قصص مايا عبّارة الشارقة
- فبراير 20, 2015
- 0
قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصير
الكاتبة مايا عزالدين عبّارة
دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية
الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21 /2/2015 )
قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا
الكاتبة مايا عزالدين عبّارة
دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية
الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21 /2/2015 )
1- مقابلة شفّافة !
لم يتخدّر الجريح برائحة عطرها التي عبقت في المكان، و لا انشغل بأصابعها المرصّعة بالألماس و هي تدير عليه الميكرفون، و لا افتتن بالتصاقها به لتسجّل آخر كلماته. و لم تكترث الجريحة لوسامة المذيع الأنيق و رقّته.. هل لامست ساعته الفاخرة ملابسها الممزّقة ! هل ربّت على كتفها! لا تعلم و لا يهمها الأمر.. لم يتركوا وقتا ليرتّب الجريح و الجريحة نفسيهما و هندامهما و ذلك حفاظا على مصداقية المقابلة. ولم يُسمح لهما بالابتسام للكاميرا تقديرا لوضعهما. لم يحدث شيء من هذا. و كتقدير لظرفهما الراهن و حالتهما السيئة لم يُسألوا عن الأغنية التي يرغبان بسماعها أو لمن سيهديانها .. عُرِض التقرير كاملا و بشفافية نادرة. لم يحذفوا شيئا منه سوى البصقة الوردية التي اعتلت شعر المذيعة و البصقة الحمراء التي التصقت بساعة المذيع.
2- موعد الغالية
هاهي تقترب من البيوت . تحمل في داخلها النارَ و الدمار و في شكلها الرعبَ. ترتجف الأرض تحت زحف جنازيرها و يهزّ صوتها الجدران و الأثاث. دخلتْ شارعنا بصوت مزلّزل. لا بد أنها تدهس السيارات ثم ترميها أو تجرّها جراً عنيفاً مدويا. أفتح عيني .. أنهض من سريري.. أحاول أن أقول إنه حلم ، لكن الصوت الذي أيقظني لا يزال موجودا. و ها هي لا زالت تحثّ الموت حولنا. أين سأخبئ أولادي . من أين باب أو سطح سنهرب؟ يجب أن أعرف من أيّ جهة ستأتي لنتوارى عنها ، لكني أكره أن أرى شكلها القبيح و القاسي و المرعب. أحاولُ أن أبرر متى و كيف حصل كل هذا! أنظرُ في الساعة ، الثانية عشرة و النصف بعد منتصف الليل. أومئ بالاقتناع و بتسليم الأمر لله. أقترب من الستارة .. أبتعد.. أقترب مجددا . أخشى أن تراني مع أني متيقنة أنها سواء رأت أم لم ترَ ستدمّر كل شيء. أحشرُ رأسي بين طرفي الستارة إنها هي….. ليست…..بل ياااااه سيارة نقل القمامة. كيف نسيت الموعد المقدّس لهذه الغالية !
3- قنص رحيم
عندما اصطادني القنّاص لم أجد خلفي جدارا اتكئ عليه.. فلقد هُدمت جميعها، .و لهذا سقطت في القاع بحركة بهلوانية واسعة الطيف . كم كانت اللقطة درامية ! وددت لو كنتُ بعيدا بعض الشيء لأشاهد سقوطي الأخير و لأكتب عن المشهد بحياد مطلق. ليتني كنت أمتلك كاميرا بأشعة تحت الحمراء ..فوق البنفسجية ..داخل الصفراء أو خارج الزرقاء لأصوّر لحظة صعود روحي كالحمامة البيضاء . لو كان (موبايلي) بين يدي لالتقطت (سيلفي) رائع لنفسي ، إلا أن جندي الحاجز صادره مني قبل أيام . لا بد أني كنت سأحصد الجوائز عن صورتي تلك. لكنه كان قناصا بارعا جدا بحيث لم يتركني أتهاوى برومانسية كورقة خريف و لم أطفر على مهلي في الدرب. لقد سقطت سقوطا حرا خالصا و مخلصا لجاذبية الأرض القوية دون أن يتسنى لي أن أشكر لطفه و رحمته بي و تفانيه في عمله .
