هيّا إلى الإنسان، كرّموه وقدّروه وارحموه.

وصونوا دمّه وعِرضَه ومالَه وحرّيتَه. محمودعكام

 

 

 

 

 

إلى الباحثين عن حضارة الإسلام يبغونها واقعاً:

هيّا إلى الإنسان

كرّموه وقدّروه وارحموه.

وصونوا دمّه وعِرضَه ومالَه وحرّيتَه.

                         محمود

مقدمات البحث

أولاً- تعريفات للمتعاطفين((الإسلام والإنسان))

1- تعريف الإسلام وأعني به التعريف العام الشامل, وقد اخترتُ أن يكون على الشكل التالي:
الإسلام: دين سماوي يمثله القرآن المنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم) وأحاديث هذا النبي العظيم, وهما معاً يشكلان نصه الأصلي. هذا النص غطى كلً الإنسان فكان ((كاملاً)), وكلً الناس فكان((تاماً)). فما في الإنسان جانب إلا وله رصيد في هذا النص, من خلال فُهوم كامنةٍ فيه, واستنباطاتٍ محتملةِ الانبثاق عنه, يطالها أربابُها, وينالها طلابها, فالله تعالى يقول بتحدٍ وحثّ على التأكيد: (ما فرًطنا في الكتاب من شيء) الأنعام:38.

2- تعريف الإنسان:
هناك تعريفاتُ متعددةُ للإنسان, نذكر منها بعضها, ثم نذكر اختيارنا ورأينا.
فقد عرَفه بعضهم منطلقاً من المنطوقِ اللغوي لكلمة إنسان((مصدر أنِس)) على وزن عِرفان.وأنسُه في ظهوره, على عكس الجنَ الذي يقابله في ذلك, لأنه مُختف عن العيان, ولهذا ذُكر بالتقابل معه في آي القرآن:
(وما خلقتُ الجنَ والإنس إلا ليعبدون) الذاريات:56.
و(خلقَ الإنسانَ من صلصالٍ كالفخَار* وخلقَ الجانَ مِن مارجٍ مِن نار) الرحمن:14-15.
وقال آخرون في تعريفه, منطلقين من موقعه في الوجود ((الإنسان هو محور الوجود المشهود, ومنطلَق التكليف المعهود)).

أتحسبُ انك جِرمُ صغيرُ وفيك انطوى العالم الأكبر
وما اخترتُه ينطلق منه, أي من الإنسان نفسهِ, من سبره واستقراء رَسمه, على مدار الزمن الكافي لوضع حده, فهو:
الإنسان: كائنٌ حيٌ موجودٌ بالاضطرار, متميز عن بقية الكائنات الحية بآلية المعرفة, وقدرة الاختيار, أُهَل بهذا للتكليف, فكان الأولَ في النوع خلقاً ومكانةً من حيث التصنيف(1)

ثانياً- علاقة الإسلام بالإنسان:
لعلنا حين نذكر تعريف((الدِّين)) الذي هو جنسُ قريب في حدَ الإسلام ورسمه, تستبين لنا العلاقة جليةً, وسنزيدها وضوحاً بالمثال والدليل من القرآن.
فـ((الدِّين)): وفاءُ رمزي لدَينٍ ثبت في ذمة المخلوق الإنسان تجاه الخالق والإيجاد, وإسباغِ ما تميَز به على بقيَة المخلوقات من صفاتٍ(2): (ألم ترو أنَ الله سخَر لكم ما في السَموات وما في الأرض عليكم نعمَه ظاهرةً وباطنةً) لقمان:20.

غاية الإنسان:
مجملها((العبودية)), قال الله تعالى:
(وما خلقت الجنَ والإنس إلا ليعبدون) الذاريات:56.
والعبادة, التي هي غاية, تقوم على معرفة راسمة محدَدة, وإرادة فاعلة مجلَية, ودليل المعرفة الداعمة قوله تعالى:
(لا إله إلا الله) الصافات:35.
وبرهان الإرادة المجلية الفاعلة قول الله عزَ وجلَ:
(لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري) طه:14.
إذ العبادة معزولةً عن الإرادة عادةُ صرفة, وفعلة آلية لا قيمة لها في عالم التكليف.

ونفصَل في الغاية فنقول: يريد الإسلام أن يكون الإنسان:
((إنساناً)): تأهيلاً ووصفاً, ليعكس مسؤولية, فلا مسؤولية دون إنسان.
و((عبداً)): تحققاً ووصولاً, ينعكس عن معرفة ودراية.
و((خليفة)): وظيفةً وسعياً وقياماً, ينتج عن إعلان الحاكمية لله والولاء له.

وإذ نفصَل أكثر نقول: 1- الإنسان تأهيلاً ووصفاً:
فإن لم يكن إنساناً لم يحمل الأمانة, ولقد رُبِطت ((الأمانة بكونه إنساناً)):
(وحملها الإنسَان) الأحزاب:72.
أسندت إليه وهو موصوف بكونه إنساناً – إذ لم يقل: وحملها ابن آدم – دلّ ذلك على أن الإنسان هو من يتمتع بصفات التأهيل لحمل التكليف, فوجب أن نبحث عنه, ونحدده ونرسمه لنقايس عليه, ومن هنا تبرز ضرورة بحثنا هذا, حين أردناه عن ((الإنسان والإسلام)).

