قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا
الكاتب محمد بن يوسف كرزون
دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية
الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21-22 /2015/2)

قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا

             الكاتب محمد بن يوسف كرزون

دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية

الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21-22 /2015/2)


محمد بن يوسف كرزون

1. لون
سأل طلابه: ما لون السماء؟
نظر بعضهم إلى بلاط الصف.. وبعضهم إلى خشب المقعد.. وبعضهم إلى لون الحقائب المتناثرة… ولم يعثروا على أيّ جواب…
ولم يخطر ببال أحدهم أن ينظر إلى النافذة العريضة الواسعة…
وحده كان يَغْرَقُ في تأملاته للسماء ويعرفُ لونها… ولكنّه لم يتمكّن من الجواب لأنّ الخجلَ كانَ يركبهُ…

2. غرق
تتهافت الطيور على نافذتي هرباً من البرد.. بحثاً عن ذرّات دفء…
أفتحُ نافذتي.. تهرب… أغلقها… تعود… أضع لها بعض الحبوب… تنتظر حتى أغلق نافذتي… أغلقها… تتهافت عليها… أفتحها… تترك الطعام وتطير…
– عجيب !!!
أقولُ لابني الذي تجاوز العاشرة بقليل..
يضحك.. ويقول:
– لقد خُدعَتْ ممّن هم قبلكَ… وهي تصارحكَ: لن نُخدَعَ من جديد…..

3. جحا !!!
تعال يا جحا واملأ مجلّدات من النوادر… في زمن القهر والقتل والتشرّد…
لقد تفوّقنا عليك في ظرفكَ وخفّة دمِكَ… صار الأخ يقتل أخاه ببلادة… لعلّه يجرّبُ فعلَ القتل هل هو سيّءٌ إلى هذا الحدّ أم لا… وبعد القتل يرى أن يعيد التجربة على أخٍ آخرَ… إذْ لَمْ يستنتج شيئاً من تجربته الأولى…
وعندما يُسألُ عمّا فعل يجيب: لستُ أنا مَنْ فعل… اسألوا الجثثَ… أو افحصوها…
وعندما يرون جزءاً من هويته قد سقط على الجثّة، يقول: هذا لستُ أنا…
جحا… هل تذكر عندما وجدْتَ شبيهَكَ ماذا قلتَ: لقد قلتَ: إذا كنتَ أنتَ أنا… فمنْ يكون الذي يمكث داخلَ ثيابي؟ حقيقةً يا جحا.. نحن تسكننا العفاريت التي لا مثيلَ لها…

4. هذا هو
سألها: إلى أين تحبّين أن نذهب هذه الليلة؟
قالت: نستأذن وندخل حديقة الحيوانات…
قال لها: ألا تخافين من العتمة في الليل وأنتِ معها؟
قالت: الحيوانات تأوي إلى نومها في الليل… ولن تؤذي أحداً… لأنها أكلت حصصها في النهار… بينما تجد حيوانات الإنس تبحث عن تخزين وجبات لمئات السنين ومع ذلك لا تكتفي…
وأخشى أن نتحوّل معاً إلى وجبةٍ لمثل هذا النوع من المخلوقات…
وفجأةً انقضّت عليهما مجموعة حيوان بشريّ… فتّشتهما… سرقت ما في حقائبهما… ثمّ سحبت كلّ واحد منهما باتجاه… وقبل أن يفترقا أشارت إلى أحد حيوانات البشر وقالت له: هذا هو…

5. محافظ
أنا محافظ… ولذلك لا أرى مانعاً من أن أفرض (محافظيتي) إن صحّ الاشتقاق اللغويّ، وأعانني علماء الصرف والتصريف واللغة الجميلة… بالأمس قالت لي زوجتي: سأطلب من البائع جلب الخبز في غيابك… صحتُ قائلاً: إيّاكِ… نبقى جَوْعى ولا يطرق بابنا رجل…
عند مروري على المخزن الكبير أراني لا أتمكّن من أخذ حاجياتي إلا بمساعدة البائعة الشابّة… إذ يبدو أنّ ذاكرتها أوسع وذوقها أجمل من بقية البائعين… ثمّ هي لا تمانع أن تشرب معي القهوة بعد التسوّق… وخصوصاً عندما تبدأ استراحتها…

