قراءة في فن علي الصهبي بقلم عبد القادر الخليل
- يوليو 9, 2012
- 0
الناحت علي الصهبي لم يأت في التلوين ليجعله مزاراً للعبادة, بل ليجعل منه مذهب التعبيرية الجديدة. نعم نراه يستعمل النحت الملون في أجمل وجه
النحات الكبير الدكتور علي الصهبي.
السيرة الذاتية للفنان علي الصهبي
إضاءة فنية بقلم الفنان والناقد التشكيلي عبد القادر الخليل
يجب أن نعترف بأن التلوين في النحت هو ميزة خاصة مزجت الرسام والنحات في نفس الفرد الفريد من نوعه، هذه القدرة الفنية فقط كانت لأفراد قليلين في الفن العالمي، منهم مايكل انجلو, بيكاسوا, ادغار ديغاس ودالي.
منذ الزمن البعيد تآلفت المنجزات النحتية واللوحات التشكيلية. وكل فنان في بداية مسيرته الفردية كان يرسم التماثيل في صالات التعليم في أي أكاديمية كانت. أي أن من أشكال النحت كان المبتدئ يدرس التشريح بأشكاله المعروفة, ومن هنا تأتي أهمية النحت. وكثيرا من اللوحات التشكيلية أخذت مصدرها من التماثيل. لا يمكني أن أقول أن الفنان الماهر علي الصهبي أقل أهمية من الأسماء السابقة, أم كان متأثر في الفن الغربي في استعماله التلوين أم التعبير, كيف أقول هذا وهو ابن الحضارة الأولى التي أنجبت شعراء النحت في أيام مصر القديمة, وكيف أتغاضى عن حضارة الفراعنة التي لم تعرف الأرض لها مثيلا. فمنذ تلك السنين والنحات المصري أعطى الجمال في كل منتوجاته الفنية, وكتب آيات الفن في التعبير النحتي, وأيضاً كان يستعمل التلوين غير المباشر, بل استعمله عن طريق المواد الملونة. منها الصخور المختلفة الألوان, منها الأخشاب التي تعطي ألواناً مختلفة, وأيضا لون المعادن المختلفة. عرف الغرب أن زعماء النحت هم من مصر, وقال ناحتين الغرب أيضا. إن الصخور كانت تخضع لدى النحات المصري, وقيل أنها سر الأسرار, وكأن الصخور كانت من طين في أيادي النحات المصري. وكثيرا من فنانين النحت العالمي تأثروا في الطرق المصرية.. الحقيقة لم تسجد الصخور للنحت في مصر, ولم تخضع المواد عبادة للنحات المصري, بل إنها هبة إلهية أعطاها الخالق لأفراد هذا الشعب العريق, معاشرة النحت لم تكون عملية سهلة في الماضي وفي الحاضر بل إنها عملية صعبة جدا, وأي إنسان مارس الفن ويعرف عنه شيئا يعرف أن النحت شيء صعب.
النحات علي الصهبي لم يأت في التلوين ليجعله مزاراً للعبادة, بل ليجعل منه مذهب التعبيرية الجديدة. نعم نراه يستعمل النحت الملون في أجمل وجه. ولو أن هناك من سبقه في استعمال اللون . فمنذ عهد الكلاسيكية الجديدة رأينا اعتناء خاص في لون مادة النحت. المرمر الأبيض الناصع كان له إيقاع, كانت لهه فصاحة الجاذبية والأناقة, بينما تميزت الأعمال التجريدية بأن تكون ملونة. لأن اللون هو فاعل الإحساس الداخلي إضافة إلى حجم العمل والمادة التي صنع منها.
لقد شاهدنا أن الفنان جيوسيبه بانغوليني Giuseppe Pangolín كان يستعمل التلوين في أجزاء من منتجاته الحديدية. ونحاتين أول قرن العشرين في غرب أوربا من امثال ايرنيست بارلاش Ernest Barlach , والهيلم ليهيمبروك Wilhelm Lehembruch و كاثي كولويذ Kathe Kolwiz , فناين الحداثة الغربية, الذين لهم تأثير من الناحية الفكرية في التجديد.
وهناك تآلف مع الفنان برانكوسي Brancusi الذي جاء بشتى الأفكار الجديدة في مادة النحت, والتعبيرية لها اتجاه مضيء في منجزات نحاتين اسبانيا الجُدد من مثل شييدا Chellida و أوتيثا Oteiza .
