
قراءة نقدية للوحة رجل وكرسي للفنان محمد ظاظا بقلم الفنان بشار برازي
- يونيو 2, 2011
- 0
الفنان بشار برازي يقدم لنا قراءة نقدية تحليلية للوحة “رجل وكرسي، للفنان محمد ظاظا: هل قرر الفنان مسبقا ما يريد رسمه و فكر بشكل كلي وكانت معركته محسومة مسبقا لصالحه ..أم مشى خلف تداعيات ما يرسمه وكان دوره إيجاد حلول بصريه لمقاومات السطح.
الفنان النحات بشار برازي يقدم لنا قراءة نقدية تحليلية للوحة "رجل وكرسي، للفنان محمد ظاظا.
كان معرض الفنان محمد ظاظا يوم الأحد 15/5/2011 في صالة دار كلمات التي ضم موسمها التشكيلي مجموعة من الفنانين الشباب اللذين يسيرون بخطى واثقة على طريق الفن التشكيلي بتجاربهم الواعية والجريئة داعيا لتسليط الضوء عليهم ثقافيا وإعلاميا وماليا وعلى أمثالهم من الشباب المجتهدين اذكر منهم على سبيل المثال الفنان سمير الصفدي وعلاء حسون ومحمد ظاظا الذي يفتتح معرضه الفردي الخامس في صالة كلمات.
وحتى لا أدخل بمتاهات المديح والإعجاب والتمنيات بالتوفيق للفنان ظاظا قمت باختيار لوحه واحده فقط من ضمن أعمال معرضه والتي تتطابق بطريقه التفكير التشكيلي وتقنياته مشكله بذلك طريقه ظاظا الفنية في طرح نتاجه
سأقرئها تشكيليا كرسالة بصريه تضم أدوات تسميتها ودلاليا كمجموعه رموز تهدف لإيصال رسالة معرفيه ثقافيه وذلك حسب معرفتي الشخصية مما قرأت وشاهدت وسمعت راجيا انتقادي إذا ما وقعت في مطب السفسطة وابتعدت عن المنهج العام لدراسة الإبداع الذي يحدد بشكل تقريبي هل هذه التجربة مقبولة .. تراوح مكانها تتراجع ..جديدة ..مبدعه ..
أخذت لوحة /لعبه الكراسي / وقد اسماها الفنان ظاظا رجل وكرسي والتي تتألف تشكيليا من كتله رئيسيه تقع في منتصف اللوحة تماما تشكل مستطيلا نزع منه قصدا الجزء الأسفل اليميني وهي كتله الشخص .. تحاول الكتلة رغم ضخامة حجمها الاستقرار كحالة بصرية على الأقل لكن نزع الجزء المذكور يجعلها غير متوازنة وقلقه كثقل مهم في صدر الخلفية مما يعكس هذا القلق على الشخص ذاته ومحاولته اليائسة للتوازن بالاستناد إلى شيء وهمي ..أما خطوط الشكل الرئيسي فهي قاسيه مختنقة مغلقه على الداخل والخارج مما يزيدها عزله عن محيطها بشكل كامل و يزيد في ثقلها. أما الخطوط داخل الجسم فهي تأكيد من الفنان بأنه يمتلك خطا رشيقا رائعا وقد تخلى عنه قصدا في إطار الجسم واستخدمه في الكرسي للدلالة. أما بقعه الضوء الموجودة بين اليدين بجانب الرأس فهو رد تشكيلي على إضاءة الفراغ في الكرسي وليس للتخفيف من ثقل الكتلة /الشخص/.
إن رشاقة خطوط الكرسي ولونه الأصفر البرتقالي يجعله مركز جذب بصري شديد ورغم صغر حجمه يبدو كقيمه مقاومه كبيره للأسود ودرجات الرمادي ويظهر انعكاس هذه المقاومة على وجه الرجل
رغم صرامة التكوين وجموده عند النظرة الكلية الأولى، لكن القليل من التمعن في اللوحة يكشف عن حركه داخليه عنيفة لكل من العنصرين البطلين. صراعهما الشديد /ليس حواراً/ وذلك بمحاوله البرتقالي تأكيد نفسه واستقلاليته بالهروب والانسحاب الكلي تقريبا من ضغط الأسود والرماديات وقد أكدت /أللطشه / الصفراء على كم الرجل بداية انتشاره وفرض وزنه بصريا
الكتلتان الرئيسيتان معا تخلان بتوازن العمل العام نتيجة شد واضح نحو الشمال العلوي. فكان الحل إنزال طرف الكرسي مع مجموعه تدرج الرماديات في أسفل ويمين اللوحة لتخفيف التوتر البصري وإحلال التوازن مكان القلق في التشكيل مع المحافظة عليه /القلق/ دلاليا.
تبدو الخلفية حياديه تحاول التدخل مع ممانعة لها من الفنان كي لا تؤثر وتشوش على الحركة الانفعالية للمشهد العام..
اللون البنفسجي يبدو غريبا كظل للأبطال لكنه أضفى نوعا من الراحة النفسية للمتلقي بكونه يمثل ظلا متساويا لبطلين مختلفين في الحجم وهذا يخدم تشكيليا ودلاليا كبنفسجي متحرر متفاءل أمام أحمر متخثر ورغم / التشاكل مع بعض الفنانين مثل ايغون شيلي، فرنسيس بيكون، سعد يكن؛ سابقا، والتشاكل هو مفهوم تشابه العمليات السيكولوجيه وطريقة إدراك الحلول وليس التشابه بمعنى النسخ أو التأثر البصري الشديد فإن الفنان ظاظا قد رسخ في الأذهان مفاهيمه ومشاريعه عبر أعمال تشكيليه جديرة بتسميتها لوحه فنيه .. لونا وخطا ومقولة فكرية ناضجة.
