قصص عبد الكريم المقداد الشارقة
- مارس 6, 2015
- 0
قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا
الكاتب عبد الكريم المقداد
دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية
الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21-22 /2015/2)
قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا
الكاتب عبد الكريم المقداد
دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية
الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21-22 /2015/2)
الكاتب عبد الكريم المقداد ـ سوريا
عتاب
عَلتْ أصواتُ المنبهات، وفاحتْ رائحة احتكاك الدواليب بالأسفلت.
حاصرتها السيارات القادمة من الاتجاهين.
أمها فشلت، وهي تراها تعبر الطريق لاحقة بلعبتها المطاطية الساقطة، في إسناد طولها، فهوتْ على الرصيف، وماعاد يصرخ فيها إلا العينان.
أمسكتْ الطفلةُ بلعبتها، وراحت تؤنبها، على مسمع كل من أخرج رأسه من نوافذ السيارات لاستطلاع الموقف:
– خمسون مرة قلت لك لا تعبري الطريق.. ألا تخافين؟!
سكود!
على غير عادته، مرّ أمامنا مسرعا، دون حتى أن يلقي السلام، فاندفعتُ خلفه:
• وين يا خال .. ما لك طاير؟
– على "القطيفة" يا خال. أريد أن ألحق السكود.
• سكود شو يا خال؟
– يقولون أنه يوصلك لحلب بدقيقة يا خال، فما لنا ولمرمطة الباصات.
• ويوصّل لتركيا يا خال؟
– بدقيقتين يضعك على الحدود يا خال.
• يخرب بيتك.. وقّف خذني معك.
نباح !
أناخ عليه الإرهاق، ولم يمهله حتى انتهاء العمل، والوصول إلى مسكنه.
راق له ظل شجرة إلى جانب إحدى العمارات، فنوى استراق قيلولة تخلّصه من قسط ولو يسير من التعب.
سحبه الحلم سريعا إلى أجواء سوريا ما قبل اللجوء،
لكن ما يشبه النباح كان يخالط حلمه، فيفسد عليه المتعة.
علا، وتكرر، فأجبره على التماس الواقع.
التفتَ إلى حيث الصوت في الطابق الثالث، فرأى على الشرفة كلبا صغيرا ناصع البياض، كأنه خرج لتوّه من الحمّام.
نظر إليه مليا، وناجاه متسائلا: بربك.. مَن يُفترض به أن ينبح على الآخر؟!
أصول !
" – لم يفلح في المدرسة .. آمنّا، لكن ألّا يفلح في العمل أيضا مصيبة !
– بسيطة يا جار، محمود ما زال مراهقا، غدا يكبر ويجد نفسه ."
تذكرتُ ذلك حين فاجأني على الحاجز في طريق العودة:
– أهلا جار .. هويتك؟
– معقول يا محمود، ألم تعرفني!
– طبعا جار، لكن الأصول أصول، فما بعد الثورة ليس كما قبلها.
بين القمة والقاع
في منتصف الدرج.
كنت نازلا، وكان صاعدا.
أبطأتُ من حركة عكازي حين صادفته، ولاحظتُ أنه فعل الشيء ذاته.
نظر كل منا في عينيّ الآخر للحظات، ثم استأنفتُ ، واستأنف.
كنتُ كلما التفتُّ إليه ، كل بضع خطوات، أضبطه يلتفت إليّ.
تكررتْ الالتفاتات، وتكرر المشهد ذاته.
حين اقتربتُ من أسفل الدرج، قدح اسمه في رأسي، فاستدرتُ وعكازي صائحا:
– تيسيييييييييير!
جاوبني من قمة الدرج:
– محمووووود!
عدتُ، وعاد، حتى التقينا في المنتصف مجددا. تعانقنا طويلا.
سألته بعدها: ما قصة عكازك؟!
– رصاصة تذكارية أهدتني إياها جماعة "النظام" خلال إحدى المظاهرات، وأنت؟
عقد سؤاله لساني. كيف سأقول له أنني كنت من تلك الجماعة، وربما أكون مَن …!
عدالة
ولّعت !
كعادته، استل أبو ساطور "شنتيانته"، وراح يرسل سُمّها نحو الضحية.
تتلوى في الهواء كالأفعى الرقطاء، فيفشل حمدان في اتقاء شرها.
لدغته في يده اليمنى، وفي فخذه الأيمن، ثم تطاولت لتطال رقبته، فخرّ كالخروف الذبيح!
لم يكن في المشهد ما هو مختلف عن سابقيه إلا الضحية، فحمدان ابن المختار،
والمختار أبرز، وأعلى بدرجات من "أبو ساطور" في شلة "البلع والتبليع".
التهبتْ المنطقة بالاجتماعات، وتدحرجت القضية حتى وصلت إلى أعلى المستويات.
القيادات العليا اجتمعت، وأصدرت حكمها: تجريد أبو ساطور من " الشنتيانة"، أو إحراق بيته بكل ما فيه.