4- أرجوحة
كان يشعر بتقدّمه عليهم و يعجبه طيرانه السريع . يطلق العنان لساقيه فتسابق الريح، و يشقّ صدرهُ الهواءَ الذي يواجهه. تزداد سرعته باستمرار و يرتفع عن الأرض باطّراد. أفكاره كانت تحّلق معه : لن يصل هؤلاء الحمقى البائسون إلى ما وصلتُ إليه. دائما أنا في الأمام و هم في الخلف . يقطع تفكيره و زهوه صوتُ أحدهم: هل ندفع الأرجوحة بسرعة أكبر؟ يتردّد في الرد ثم يجيب كعادته: نعم . – إذاً تمسّك جيداً يا عزيزنا.
5- كواليس
سألها ابنها باستغراب ممزوج بلهجة عتب و قليل من الغضب و هو يتصفح صور الطفولة: " لماذا أبي دائما هو الذي يصطحبنا في النزهات؟ هو الذي يحتضننا بحنان. هو الذي يشاركنا المسبح ؟ هو الذي يلعب معنا بالرمل؟ هو الذي يرفعنا عاليا و هو الذي يقطع حلوى عيد الميلاد؟ " بعتب لاذع و غضب دفين قال: " كم كنتِ بعيدة عنا! أنت لا تتواجدين في أي من تلك الصور! " غمرته بنظرة تحمل حزنا مشابها و عتبا أرق و ندما أخف.. ثم أجابت: " كنت أرجو أن أكون معكم ..لكني آثرت أن أقف دائما وراء الكاميرا ."
6- رسائلي
خيبتي بصندوق البريد الفارغ لم تدم طويلا فلقد أصبحتُ أجد الرسائل بين وقت و آخر. صحيح إنها كانت بلا طوابع أحيانا ..لكن العنوان مكتوب عليها بوضوح و اسمي أنا – المرسل إليه – مكتوب بأجمل ما يخطّ عاشق اسم حبيبته. الظرف مغلق بإحكام وأناقة و تفوح منه رائحة عطر خبرتها طويلا. الكلام في الداخل جميل و كما أشتهيه تماما. لكن الخط الذي يبدأ جميلا و ينتهي بتعب و ملل يأبى إلا أن يذكّرني بالخط الرديء الذي لا تخطه سوى أناملي المتعبة.
7- عزف مزدوج
مختنقة بالغبار المتطاير من بناء يتهاوى على مهل فوقي ، كنت أحاول التقاط أنفاسي الأخيرة .البناء شارف على الانهيار الكلي و العالم تناثر بسرعة مخيفة كأحجار الدومينو. لم أستطع ترتيب الصور التي تناثرت في مخيلتي و لا جمع شظايا المرايا التي اعتادت أن تعكس ذاكرتي و وجدي بأحبتي. غفوت و أنا أهجس بموعدنا القريب الذي خططنا له بعد مرور عشرة أعوام على لقاءنا الأخير . شعاع رقيق اخترق شقاً في أحد الجدران .هرعت نحوه كمن يهرع نحو شربة ماء في صحراء. رأيت عالما من النقاء . عشب و ماء و سماء. غزلان ترقص حول مجسم أحمر اللون. بيانو حقيقي أحمر و كبير كما تمنيته دائما.. أسرعت للعزف عليه. نقرة على الدو.. صعد الصوت فاتحا السماء ري.. حلقت أسراب الطيور مي.. تجمعت الغيوم معلنة قدوم فصل الشتاء فا .. تساقطت أوراق الشجر صول ..لا.. سي.. رقصت أصابعي بسيمفونيات من تأليفي. في الوقت الذي أفقت به و رحت أسجل حلمي على الورق كان قد أنهى روايته بهذه الكلمات: " طلقة.. تنفتح السماء عن بركان غضب. طلقة أخرى يسيل شلال الدم. آخر الطلقات ينهار البيت على أميرة لازالت في انتظاري منذ عشرة أعوام. دج .. دوم.. دو تنفجر المدينة كوردة من دهان. آسف لأني سأرحل مفاجئا إياكِ قبل أن أكمل سنوات هيامي بك كما خططت في قصتنا المشابهة للحب في زمن الكوليرا" التاريخ الذي ذيّل به كلماته الأخيرة أكّد لي تزامن عزفنا. عزفه الأخير نحو السماء و عزفي الأول البدائي على هديته التي أرسلها إلى حلمي.
