قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا
الكاتب محمود عبد السلام الأفندي
دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية
الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21-22 /2015/2)

قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا

              الكاتب محمود عبد السلام الأفندي

دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية

الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21-22 /2015/2)

                               محمود عبد السلام الأفندي

الجسد الحديدي

لقد تم تغسيله وتكفينه وجاءت سيارة الدفن ..سمع صوتها !!هل أنا حيّ أم ميت ..؟؟
لقد استطاع أن يميّز كل وجوه الأشخاص استطاع أنم يسمعهم ,يراهم كما لم يكن من قبل
هل فتحت بصيرتي لا أعلم ..
تمت قيادته الى المقبرة ووضع الى جانب القبر
يشعر بقوة في جسده لم يعهدها يحس أنه أقوى من كل المجتمعين لكنه لا يستطيع البوح بذلك
لقد تحولت الى حديد مفكر ..هكذا جاءه الشعور تحديدا
وضعوه الى جانب القبر تركوه وحيدا ذهبوا جميعا
استعاد ذكريات حياته من بداية وعيه الدنيوي الى هذه اللحظة كانت لمحة بصر ولكن قرر أن يكون فيما بقي غير ماكان عليه …هو الأن حديد مفكر سوف يفعل ويعمل وينجز ويترك الأثر الذي رغب ويرغي وسيرغب بالمزيد والمزيد ….
بدأ بتمزيق الكفن وتقطيعه رفع رأسه ..وجد الكثير من الأجداث الملقاة حوله بالمقبرة ..سارع لأقرب واحد بجانبه ساعده على تمزيق كفنه وجد أن جسده أيضا حديد ومفكر بدأ الجمع يكثر ويكثر ….
سارعوا بالركض وراء الناس الذين حملوهم الى المقابر قبل أن يتم تكفينهم أيضا ..
شعروا بأجسامهم الحديدة المفكرة تقودها عزيمة الروح التي ردها الله …هذه الروح هي جزء من الله وضعها فينا …لقد خناها أزمانا طويلة
لاخيانة بعد اليوم …لاخيانة بعد اليوم …
تسارعت خطوات الأجسام الحديدة المفكرة ذات الروح والعزيمة ..
نهض من فراشه وضع يده على جسده تلمسه هل تحول الى حديد …وجده كما عهده لحميا …لكن تفكيره أصبح حديديا جاءه الأحساس بذلك
تلك الرؤيا قد تغير الكون ..أنا تغيرت ..أعلنها صرخة مدوية

الشارقة 2013
………….

العرجة القوية

عشت معها أربعين عاماً أتحسس فيها ساقها بما تحمله من عرجة ملتوية تبدأ من تحت ركبتها لتستقر بقدمها ،مما يجعلها تميل ذات اليمين لتصلح من وضعها بميلة ذات اليسار .
لم أحبب يوماً- رغم رغبتي- أن أسألها عن تفاصيل ذلك الحادث الذي سبب لها تلك العرجة رغم جلسات الود والمصارحة التي أنعم بها معها حفاظاً مني على عدم نبش المشاعر المؤلمة ، وكنت أكتفي بما تحدثني به عن الحادثة التي سببت عرجتها، ووفاة والدي بينما كنت أنا أحتمي بأحشائها .
كانت تعطيني من الماضي دروساً ذارفة عبراتها على ما مضى متمسكة بصلابة بعرجتها على ما سيأتي من خير لنا أو لغيرنا باذن الله وفضله فلا فائدة عندها من إنسان بسلامة جسده أو وجود عاهة أو إعاقة تمنعه من تقديم الخير لمن حوله.
أذكر عندما كانت تحملني مع أغراضي المدرسية رغم صعوبة ذلك عليها لتقوم بإيصالي لمدرستي لتذهب هي لعملها مسرعة بتمايلها لتعود عند انتهاء دوامي لتعاود الكرّة كلّ يوم طيلة العام الدراسي.
كنت أحلم أن يكون لي قدرة على أن أشفيها من عرجتها بلمسة سحرية، كما كنت أشاهد في مسلسلات الكرتون و قد حاولت جاهداً بعدما كبرت البحث لها عن حلّ طبي إلا أنه لافائدة من ذلك .
منذ لحظات تم تكفينها وأجريت جميع الترتيبات اللازمة لمواراتها الثرى ، جسدها كاملٌ مع عرجتها.
في لحظة لحدها داخل أمنا الأرض شعرت أنني بدأت أعرج لأنني فقدت تلك العرجة القوية التي كانت تساندني بها طيلة حياتي .

