع الليل _ في العيون غدير _ أشواقنا كالظلال تنتشر …. )
و غيرها كثير مما ورد بين دفّتي المجموعة ،ولن نتحدّث عمّا فيها من جمال تشبيه ولا عن جدّة الاستعارة ،كذلك لن نمرّ على ما فيها من تشخيص أو تجسيد ،منحاها البعد الدلاليّ الإيحائيّ الجميل،فهي زاخرة بهذا ،واللافت أنّ بعض الصور أتت محمولة على جناحيّ بيت شعريّ كامل كان من الصعب تجزئتها والإتيان بها منفرة،ولكي نتمثّل ما فيها من إيحاء نورد بعض الأبيات الدالة:
– أشواقنا بالضياء نكتبها ** لكلّ هدب ونحن ننفخر (30)
– ما أجمل الشعر الطويل وغصنهنّ إذا تهادى
نـغم على مـغم يسـيل صـبابة ويطــيب زادا (31)
– أهوى الهوى وأحبّ أصحاب الهوى
وأرى بـــوجـــه الـعـاشـقـيـن بـلادي (32)
ومثل هذا كثير يمكن أن يتحدّث فيه بما يسمى الآن تقنيّة الانزياح اللغويّ،ويفضّل أن يترك ذاك للباحثين في البلاغة والمهتمين بها .
شيء من ملاحظات:
على أنّ كلّ ما ذكر لا يعطي المجموعة صكاّ من صكوك الغفران، فقد لحظت فيها بعض الهنات الطفيفة، منها إغفال الشاعر لتاريخ كتابة النصوص، الشيء الذي يساعد على تتبّع التطوّر الفنيّ للشاعر، وخلوّ المجموعة من أيّ تاريخ سوى تاريخ الطيع، ولقد لمح فيها جنوح واضح نحو نثريّة لا شعر فيها، أو أنّ كم الشعر فيها قليل إن لم يكن معدوماً نورد منه :
=قصص فيها جنون 35 =قال حلوتي كلّنا بشر 73 =كما تعارف الأطفال تعارفنا 104 =وتنقر في أصابعها على أطراف طاولتي 105 =يا صديقي لا تلمني إنّني متعب 181 =الليل أقرب أصدقائي 230 =كلّ رسائل الدنيا لديهم 239 =ردّي أيامي رديّها 298 =أراه من طير كبير يطير في بيت صغير 315 =ما يمنع أن تسجد أو يمنع أن تركع 389 =عن أتفه شيء في الدنيا عن باقة ثوم أو بصل 327 . (*1 )
وتترك محاكمتها أدبياًّ لتقدير التابع ،فله رأيه في ذلك أيضاً.
كما كادت أن تخلو المجموعة من الأخطاء لولا قلّة بدت للدارس هي:
• قطع همزة الفعل (اختصّ) وحقّها الوصل ص 49 .
• إشباع ميم الجماعة كتابة أينما وردت.
• إشباع هاء الضمير في أماكن لا يجوز الإشباع فيها في أماكن عدّة منها (زرته) ص 237.
• قطع همزة أمر الثلاثي وحقّها الوصل كما في ( اقرأ ) ص 125.
• إثبات ألف كلمتي ابن وابنة بعد النداء ص 193.
• إثبات الهمزة المتوسّطة الخاصّة في غير موضعها ص 159-193.
• الألف الليّنة في الأفعال تتلا تدعا طويلة وقد قصرت ص 51-384.
• إثبات ألف الضمير أنا وحقّها الحذف عروضياً ص 359. (*2)
وقبل أن نختم نحّب أن نراه كما أظهرته مجموعة (صور) فهو شاعر:
– الوطن لديه قمّة القمم ،ومن لا يحبّ وطنه لا يعرف معنى الحبّ.
– واقعي في حياته ،ومعظم شعره مكوّن من دفق عاطفيّ قصير يرتبط فيه المعنى في المبنى.