أنا واثق بأن الفنان علي الصهبي يتمتع في رؤية منجزات من ذكرت سابقاً لكن إذا أردنا أن نضع له زملاء في الأفكار فاقول إنه يتآلف مع الفنان سالفادور دالي Salvador Dalí ومع نظرية الوجوه المُحطمة, والمتكسرة, وهناك تآلف مع الفنان جبران خليل جبران من الناحية الفلسفية كي يهتم المشاهد في المغزى الأول وهو التعبيرية.
الأشكال التجريدية عند الناحت علي الصهبي لها طابع عاطفي ولو كانت تجريدية الصنع, أشكال تجذب الإحساس البصري ولها لغة فنية تنطق ولو أنها صامته, نجد هذا في منجزاته: حنان, الى اللقاء, إحتواء, تفكير, الخ. أما التعبيرية فهي لغة الفنان العظمى, يستعمل الجمال المنظري لإدخال الفكرة, ويعطي للوجوه أبعاد لغوية, منها يأخذ الناظر الأشياء البديهية, وتبقى أشياء لا يقف عندها إلا المهتم في الفن, غطاء العين للمرأة هو تعبير واضح, هو تعبير ممكن أن يفهمه أكثرية المجتمع, لكن مع هذا يقول الفنان, نعم إنه مفهوم واضح لكن ما زلنا نُقيد جزء كبير من الإنسانية كي لا يرى شيئاً.
يقول إننا نفهم لكن لا نريد أن نراه, إننا نراه, لكن إننا ننظر إلى الرصيف الآخر, أي أننا لا نرى كما يجب, ويستعمل ألوان التشاؤم في أغطية العيون. نتشاءم من الشيء إن كان يخصنا, بل نستعمله حين يضر إحساس الآخرين. نحطم الوجوه وكما لا تخصنا, لكن مهما تحطمت فهي وجوه لنا. يستخدم التقنية العظمى كي لا يفقد الجمال شيئا ولو أننا أمام مشهد درامي. يستخدم الذكريات الفكرية ليصنع أشكالا تعبيرية, ويستخدم الألوان كي تكون لغة خاصة في كل مشهد. لغات الألسن الإنسانية لها حدود قصيرة, لكن لغات الفن التعبيري لا حدود لها.
وحتى الطيور التي تعبر أجواء مصر العظيمة و هي أشكال رمزية أستعملها الفنان المصري القديم, نجد أن الفنان النحات علي الصهبي يجسدها ليدخل الفكرة في ذهن البشر, طيور تعبر المسافات الهائلة وتعود الى ماضيها, إلى أماكن عاشت بها ولو سويعات, الحيوانات لا تنسى أي معروف, بينما كثير من البشر عندما تتغير أوضاعه الاجتماعية يتناسى أين كان يقيم. وفي هذا نداء تعبيري لكل من غادر وطنه ولم يعود إليه. قرن العشرين هو القرن الذي أعطى أكبر التطورات في مسيرة التاريخ, وحتى أنها تطورات عارضت مشاهد الماضي, تاريخ الإنسان منذ السنين تترأسه الأشكال الإنسانية, والحيوانية لها دور أقل تعظيما.
فن النحت الماضي فقد لمعته البصرية, وجاء قرن العشرين بأشكال موضوعية. في الأسلوب التعبيري والتجريدي وهذه حايدت مسيرة التصوير الزيتي وأحياناً كان الرسام والنحات هو واحد. كما كان بوسيوني Bccioni وآرب Arp. حتى نحاتين الكلاسيكية من مثل النحات رودين Rodin و الفنان ديغاس Digas أضافوا تجديداً في منجزاتهم.
حان الأوان أن تعتني المتاحف العربية في مواضيع الحداثة والتجديد, وكفانا أن ننظر دائماً إلى الماضي, ممكن أن يعيش الفخر في داخلنا إلى الأبد, الفخر بعطاء تاريخنا, الفخر في منجزات حضارتنا القديمة, لكن ماذا هو عن حاضرنا وعن مستقبلنا ؟.
متحف اللوفر يحتفظ من الفن المصري بآلاف من القطع, لكن لم ينس فناني القرون الوسطى ولا فناني القرن العشرين, بينما نشاهد أن المتاحف العربية خالية من الفن الحديث . مهما كانت أهمية الماضي لن تغطي أهمية المستقبل؟ الثمار إن يفوت قطفها لا تنفع المجتمع, وثمار بلادنا أصبحت ناضجة وتستحق أن تنال نفس العناية كي يبقى التاريخ متواصل.
متى سنشاهد لكل اتجاه فني متحف خاص في كل مدينة.
ومتى سنعترف في أنبيائنا قبل الهجرة؟
الفنان والناقد التشكيلي:
عبد القادر الخليل
abdulkaderalkhalil@gmail.com