بكل رحابة صدر، أذعن أبو ساطور، فسلمها للوفد العرمرمي، الذي أبرزها بزهو أمام عدسات المصورين.
النووي وصل !
ما أن توسط طمبر "أبو عجاج" الساحة حتى انهال عليه الناس.
"الكيمياوي وصل.. الكيمياوي وصل".
– بكم السارين؟ بكم الخردل؟ بكم الكلورين… الـ " في أكس"
– بالدور يا شباب. كل واحد سيأخذ طلبه.
– وهل معك نابالم ؟
– لا أتعامل به. سوقه واقفة هذه الأيام، لكن لِمَ تريده؟!
– أحب أن أرى جلد أحدهم ينسلخ عن عظمه.
ما كادت حمى البيع والشراء تتصاعد أكثر، حتى همدت فجأة!
لاحظ أبو عجاج ابتعاد الكثيرين عن الطمبر دون شراء:
– ما القصة يا شباب؟!
– ألم ترى سيارة عزام في ساحة المسجد؟
– شو يعني؟
– يعني أن النووي وصل يا حبيبي.
– ها ..النووي خطير كثيرا يا جماعة. بطّل يعجبكم الكيمياوي!
– مادامت ظهورنا مشدودة ببوتين ولافروف ما في مشكلة.
النووي أخو الكيمياوي وابن عم السكود، وكله يتبخر
في روسيا!!
وعكة !
– وعكة! الله يبشّرك بالخير يا دكتور.
سألته أم العيال، بعد خروج الطبيب: ها .. بشّر.
– الحمد لله. الدنيا ستضحك لنا يا أم نايف.
– كيف؟
– ابننا سيصير شغلة كبيرة ..كبيـيييييرة.
دخل إلى المضافة، ولم يمهلها أن تمطره بالأسئلة.
– خير يا "بو نايف"؟
– لن تصدقوا يا جماعة. طلعت وعكة.. وعكة يا جماعة!
– يعني مرض يخوّف يا "بو نايف" لا سمح الله؟
– يعني خير يا غشيم. يعني أن الولد سيصير شغلة كبيرة.
– والله ما فهمت يارجل. شو علاقة هذا بهذا؟!
– طيّب. ألا تسمعهم في الأخبار يقولون: الرئيس الفلاني أصيب بوعكة صحية. الوزير العلاني أصيب بوعكة؟
– بلى.. أسمع.
– وهل سمعت طوال عمرك أن أحدا من الناس العاديين مثلنا أصيب بوعكة؟
– لا.
– ها .. افهمها يا فهيم.
مشية البطة
قرفصَ، وراح يمشي مشية البطة بتثاقل، ويلوّح بيديه!
ليته اكتفى بذلك، بل راح يوقوق مثلها: واق.. واق. وااااق!
عجيب! أين ذهبت جديته، ورزانته، ومقته لكل مظاهر الميوعة؟!
قضيت أكثر من عشر سنوات كسائق في الوزارة لم أر منه خلالها غير الجدية، والاتزان، والأناقة و .. فما الذي أصابه؟!
أوصلته إلى موقف بيت ابنته. فتحتُ له الباب الخلفي للسيارة.
نزل، ثم قرفص، وصار بطة!
لم يمهلني لأستوعب ما يجري، بل أمرني بالمغادرة إلى حين يستدعيني مجددا.
مشيت خطوات عديدة، قبل أن ألتفت خلفي، وأراه وقد فتح ذراعيه على اتساعهما، ليحتضن طفلا أقبل عليه بخطوات أشبه ما تكون بالحبو!
سَدّ بوز !
فوجئوا بعد أن فتحوا رأسه:
– لا بنات ولا أولاد!
حين سأله المحقق:
– من أين تأتي بهذا العلاك؟!
أجاب: من بنات أفكاري.
– يخرب بيتك! ملفك يقول أنك غير متزوج، فمن أين لك بالبنات؟!
– بنات الأفكار من الرأس، لا من الزواج.
– سدّ بوزك.
نادى على عناصره. كلفهم بالبحث عن البنات في سكنه.
ساعة، أو أقل، وجاؤوه بالخبر اليقين:
– لا بنات ولا أولاد سيدي.
جُن. أراد القبض عليهن بأية وسيلة. أمر بفتح رأسه، فصعقته النتيجة:
– لا بنات ولا أولاد سيدي.
– ها !
– كلمات، وحروف، والكثير من إشارات الاستفهام سيدي.
– أفرغوا رأسه من كل إشارات الإستفهام، وهاتوه.
عندما أحضروه، فوجئ به وقد بدا كالحمل الوديع:
– أهلا أبو البنات.
– أية بنات سيدي؟!
– بنات الأفكار يا شاطر.
– لم أفهم سيدي!
– وماذا ستكتب في الجرائد إذن؟!
– أفكار، جرائد .. ما علاقتي سيدي؟!