قصة بقلم من حوّار لشادي نصير
- فبراير 17, 2013
- 0
قصة “بقلم من حوّار” للكاتب شادي نصير: أحاوره كما لو كان ذاكرة حية في بيتي، لوناً أرسم معه تفاصيل عملٍ على قماش لوحتي
قصة "بقلم من حوّار"
للكاتب شادي نصير
أحاوره كما لو كان ذاكرة حية في بيتي، لوناً أرسم معه تفاصيل عملٍ على قماش لوحتي، أسير في صالون منزلي الصغير، نحو زاوية تحتضن كرسي خمري اللون يقبع قربها مصباح قديم متهالك، أجلس على الكرسي وأضرب بقدمي الأرض ليهتز، أنظر أمامي وأطالعه من جديد، ابتسم له وأثرثر…
يجيد فن الإصغاء، يستمع لثرثراتي المتلاحقة دون كللً، وبكل هدوء أغير من تعابير وجهه، من ابتسامته، من دموعه.
ألعب معه وهو الكهل، أحرك أطرافه، أصابع يديه، قدميه، ومن ثم أعدل من طريقة وقوفه أمامي… لكن هذا اليوم كما لم يكن سابقاً أُجلسه كما يحب الجلوس، سأحتفل بعيد زواجنا مجدَّدَاً، أريده أن يمتشق الحرية دون إذن مني، دون تدخل في شؤونه، وأريده أكثر إرتياحاً أثناء انصاته إلى أخباري.
انتبه لصوت قادم من المطبخ، أترك ساقه، أغمز له وأرفع يدي نحو فخذه، أخاف أن أمحي بعض تفاصيل ذكرياتي معها، أنتبه لنظراته أتذكر المطبخ، أغمز له مجدداً وأغيب في موجة من الضحك وأتجه نحو مصدر الصوت.
أعود حاملة بيدي فنجاناً من القهوة وآخر فارغاً إلا من حبي، أعطيه فنجان الحب، وأستمع لصوت ارتطامه بالأرض، تبدو لي نغمة جديدة…. أجول بنظري حوله، أحصي عدد الفناجين وأتوقف عن العد، لا أستطيع حصرها عداً فقد تجاوزت على ما يبدو أيام العمر بكثير.
أسحب جسدي خلالها، أعود إلى وضعي السابق، إلى تأمله وأطلب البدء في المحادثة.
يومىء لي برأسه وأثرثر….
يقطع ثرثرتي صوت رنين الهاتف، أمد يدي على امتدادها وأعانق غباراً كثيفاً أتحسس السماعة من جديد وأترك ليدي الاهتزاز على نغمات الرنين أسحبها مجدداً وأهمس له وهو المنصت دائماً
ـ ليس لك خيار آخر… ستحيطك ثرثرتي دوماً
تتلاقى أعيننا، أرى بهتانا في عينيه، ذبولاً للونهما، أرفع يدي نحوهما… أمسح عليهما بلون جديد فتغرق زرقة المحيط في بريقهما, أشد على صدره بضربات قوية فيكتسي معطفه بإخضرار شوقي لغابات الصنوبر والشوح، أمد يدي إلى شعر رأسه فيعرش ياسميناً أبيض فوق خصلاته أنهض وجسدي يحس بخدر الركوع أرضاً، أعود إلى مجلسي مجدداً أخبره بأن الوقت الذي رسمنا معاً قد دنا وأن لا مفر من الغياب، أخبره عن تفاصيل لم أكن لأبوح بها من قبل.
أراه كعادته نوراً، يمد يده إليَّ بحركة سريالية… أحس بحرارة في جسدي، أنتفض ذعراً، أُسقط المصباح من حركتي ليخبو ضوءه، أغمض عيني… لا يزال دفء يده يسري في جسدي, أنظر الى الحائط أراه على حقيقته رسماً على الجدار تفننته بتفاصيله بقلمٍ من حوّار.