قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا
الكاتب محمود محمد أسد
دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية
الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21-22 /2015/2)

قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا
              الكاتب محمود محمد أسد
دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية
الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21-22 /2015/2)



بين يديه

قالت له : للموتِ طعمٌ جميل ولذيذ …
حاول مقاطعتها ، شَعَرَ بقسوة العبارة عليه لكنها استمرَّت قائلة : للموتِ شكل الأرجوان ، ورائحة اليانسون ، وشكل البنفسج..
توقّفتْ برهة … كان مشدوهاً وقد عمَّ صَمْتٌ مهيبٌ ، فالكراسي لم تشأ أن تتحرَّك والجدران استيقظت من غفوتها ، وصفحات الكتاب المرمي تثاءبت … ودبَّ صوتٌ رقيق كحفيف الأشجار .
قال لها : لحديثك طعمُ الموتِ ، وشكل الموت، من عينيك بوّابة العبور للحياة والحبِّ ومن شفتيك قطاف الكروم الصيفية ، شهقت … شهقت .. ارتمى القلم ، استيقظ الوجع والخوف وعيناها مسبلتان

=================

أغلى صوت

الناسُ في هرج و مرج. دخلتْ إلى البيوت حركة صاخبة..و إلى كلِّ مكان.. استوطنت كلَّ ساحةٍ. الشباب و الفتيات و الكبار. لمن ستعطي صوتك؟ أمرٌ يحدث و يغطِّي على كلِّ الأحداث. أستطيع القول: إنَّهُ جرف الناسَ للحديث و التعليق. المذيعون و المذيعات يلهثون وراء المواطنين لمعرفة آرائهم. هذه المرة لصوتهم قيمة و دور.. هذه المرة يرسِّخ الفنُّ مفهوم الديمقراطية بالصوتِ لا السوط.
لمن تعطي صوتك؟ أتعطيه لديانا أم لرويدا؟
تبرز الأسنان..تتطاول الأعناق..و تعلو الأصوات. الهاتف النقال خيرُ قادم و ملبٍّ لا يكفُّ عن الرنين. الأصوات تتسابق عبر الموجات الصوتية و عندما داهموه و هو جالِسٌ على جانب من سورٍ حجري، يقلِّب صحيفة إعلانية بحثاً عن عملٍ له. و كان مستغرقاً في إحصاء عددِ الباحثين عن وظائف لهم.. صفعه صوتُ مذيعةٍ رقيقٌ:
لِمَنْ تعطي صوتك يا أخ. لديانا أم لرويدا؟ فتَّشَ جيوبه، التفتَ حوله..قال لها: صوتي نسيته من قرنٍ و عندما يأتي أعطيه لزوجتي التي بحَّ صوتُها و هي تقولُ: مللتُكَ ملَلْتُ جلوسَك في البيت دون عمل..
ثم أردف: سأعطيه لمن أشاء شريطة أن يعادَ للآخرين..
=================
التلصُّص

كلُّ مَنْ يعرفه يقول: إنَّه فضوليٌّ، كثير غلبة. و لو سألتهم لماذا؟ أجابوك: إنَّه يريد أن يعرف الصغيرة و الكبيرة. زوجته تنفر من طباعه، أقرباؤه كذلك لا يريدون الاجتماعَ و هو بينهم. قرَّر هذه المرة أن يتلصَّص على صوت الريح و حركاته..في هذا اليوم سمعه يقول للموج الصاخب: بفضلي تُكسِّرُ الصخرَ و تُفتِّتُ الحجرَ و تعانق رمال الشاطئ. و في يوم آخر سمعه يقول بخيلاء و هو يرى الثمار اليافعة على الأغصان: لولا ريحي و حركتي ما كنت أيتها الثمار و ما كنتَ أيها الربيع الجميل.. و أدار ظهره و مضى.
رُحْتُ أفكِّرُ مليَّاً و أتساءَل: لماذا لا يدخل الريح إلى بيوتنا و نفوسنا؟
في اليوم التالي و مع رحيل آخر نجمة امتنع عني الهواء و الماء و الأولاد..

=================
المساواة
العصفور الجميلُ ، توقَّف عن الزقزقة و اللعب في قفصه الواسعِ الجميلِ الذي وضع على شرفة يُطلُّ منها على حديقة الأطفال . يراهم عن بعد فيزقزق لهم ، ويغنّي أعذب الأغاني ، فيفرح الأطفال و يهزجون له . يرتفع صوته من جديد . هو تعب وحزين لأن الحديقة خَلَتْ من الأطفال و تحوّلتْ إلى سوق … لكنه كان ينصت إلى حديث الزوجين . قال الزوج لزوجته : بدأت أكره عملي .. قالت له : و لمَ تكرهُهُ ؟ ما شاء الله ! مكتبك كبير و أنيق .. آذن – هاتف – سكرتيرة جميلة .. و لا أغار منها .. قال لها بعد تثاؤب و حركات لا إرادية : أشعر أنني عصفور في قفص . فلا أقدر على حركة . و لا أقدر على التصرّف. و لا أملك حق القول : لا … لا…. نظرتْ زوجته و قالت له : أنا في البيت مثل هذين العصفورين ، وأشارتْ بيدها

=================
المصلوب

أراد أن يقضي ليلته في منزله مع أولاده .. وجد نفسَه مصلوباً أمام الشاشة الصغيرة تململ . تضايق . نظر باسترخاء وهو يسمع الأغاني ، ويتابع البرامج . فلم يصح إلا على صوت زوجته : يبدو أننا لم نعجبك .. فقال لها وبتراخ : هل أنتِ تلفزيون ؟.

