وكانت الأمسية مساء الخميس 3-5-2012 في مقهى أثر الفراشة، حيث ألقى الكاتب خالد الحريري بعضاً من كتاباته خصنّا بقصته مال حلال والتي كان قد حاز فيها على الجائزة الثانية في مهرجان القصة القصيرة في عام 2011.

وكانت الأمسية مساء الخميس 3-5-2012 في مقهى أثر الفراشة، حيث ألقى الكاتب خالد الحريري بعضاً من كتاباته خصنّا بقصته مال حلال والتي كان قد حاز فيها على الجائزة الثانية في مهرجان القصة القصيرة في عام 2011.

مال حلال

بقلم خالد الحريري

استدعى الحاج عبد الغني العامل الذي قطع إصبعين من يده بالمنشار الكهربائي الأسبوع الماضي ، استرخى وراء طاولة مكتبه الضخمة وهو يعبث بمسبحته العاجية بين أصابعه الممتلئة فوق كرشه الضخم ، تأمل الطفل النحيل الأسمر ذو الثلاثة عشر عاماً وهو يدخل بثيابه الرثة ليقف أمامه مطرقاً وقد تدلتْ على صدره يده الملفوفة بالشاش الأبيض الوسخ الملطخ بالبقع وسأله :

ـ كيف حالك اليوم يا عمر ؟

أجاب الصبي بصوت خافت :

ـ أحسن لكنها مازالت تؤلمني يا معلمي و…

قاطعه الحاج قائلاً :

ـ بسيطة بسيطة كلها يومين ويزول الألم إن شاء الله .. إحمد الله أنا أرسلناك إلى أبو عبدو الممرض بسرعة !.. هل تأخذ الدواء الذي اشتريناه لك ؟

ـ نعم يا معلمي لكن ..

فقاطعه المعلم مرة أخرى :

ـ الله يسامحك سببت لنا مشكلة .. أرعبت العمال وأعقت عمل الورشة أكثر من ساعتين .. من الذي سمح لك بالشغل على المنشار الكبير ؟

ـ أنت يا معلمي ! .. وقلت لي تعلم بسرعة حتى أزيد لك أجرك ؟..

ـ لكني ما قلت لك أن تقص أصابعك ! على كل حال الحمد لله أنك خسرت أصبعين فقط ! كان من الممكن أن تخسر أصابعك كلها ! أنت يا بني لا تصلح للأعمال الخطرة وعليك أن تبحث عن عمل آخر!
نظر الصبي مذهولاً إلى المعلم وقال متلعثماَ :

ـ لكن يا معلم …

قاطعه الحاج :

ـ ما بدها لكن .. هذا لمصلحتك أنت .. منذ متى وأنت تعمل هنا ؟

قالها وهو يفتح دفتراً بين يديه عندما أجاب الصبي بصوت خافت :

ـ منذ شهرين وعشرة أيام

نظر المعلم بدفتره ثم قال :

ـ عندي مسجل منذ شهرين وأسبوع فقط .. سجلتها بيدي .. انظر

ومد الدفتر بحركة مسرحية إلى الصبي الذي يبعد عنه أكثر من ثلاثة أمتار ، ثم تابع قائلاً وهو ينظر إلى الدفتر :

ـ وبما أنك غبت الأسبوع الماضي بعد الحادث يبقى شهرين فقط

ثم رفع رأسه وسأل الصبي :

ـ وكم حددتُ لك أجرك الأسبوعي يومها ؟

ـ خمسمئة ليرة يا معلمي

ـ بل أربعمئة.. انظر سجلتها بيدي ..أنا لا أعطي أمثالك من المبتدئين الصغار أكثر من ذلك .. يعني …. ثلاثة آلاف ومئتا ليرة في الشهرين ، نحسم منها أربعمئة أجر أسبوعك الأول لأنك لم تشتغل فيه شيئاً .. كنت تراقب فقط !

قاطع الصبي المعلم بصوت خافت وقد احمر وجهه :

ـ لكنك أنت من قلت لي أن أراقب لأتعلم !!

ـ أنا يا بني أريدك أن تأكل لقمتك بالحلال ! هل ترضى أن تأخذ أجراً دون عمل مقابل ذلك ؟ طبعاً هذا حرام وأنت لا ترضى أن تأكل مالاً حراماً !.. ثم هناك ثلاثة أيام كنت فيها مريضاً لم تعمل شيئاً .. يعني نصف أسبوع وأجره مئتا ليرة .. وهناك نصلُ المنشار الذي كسرته وثمنه ثمانمئة ليرة .. ويجب ألا تنسى اللوح الخشبي الذي أخطأت في نشره يوم قطعت أصابعك وثمنه ألف ليرة .. هذا إذا لم نحسب كلفة نقله من حمولة وشحن وهو مبلغ ليس بالقليل .. لكني سأتسامح معك .. ومن جهة أخرى والحق يقال أن اللوح لم يعطل تماماً بل يمكن الاستفادة من بقيته .. لذا سأعتبر أن الضرر كان لنصف اللوح فقط .. فأنا لا أحب أكل المال الذي فيه شبهة من حرام .. فتكون قيمة نصف اللوح خمسمئة ليرة .. كما يجب أن نخصم المئة ليرة التي اقترضتها من المحاسب يوم عاشوراء ، ثم المئتي ليرة بقية الخمسمئة التي أعطيتك إياها يوم أرسلتك لتجلب لي بعض الفواكه والخضر والخبز من السوق والتي غبت نصف يوم حتى جلبتها !

قاطعه الصبي وقد امتقع لونه :

ـ لكن يا معلم كان ثمنها أربعمئة وخمس وسبعون ليرة وأعطيتك يومها ورقة حساب الفواكه وكانت ثلاثمئة أما الخضار والخبز فلم يكن فيها ورقة حساب ؟

قال المعلم بحدة :

ـ أنا سجلتها بيدي ثلاثمئة ليرة وهذا يعني ثلاثمئة فقط .. وهكذا يكون مجموع الحسميات ألفان ومئتا ليرة فيبقى لك من أجرك ألف.. وبما أني أعطيتك خمسمئة في نهاية كل شهر .. إذاً لا يبقي لك في ذمتي شيء ويكون حقك قد وصلك كاملاًَ دون أي نقص !!

رفع المعلم عبد الغني رأسه من الدفتر باتجاه الصبي الذي كان يبحلق فيه بوجهه فاغر الفم وعندما أنهى المعلم كلامه أطرق هنيهة ثم رفع رأسه وقال :

ـ أرجوك يا معلم أن تكتب لي هذا الحساب على ورقة

صرخ المعلم عبد الغني وقد احمر وجهه وثخنت رقبته من الغضب :

ـ أتخّوِنني يا ابن الكلب

قال الصبي متلعثماً :

ـ لا يا معلم حاشاك . . لكن حتى لا تضربني أمي إذا عدت إلى البيت خالي الوفاض 15/3/2010

خالد الحريري