_ المكان مرسم الفنان ظاظا وسطح لوحته .. الزمان أُفق مفتوح من امتداد الذاكرة. والزمان نزق الفنان وحلمه وتعبه الممتع بعد انتصاره على فراغ أبيض في اللحظات القادمة ..
بغض النظر عن طريقة تطور اللوحة ..ما هي العمليات الانفعالية والردود الإدراكية والمشاكل البصرية كخط ولون وكتله والحلول الإبداعية لإحضار الغائب إلى الوجود.
هل قرر الفنان مسبقا ما يريد رسمه و فكر بشكل كلي وكانت معركته محسومة مسبقا لصالحه ..أم مشى خلف تداعيات ما يرسمه وكان دوره إيجاد حلول بصريه لمقاومات السطح.
أم هي هدنه مؤقتة بين سطح أبيض وفنان يريد بمحبة إحضاره من عالم النسيان وتسجيله في عالم الحضور. أسئلة تحتاج لمناقشة.
لقد وصل ظاظا؛ وهذا رأي قابل للنقاش، إلى حلول ذكية ومبدعة في حل كافة المشاكل التشكيلية مصدراً لنا عملا متوازناً هادئاً بعنف من خلال ما يملكه من سيطرة كاملة على الخط واللون والتشكيل وذلك نتيجة ليس فقط الموهبة الواضحة بل كذلك نتيجة الهاجس الحقيقي الذي يجعله يمارس الرسم بشكل يومي ولمدة طويلة هذا ما خلق له صدفا متكررة.. ومجموعة الصدف دائما تعطي ضرورة.. وهذا ما تؤكده أغلب النظريات الإبداعية وأغلب أعلام الفن التشكيلي. فالإبداع لا يأتي من الخواء والأفكار الكبيرة تحتاج للاستعداد الواعي المسبق.
يقول المفكر ارنهيم < الفن ينمو وينفذ معتمدا على القوه المنظمة لمخ الفنان وكفاءة أدواته >
رغم ضخامة الرجل كفعل مهيمن مقابل الكرسي لكنه في نفس الوقت يظهر خاويا يقبض على الفراغ مهزوما أمام الفعل الحركي للخطوط واللون المضاء للكرسي ..يحاول الرجل الاتكاء على أحد الكراسي الهاربة إلى الزاوية الأخرى. ماذا لو وضع الفنان طاولة في الفراغ الذي تحت اليدين هل تصبح هناك قراءة جديدة لعلاقة جديدة بوصف الطاولة دلالة للعمل أو الثقافة.
محاولة الفنان وضع إضاءة على رأس الرجل ربما من باب الموروث الأخلاقي لكنه يكتشف مقوله إن أكرمت اللئيم .. الهيمنة الفارغة المملة للرجل تبدو واضحة وقد أظهرها الفنان ببراعة مؤكدا على قلقه النفسي وقلقه كوزن وفقدان سيطرته على الكرسي التي بدأت تقاوم لتأكيد الذات وهروب الجزء الأكبر منها من الضغط إلى الجانب المعاكس لطرف الكرسي الآخر ربما بعد الخلاص سيشكل الكرسيان حوارا هادئا والظل البنفسجي يؤكد هذه الحالة. فهو متساو كسطح وحجم وقوه بين الكتلتين مؤكدا على البعد الذاتي للشخصيات مبتعدا عن حاله الكاريكاتير التي استخدمها بعض الفنانين بحيث يكون الظل المباشر لشخص ما هو بعده الثقافي والأخلاقي. أما حيادية الخلفية يدل بها الفنان على السلبية في مواجهة القرار الذاتي والجانب الأنيق لخلفيه المشهد العنيف هو تزييف للحقيقة وشهادة زور لإخفائها.
إن الفنان قد عكس حالة غريبة وجديدة لإحساس الجماد تحت وطأه جماد الحس للحي….. أتساءل عن كسر اليد التي بدت بمفاصل ثلاث .. ربما هي تعبير لحالة شلل أو إدانه لما هو مرتب وجاهز أم جاءت نتاج إحدى الوثبات في مرحله التركيز الشديد وتناسبت مع إحساس الفنان ورؤيته.
… من الناحية الدلالية ..تأخذ اللوحة عدة طبقات وتفسيرات ابتعدت عن الحالة الإشارية لتدخل عمق الرمز المقروء كحالة وعكسها وهذا سر روعتها.
إن اللوحة حالة اجتماعية إنسانية يعيشها الكثيرون بمحيطهم القريب والبعيد. إنها صرخة في الوجدان فهل من يسمع!؟
الفن ليس نسخا لأشياء بل إبداعا لها. وقد أكد الفنان ظاظا هذه المقولة إلى حد كبير محاولا البحث خلف السطح الظاهري للأشياء من أجل تكوين إشكال جديدة تدخل قاموس الفن التشكيلي والذاكرة البصرية للإنسانية.
هل هذا أنا أم الآخر. اكتفي بقراءتي وتفسيري وأترك المجال لقراءات أخرى.
بشار برازي نحات
لرؤية معرض الفنان محمد ظاظا