=================
أنت صغير

في كلِّ مرَّةٍ يسمع من والديه كلمةً واحدة. تزعجه و تجعله ينفر من الواقع المحيط به.. كثيراً ما سمعها.. أنتَ صغير اجلس في مكانك.. و كلَّما عرض عليهما شراء الخبز لسعته هذه الجملة.. أريد الذهاب إلى المسبح يأتيه الجواب سريعاً أنت صغيرٌ،
أريدُ السهرَ على التلفاز و مشاهدة الفلم الأسبوعي
اذهَبْ إلى فراشك فأنت صغير
صلب عوده و ما زال صغيراً. نبت شعرُ شاربيه و ذقنه و ما زال صغيراً. راح يتلصَّصُ على الخصوصيات و غرفة النوم، راقب حركات النساء و هو صغير، أخيراً اصطادوه مع ابنة الجيران في البيت.
ألا تخجل يا ولد..؟ لماذا عملْتَ هذا ألا تخجلُ من شاربيك؟.
هزَّ رأسه و هو يدير ظهره و يتمتم: ما زلْتُ صغيراً. ما زلْتُ صغيراً..

=================
إشاعة

انتشرَ الخبرُ بين الناس .. تناولوا الهمْسَ .. أخذوا الحيطة . لكن الخبر انتقل بشكل سريع ودقيق . ومع كلِّ مرة توضع عليه المقبّلات والبهارات . في البداية سمع أحدهم أنَّ ابنَ مسؤولٍ في المدينةَ مات بأسباب غامضة . وانتقل الخبرُ من الثاني الى الثالث وهو يقول : إنه وجد مقتولاً مع عشيقته الأجنبيةَ والثالثُ تبرع قائلاً : أرجوك ألا تذيع الخبرَ وما سمعته صحيح وجاءَني من مصدرٍ ثقة قال : إنَّهُ قتل عشيقته لأنها تخلَّتْ عنه لشابٍّ مدلَّلٍ آخر هَجَرَتْهُ وقتلها بمسدسه ثم أطلقَ رصاصة في رأسِهِ
في آخر الأسبوع عم الخبر وفي روايات مختلفة ولكن التلفاز انتقل الى المنصة الرئيسية في الملعبِ .. فإذا بابن المسؤولِ وقد أخذَ مكانَهُ مبتسماً .. راحَ يتابع المباراة بشغف . يعبِّرُ عن الفرح والفوز
وفي اليوم التالي قال أحدهم ثمَّ آخرُ وآخرُ : ليس هذا المقصود … هذا يشبهه وهو مستنسخ …

-استرخاء

أتعبته الكلمات والطلبات في البيت . أخذ لفافة من الدخان . فرك جبينه المقطب ، فارتسمت أمامه تلك المفارقات في حياته وحياة الآخرين . تناول لفافة ثانية . فوجد نفسه لا يستطيع حراكاً . فانسدت السبل في وجهه وأسلم نفسه للتفكير . لليأس والقنوط .. استرخى وهو رافع رجليه إلى الأعلى ..
=================

إحصاء

في جلسة هادئة حاول أن يحصي المقربين منه . فوضع فنجان القهوة أمامه . وأشعل سيكارة . بدأ الإحصاء . فكانت المحصلة أنه وحيدٌ وغريبٌ عما حوله . فلم يجد حوله سوى فنجان القهوة وقلة من الأصدقاء الذين اتفقت قيمهم مع قيمه . ثم قال : أمامي مهمة صعبة للحفاظ عليهم ..
=================

استجـواب
كان يصغي إليه ببصره و بصيرته و سمعه … و عيونُ المتحدِّثِ ترمقه ، و ترميه بسيلٍ من التهم الصامتة ٍ… ألم يتحدثوا عن فعالية لغة العيون ؟!
في سرِّهِ كان يقول مروان : ما الذي يضايقه منّيَ ؟ لا أعرف سرَّ هذه النظرات القاسية ترك جميع الحضور و لم يحوِّل عينيه عنّي … قال الدنيا بخير … التفت إلى الجميع و أردف : و الحمد لله المعامل منتجة و رابحة و من قال : إنّها خاسرة… ؟ و من عنده الدليل ؟
صفَّقَ له الحضور طويلاً … و هو يرفع رأسَهُ و ينظر إلى مروان تحديدا … قاطعه هاتفُهْ النقَّال … تناولَهُ . استمع الحضورُ إلى بعض ما كان يدور من حديثٍ … شاهدوا هزّات رأسِهِ الاسفنجية و حركات رأسِهِ و شدَّتهم ضحكته المجلجلة … تابع حديثه من جديد …
نحن نسعى لتوسيع و تنويع آلية العمل و التفكير الدنيا تتطّور … و لذلك سنفتح باباً للحوار عسى أن نتجاوز محنة معملنا … لكنَّنا نفتحه بإرادتنا و نغلقه بمشيئتنا. و أنتم إرادتكم من إرادتنا و مشيئتنا من مشيئتكم. ارتفعت الأكفَّ و اهتزَّت القاعةُ بالتصفيق بعد ساعات كان مروان يجيب عن سؤالين وردا في كتاب المدير : لماذا كنت نائماً أكثر الوقت ؟ و لماذا لم تصفِّق مطلقاً ….