قصص موسى رحوم عباس الشارقة
- فبراير 19, 2015
- 0
قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا
الكاتب موسى رحوم عباس
دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية
الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21-22 /2015/2)
قصص مشاركة في ملتقى حلب التاسع للقصَّة القصيرة جدًّا
الكاتب موسى رحوم عباس
دورة الوفاء إلى حلب من الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية
الساعة السابعة مساء أيام (19-20-21-22 /2015/2)
الدكتور موسى رحوم عباس
مـَـــــــــــــآلَات
قصص قصيرة جدا
الإهداء
سارة ، موسى ، ليما، أحفادي، هذا ما أبقيناه لكم من الوطن
1 – الإحصاء
بينما كان المذيع يعلن الانتصار وتوقُّف الأعمال الحربيَّة في بلاد كانت تعجُّ بالحياة، خلت الدروب من المارَّة، انصرف الحاج عبد الله لإحصاء ما تبقَّى من العائلة، محمد قضى تحت التعذيب، عقبة التحق مجاهدا في كتيبة أبي البراء، وابنه علي تناثرت أشلاؤه أثناء قصف البراميل، بينما قتل سعيد وهو يؤدي خدمة العلم – كما يطلق عليها هنا – استغل سمعو حفيده " المجنون" الفرصة، ليعد أصابعه بفرح شديد، لأنها كانت خمسة في كل يد، وحمودي الصغير منشغل تماما في عدِّ ألعابه وحبات العلكة، وعلى وجهه ابتسامة تشبه الصراخ! والعصافير ما فتئت تنقر الزجاج المشروخ في النافذة المقابلة دون كلل.
2 – مآلات
المقهى تضيع ملامحه تحت غيمة الدخان ورائحة العرق ولغط الزبن، وهو بين النوم والصحو المخاتل على طاولته الصغيرة، أصوات وصور تتدافع في رأسه المثقل بالخمر، هذا عبودي المرح وصاحب الصوت الجميل يؤدي وصلة لناظم الغزالي ، وهذا حسن الأعور الفسَّاد، واستحق اللقب، لأنه يتسبب لنا يوميا بالفلقة من المدرس، وهذا صاحب الشعر القصير الانتهازي، وهو استحق اللقب، لأنه يخفي طعامه حتى الفسحة الثانية مستغلا جوعنا، ليبعنا باللقمة أو بحبة "القضامة" بما نملك من فرنكات، عندما انقشع الدخان جزئيا، وبدأت ملامح شخوص المقهى تتضح، دوت قهقهته المعروفة، وتأرجح رأسه سخرية، عبودي صار الشيخ عبد الكريم إمام المسجد، وحسن الأعور هو العقيد حسن في الفرع 222، وصاحب الشعر القصير هو الحاج محسن تاجر الممنوعات الشهير، ومازال رأسه مثقلا بالخمر وسط غيمة تتشكل من جديد.
3 – جردة حساب
لأنَّه درس إدارة الأعمال والمحاسبة، كان يجري جردة حساب لكلِّ ما يعنُّ له، فيتحول الأمر إلى ربح وخسارة، كان الليل يحتضر، وحبات المطر تهمس على زجاج نافذته بما يشبه البكاء، ثلاثون، أربعون، خمسون، من السنين، رصد في دفتره الصغير عناوين ربما تعدل تلك الأرقام أو تزيد قليلا، الربح باللون الأخضر، الخسارة بالأحمر، عندما لاح الفجر، وبدأت أشعة الشمس تتسلل إلى دفتره العتيق، وغرفته الباردة وذلك الهدوء القاتل، يا للصدمة كان اللون الأحمر يغطي سطوره وصفحاته وعلامات الترقيم فيه، يا لها من جردة حساب!
4 – المُهَرِّب
لاحظ ضابط الجمارك ذو الشعر الأحمر والعينين الضيقتين ارتباكه، ورصد اختلاجات أصابعه، وتعرق جبينه، طلب إليه بأدب جمٍّ الانتظار ريثما يتفرغ له، كانت عيناه تمسحان المكان من الحدود شرقا إلى ذلك المدى الأزرق خلف البحر، وهو يراجع ما حفظه من مفردات إنكليزية من أيام الجامعة، تقدم منه الضابط وهو يقول: أخبرني ما الذي تخفيه أيها السيد فأنت لا تحمل سوى هذه الحقيبة الصغيرة ؟
أجابه بعد تردد: أخفي قليلا من تراب قريتي تحت أظافري، فإن أردت مصادرته عليك أن تقتلع أظافري كما فعلوا هنالك في المعتقل!
5 – الزنزانة
في اليوم الأول لي في المنفردة كان المكان باردا ورطبا ينز عفنا وقبحا، في آخر الليل بدأت الأصوات تصلني بعيدة وكأنها تخرج من بئر عميقة، ثمة بكاء وغناء وأنين يتسلل إلى أذني من بعيد، في الصباح أخذت قطعة من الحوَّار ورسمت على الجدار بابا كبيرا ونافذة تعلوها شمس مشرقة تزاحم كتابات حائلة، تركها أصحابها، وغادروا للموت غالبا، أو لزنزانات أخرى، في الأيام الألف التالية لم تعد الزنزانة منفردة، بل أصبحت سهلا فسيحا، وشاطئا جميلا، وقابلا لإضافة ما أريده وما أحتاجه فالطباشير والجدار كفيلان بكل ذلك.
6 – الكرسي الجبان
كانت المظاهرة تقترب، أصواتهم تبلغ عنان السماء، جنَّة، جنَّة ، جنة يا وطنَّا، هتاف يدوِّي، كنت أرتجف وأطوِّح بيديَّ من نافذتي المفتوحة، وأرفع صوتي محاولا الوصول به إلى مسامعهم، الرز والزهور تختلط على رؤوسهم، فترتفع الأصوات، من شارع المحطة صعودا إلى ساحة الصَّنم، رشقةٌ من الرصاص فجأة تنهال على جوقة المنشدين، يسقط ( مايك ) هذا اسمه الحركي، تشخص عيناه، ينبجس دمه شلالا، يحمله الرفاق، تقع عين أحدهم ، لا أعرفه، ليس من حيِّنا، عليَّ، يصرخ : جبان، تختبئ خلف النوافذ، كن رجلا وتعال معنا، كان الحشد يبتعد، والدم خيط من الاحمرار القاني، وأنا أحاول الاقتراب بالكرسي المدولب الذي لا يفارقني منذ سنتين، إلى النافذة، جبان، جبان ، والخيط الأحمر يمتد، ويمتد.
7 – سنة أولى (زعتري)
هي الليلة الأولى ، اندست في حضنه كطفلة تخاف السَّعلاة في حكايات الجدة، كان الدفء يتسرب كأغنية حزينة، قالت له: احك لي شيئا عن الحب، ولا تتوقف إذا غفوت، كانت الريح حصانا حرونا يحمحم مغضبا، وحبات المطر في أول الخريف موسيقا لمارش عسكري رتيب ، استمر في حديثه العاشق، بينما كان أنفها يغوص في صدره، والفراشات في الحلم تطوف حولها، الشارع، غرفة النوم، صوت الجارة أم وحيد، الباعة المتجولون، الرصاص ، هدير المروحية، من أنت أيها التافه؟ سأضعك في سابع سما، حتى الذباب الأزرق لن يعرف طريقك، مازالت الخيمة في (الزَّعتري) صامدة بوجه العاصفة، وما تزال تبحث في صدره عن الدفء.