…..
اللبنة الناقصة

كان عمري ستة أشهر تماماً عندما ألقي القبض على والدي بسبب انتسابه لحزب سياسي محظور .
لم أكن أعرف تلك الحقيقة حتى أصبح عمري عشر سنوات عندها شعرت بأنّ شيئاً ما تجمد في حلقي ووقف فيه، وما زلت أشعر بتلك الغصة بذات القوة حتى بعد مرور ثلاثين عاماً على تلك المعلومة المشؤومة .
مازال والدي حياً في فكر أمي ، وفي القيود الحكومية أيضاً، فهم لايعترفون بقتله وكذلك أمي لاتعترف بموته مما سبب لي مشاكل كثيرة لا زالت قائمة فمنها ما هو على صعيد الإرث منه ومن جدي لوالدي فهل هو ميت حتى أرثه ..؟ أم حي..؟ لتبقى أملاكه معلقة وكثير من أملاك من بقي من ورثة جدي لأن جدي توفي ووالدي ما يزال على قيد الحياة ورقيا .
وطبعاً أمي لاتقبل أدنى تلميح بالكلام عن ذلك لأنّ مال الدنيا عندها ليس أعظم من القهر الذي أصابها لحظة اعتقال والدي فجراً بتلك الطريقة الهمجية،فهي ماثلة أمامها ونوبات البكاء اللاارادي منها تجعلني أضحي بماله كله ، فأبي هو الطبيب الميسورالحال و المعروف في مدينته في ذلك الوقت .
أصبحت مهندساً مشهوراً في بلدي أقوم ببناء القرى السياحية والأبنية السكنية والمشاريع الضخمة ،ولكنني فشلت تماماً في وضع تللك اللبنة الناقصة في مكان ما داخل مشاعري وأحاسيسي تجاه ما حصل مع والدي ، نفسي التي أضيئت كلها بنور والدتي التي أفنت عمرها في تربية ابنها وحيدها منذ كان عمرها خمسة وعشرون عاماً وبقي مكان تلك اللبنة خاوياً تماماً ومعتماً ، باردا كلما وضعت أصابعي عليه وتحسسته.
في أحد أسفاري لتلك البلدان المتطورة جداً في الطب النفسي قال لي أحدهم بأن هناك طبيبا نفسيا عالمي الشهرة يُشفى على يديه أكثر الأمراض استعصاءً وتعنتاً .
اتصلت به وأخذت موعداً وفي الوقت المحدد كنت مستلقياً أمامه يحدثني وأخبره .

بعد عدة جلسات أحسست أنني والطبيب أصبحنا صديقين، وفي آخر جلسة لي مع صديقي قال لي :
لايمكن لأي شخص في الكون أن يضع مكان تلك اللبنة الشاغرة شيء لأن هذه اللبنة قد أزيلت بفعل الظلم وما يقضي عليه الظلم لايمكن أن يرممه أحد مطلقاً.
عند ذلك شعرت براحة نفسية كبيرة أنني إنسان طبيعي على الرغم من نقص تلك اللبنة.

…..

الماء المالح

لم تكن تتوقع وهي تقفز الى الماء من بين يدي الصياد أن الماء مختلف عما تعودت العيش فيه
فطوال عمرها تعرف أباها وأمها وأشقائها وجيرانها وأقربائها طيبون مخلصون محبون يسارعون بالسباحة لنجدتها كلما وقعت في ضيق أو ورطة مع غيرها من الأسماك …
والماء الذي ربيت فيه عذي حلوٌ صافي لا يشوبه أية .
حتى وقعت في شباك ذلك الصياد الذي تضاربت مشاعرها تجاهه بعدما رأته يمسك بذيلها وهي تفلت منه فلحمها ربي من حلال وكد وتعب …ملامح وجه الصياد تشي بتعبه وجشعه وسطوته وبطشه وحبه للقتل صيدا … أفلتت منه ظانة أنها انتهت من براثنه …
عندما غطست بالماء الجديد وفتحت فمها كان طعم الماء غير طعمه الذي تعودت عليه أخرجته من غلاصمها سريعا محاولة تغيير مجرى سيرها علّها تجد ماءا مختلفا عنه
لكن الطعم ذاته والملوحة بأت تزداد حاولت جاهدة أن تسبح بطريقة جنونية في محاولة للنجاة تمنت في تلك اللحظة أن تكون بقيت بيد ذلك الصياد وأن تكون عشاءا له ولأولاده ..ولكن لاتنفع الأمنيات …
عرفت حينها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة أنها رمت بنفسها بمصب مأواه النهر عند البحر وهو ماكان والدها يحذرها منه طيلة عمرها بأن لاتقترب من المصب لأنه سيجرفها للبحر والبحر بمائه المالح سوف يقتلها ..لكن ما حدث كان رغما عنها فهي فرت من موت الى موت تضاربت الأمور في رأسها وعاد شريط الذكريات تبخرت الأحلام والآمال التي كانت تريد تحقيقها ضاعت خططها في الحياة وهدرت ..استسلمت أخيرا للملوحة وبدأت تعب منها عبا حتى قتلت وطافت جثتها على السطح فرأها الصياد فتبسم ابتسامة صفراء وحمقاء ومد سيخه الحديدي وغرسه بقلبها وأعادها الى سطله الى جوار أسماك أخرى كان قد اصطادهم معها أول مرة ولم تكن لهم محاولة للنجاة ابدا والموت بالماء المالح