6. السيد الفاضل !!!
كم مرّةٍ قلتُ لكَ اتركْ هذا… هذا ليس لعبة…
وبعصبية واضحة أمسكَ بجهاز التحكّم وألقاه أرضاً… ناثراً أحشاءه في أرجاء الغرفة…
كم مرةٍ قلتً لكَ اتركْ هذه… هذه ليست دمية…
وبنزق شديد رمى بالمزهرية إلى الأرض… فتهشّمتْ… وكسرتْ السطح الزجاجي للطاولة التي تتوسّط الغرفة..
دخلت الزوجة:
– ما هذا؟
– هذا ما فعله ابنك المشاغب…
تدخّل الطفل:
– بابا…
– اخرسْ… لولا أنتَ لما حصلَ كلّ هذا…
حاولت الأم الاعتراض… لطمها… ولطمها… ولطمها… وما زال يلطمها… ويأتي بمن يلطمها من أقربائه والجيران.. وهو يصيح في وجهها ووجه ابنها: لولا فعلتكم لكنتم وكنتُ في أحسنِ حال….. ألم تفهموا أنني وهبْتُ نفسي لهذه الأسرة ولهذا البيت؟

7. تحدٍّ…
– اشربْ..
– لن أشرب…
– إذن! كُلْ…
– أيضاً لن آكل..
– فعليكَ أنتتكلّم..
– كذلك.. لن أتكلّم..
– افتحْ عينيكَ..
– لن أفتحهما…
وبلحظات انهال عليهِ بلكمةٍ.. هوى على الأرض.. أتبعها برفساتورفسات…
– مَنْ أنتَ؟ أنا لم أعرفكَ حتّى هذه اللحظة… مع أنّكَ عندنا في الفرع منذ أكثر من شهر…
– ألم تعرف بعدُ بأنني أنا الذي اخترتموه للتعذيب ثمّ للموت؟ أنا ميّتٌ بأيديكم مع وقف التنفيذ… ولذلك أرفض كلّ شيء… لأنّ الموتَ أحبّ إليّ اليوم من أيّ شيء…

8. زهرة
تتفتّح الزهرة ببطء… تلقي تحيّتها على الفراشات والطيور.. تقف منتشيةً بقطرات نداها… تتمايل مع نسمات الهواء اللطيفة.. تنظر إلى الشمس بعطف.. وإلى الشجرة العملاقة بحنان…
يأتي الذي زرعها… يداعبها بلطف جميل.. يشمّ يديه.. يتنفّس بعمق:
– آه… ما أجملَ عبيرك!!!
انثنت في خجل… ودارت خجلها برقصة ساعدتها عليها النسائم… ثمّ استدارت نحو الشمس ترشف الدفء والنور… وهي تقول (أنا حكاية عمرها سنين وسنين… وسأبقى… أنا الرمز الذي يتحدّى الطغاة رغم ضعفي)…

9. بالباخرة
نبحرُ.. من البرّ المدمَّر إلى البرّ المجهول.. حيتان برّيّة تفترس أجزاء من أشيائنا قبل الإبحار.. وحيتان تأكل بعضاً منّا في البحر.. وحيتان زاهية تنتظرنا على برّ الأمان لتقضي على أصولنا كلّها… وننتهي إلى الذوبان في وعاء صنعوه على مقاساتهم ومزاجاتهم…

10. ميمو
ترفضُ مريم أن تسكتَ في حوارها مع جدّها.. حركة يديها تنبئ عن محاور شرس… لديه القدرة على الإقناع… يحاول إقناعها بضرورة أن تقتنع بوجهة نظره… تعيد حركات لسانها الذي يدغم عدّة أحرف… وبحركات جسمها الغضّ… وسباحة يديها في الفراغ… ولسانُ حالها يقول: يا جدّي لازم تقتنع… صحيح عمري أقل من ثلاث سنوات ولكنني مُقنِعة!!!
يضحك… تحزن… لأن ضحكته تدلّ على أنه لم يقتنع… تأتي بحبّة شوكولا… تطعمه إياها بيديها… وتنتظر ثوانيَ… ثمّ تسأله: أليست لذيذة يا جدّي… يجيبها هذه المرّة بجدّيّة واضحة: صحيح… تفرح وتنهي الحوار بنشوة الانتصار…