8- عتب
جهّزت عدتي للعتب. سلسلة من الأحداث المؤلمة… و قدر كاف من الدموع ذرفته و أنا أقص على نفسي ما سأقصه عليه. شهادات براءة لي … شهادات إدانة له . مواقف آثرت فيها الصمت و مواقف قابل فيها امتعاضي بمزيد من الجلد لروحي. حنان مفقود توجسته فيه فلم أجده . أب حاولت اللجوء إلى يده فخانتني و كم وفيت لتلك اليد. ربيع أغرق القلوب بالورد إلا قلبي فقد كان يحشره في مكان لا تصله شمس الربيع و لا نسماته. جهّزت درجة الصوت علوا و انخفاضا .. حنوّا و قسوة .. شوقا و صدودا .. و الأهم من كل ذلك نبرة العتب الواثقة و الواعية بكل كلمة . حضّرت وجبة الطعام التي يحب و صمتاً مطبقا ينذر من طرفي ببدء العتب و يوحي له باستسلامي الذي يحلم به دائما. و هيأت الصورة الخارجية: ثوبي .. وجهي .. شعري .. عطري. جاؤوا جميعهم طائعين لمحاولة عتبي… وحده كلام العتب خذلني و لم يأت.
9- لقاء تلفزيوني
" أخيرا قدروا قيمتي و جاؤوا إلى بيتي. " قالها بفرح وتنهّد بانتصار انتظره طويلا. أخبر زوجته بالاتصال المفرح الذي جاءه من مدير البرنامج الثقافي. سألها أن ترتّب المنزل و أن تضع لمساتها السحرية في الضيافة و الترتيب. أضاف لمساته الفنية و الأدبية . رتّب مكتبته . وضع مؤلفاته على طاولة تتوسط الغرفة. أضافت ابنته باقة ورد . لبس كامل أناقته و كذلك تزينت زوجته و ابنته. غريبة كانت الأسئلة و غير متوقعة ، لكنه بحنكته و ذكائه استطاع الرد و تجاوب مع الغريب. أمضى الساعة التلفزيونية بنجاح و بقميص بلله العرق. مع كلمة "انتهينا " التي قالها مقدم البرنامج ، نهض الكاتب سعيدا منتشيا ليصافحه بحميمية لم يسبق و أن صافح أحدا بمثلها, لكن يد مقدّم البرنامج سبقت للإشارة نحو كاميرا أخرى مع قهقهة ساخرة هزّ صداها جدران البيت و تمزّقت من فجاجتها الكتب.
10-الغرفة الثانية
في الغرفة الثانية، كان مسترسلا بتصفّح الانترنت ، و غارقا في عالمه الافتراضي. ينتقل بسلاسة من خبر إلى آخر . في الغرفة الأولى كان الأطفال يسلّمون مفاتيح الصحو لملك النوم طواعية و إذعانا. في الغرفة الثالثة كانت مستغرقة في التفكير. تحاول النوم هروبا من عالمها الواقعي. تحاول قتل الأفكار المخيفة و هواجسها التي تتحقق عادة. قهقه عالية اخترقت الجدران و انغرست في أعماق قلبها كالخنجر. ليست طرفة تلك التي تودي بعقله و لا صورة مرحة تلك التي تجعله ينتشي حد القهقهة الاستفزازية. شيء مغرق بالسادية . جرح بالغ يقضي على صمودها الأخير و تمسكها بآخر خيط في الحياة. مرت الليلة، لكن الحياة لن تمر بعدها كما كانت أبدا. لقد سقطت المدينة التي لطالما أزعجه صمودها و اعتزازها بها. نام بعمق ، و شخيره علا كسيمفونيات النصر الرديء. أما هي فانحنت بشدة حتى انكسرت لكن دون أن تصدر صوتا يقلق نومه أو يفرحه بانكسارها