– خيالي في شعره ،يحبّ العالم الذي ترقص فيه الأحلام وتنداح الرؤى.
– الحبّ في مفهومه قمّة القمم ،ليس عيباً ولا يقوم به الفاجرون .
– متفائل رغم غمامة الحزن التي تلّف أيامّه ولا يراها إلا نسياناً.
– عاشق لكلّ المثل الإيجابيّة والمثل الإنسانيّة في حياته.
وداع:
نختم بهذا المقطع القصير وهو آخر نبضة وردت في مجموعته (صور) ونراها تعبّر عن الشاعر تماماً:
سعيت فلم أظفر مع السعي بالمنى** وما كلّ ساع في الدنا سعيه يجدي
بــهـذا قضـى فـينــا الإله ولم يكن** لــدفـع قـضاء الله مـن حـيلة عندي
إذا مـتّ ظـمآنـاً فســـلــت بـقـائـل ** مـقـالـة ذيّــاك الـمـلـيـك مـن الجهد
وإن كنت لم أعرف بأرضي هناءة ** فإني لأرجو كلّ خير لها بعدي(33)
نرجوا أن نكون قد وفّقنا في عرض المجموعة بالشكل الذي يليق،كما نرجو أن تكون كلماتنا قد لفتت الأنظار إلى شاعر كبير ،يمكن أنّ يعدّ من الشعراء المنسيين ،وما أكثرهم في مدينتنا العامرة ،على أمل أن ينالوا حظاً أوفر من اهتمام ودراسات.
-انتهى-
زياد محمّد مغامس
مدير الثقافة في حلب الأستاذ حسن عاصي الشيخ يكرّم الشاعر فخرو الذي اعتذر عن الحضور بسبب وضعه الصحي وناب عنه الشاعر محمد بشير دحدوح ومعهم الأستاذ أحمد محسن معاون المدير
* الأستاذ زياد محمد مغامس عضو اتحاد كتاب فلسطين، له عدة مؤلفات مخطوطة منها : النقد بين المبدع والمتلقي، شعراء فلسطين في سوريا، يمارس كتابة النقد بأنواعه وعرفت دراساته بالعمق والشمولية، كتب عن عدد كبير من أدباء حلب وأدباء فلسطين في سوريا
*الأستاذ أسامة مرعشلي أديب وناقد أمين سر فرع اتحاد الكتاب العرب في محافظة حلب، اشترك في تأليف قاموس الصحاح في اللغة والأدب، وله مؤلفات منها : كتاب نقدي عن تجربة الشاعر أنور عدي ، يعرف الأستاذ أسامة بعمق إطلاعه على اللغة العربية وبدراساته المعمقة عنها .
المراجع :
مسلسل اسم القصيدة رقم الصفحة
1 شهادة 384
2 صورة 41
3 صرخة 269
4 الضيوف 179
5 نظرة 279
6 وصفة 373
7 الشريد 163
8 شجار 235
9 هوس 359
10 عنفوان 52
11 دعاء 401
12 خيوط شال 388
13 الحبّ القديم 55
14 الجمال 135
15 الحب 61
16 رسالة إلى عذول 89
17 عشر مرات 57
18 رسالة 308
19 الزنبق الأحمر 348
20 ملاعبنا 382
21 نجمة الأفق 320
22 أشعب 305
23 الحب قدر الشاعر 59
24 الحبّ 62
25 بيدر آل 306
26 الرمش الأخضر 300
27 مرقد الخالة عوّاش 177
28 كانت تشكو لي 340
29 الرفض الجميل 385
30 أشواقنا 227
31 هنّ الحياة 122
32 الحب 62
33 هكذا قضى 402
** لم نورد أرقام الصفحات لقلّة الأهميّة و لانتشارها في المجموعة .
*1 وردت أرقام الصفحات بجانبها مباشرة .
*2 وردت أرقام الصفحات بجانبها مباشرة .
_ تمّ _