2- العبد تحققاً ووصولاً: والعبديّة غاية ما يمكن أن يصل إليه الإنسان, مادامت الغاية مِن خَلقه:
(وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون) الذاريات:56.
وهي التي تنعكس عن المعرفة وتنتج عنها, ولذلك فسّر ابن عباس رضي الله عنه قوله تعالى (ليعبدون) بـ ((ليعرفون)), إذ بحث عن (( اللازم)) و((الأساس)) للعبادة, التي هي مستلزَمٌ ومنعكَس وثمرةُ.

خاتمة وثمرات

أولاً- لِنحَمِ إنسان الإسلام, لأنه المبتغى, قبل أن نلتفت إلى حماية الطبيعة.
لِنَحمِ الإنسانَ من الشيطان في مظاهره المختلفة, قبل أن نلتفت إلى حماية الطبيعة.
ومن وساوس الإنسان الذي انفصل, إلحاد وعناداً, عن الرّحمن. ومنَ الإنسان الذي يمُعن في الخيال, ويختصر المجال, بردّ المسبّبَات إلى غير أسبابها القريبة, فيفقد الدافع لدى من يدعوه, حيال ما أبعده عن نظره ومتناوله, ويجعله ينظر إلى نفسه باحتقار لا يريده, فيبتعد ليبحث عمن يُشعره بالتقدير والاحترام, وإن كان ظاهراً.

وبعبارة أخرى:
لنَحمِ إنسان الإسلام, أو الذي قاربَ الإسلامَ, من عدو الإنسان, وهو الشيطان, ومن إنسانِ غير الإسلام, ومن إنسان الإسلام, حين يكون انتسابُه واتَصافه قائماً على نفاق, أو غباء!
لنحمِه من الصفات التي تتسلل إليه منه حال ارتداده
:
من الجهل؛ فهو عدوُ لدودُ.
ومن الكبِر؛ فداؤه مستطير.
ومن الانحراف؛ فشرُ أكيد.
ومن الظلم؛ فما أفظعه؟!

ولن يكون ذلك إلا بالتكليفِ الاعتقاديّ وفق الإسلام, والتكليفِ العمليّ والذي حضنّا عليه وألزمنَا به القرآنُ وحديثُ المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرتُه البادية للعيان, والتكليفِ الإحساني الرائع.
ولنردد مثالاً على ذلك آيات من الذكر الحكيم من سورة لقمان, فما أجملها منهاجاً, وما أعذبها كلاماً, يستقرُ في فؤاد الفطرة وكبد الصّبغة:

( يا بُنيّ لا تٌشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيمُ* ووصّينا الإنسان بوالديه حملته أمُه وهَناً على وَهن وفصالُه في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير* وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمُ فلا تُطعمهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتّبع سبيلَ من أناب إليّ ثمّ إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون* يا بُنيّ إِنّها إن تكُ مثقالَ حبّة من خَردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إنّ الله لطيفُ خبيرُ* يا بُنيّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم الأمور* ولا تُصغّر خدّك للناس ولا تمشِ في الأرض مَرَحاً إنّ الله لا يُحبُ كل مختالٍ فخور* واقصد في مَشيك واغضُض مِن صوتك إنّ أنكر الأصوات لَصَوتُ الحمير* ألم ترَوا أنّ الله سخّر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغَ عليكمِ نِعَمه ظاهرة وباطنة) لقمان:13-20.

ولنقرأ ما قاله الله تعالى:
(يا أيُها الإنسان ما غرّك بربك الكريم* الذي خلقك فسوّاك فعَدَلك* في أيّ صورة ما شاء ركّبك) الانفطار:6- 8.

أشكر الدكتور محمود عكام على ثقته التي أولاها لي بسماحه نشر مقتطفات أمن كتابه "الإسلام والإنسان" ختارها بنفسه؛ في موقعنا عالم نوح.

أعزائنا، قراءة مقتطفات من هذا الكتاب لا تغني عن اقتنائه وقراءته كاملاً. عالم نوح

العنوان: الإسلام والإنسان
الكاتب: الدكتور محمود عكام
الطبعة الثالثة: 1427هـ / 206
رقم الكتاب /75/
سورية، حلب، ص.ب: 8260. هـ:2117026. فاكس: 2112989
www.fusselat.com e-mail: info@fusselat.com
الملكية الأدبية والعلمية والفنية وجميع الحقوق محفوظة

دراسة تأصيلية تجديدية لمفهوم الإنسان في المنظومة الفكرية الإسلامية توصيفاً وتوظيفاً، تُسهم مع مثيلات لها في إعادة الاعتبار إلى الإنسان في عالمنا المعاصر. فكيف يصف القرآن والسنة هذا الإنسان؟ وما الذي يريده الإسلا من الإنسان على مستوى الغاية وعلى مستوى الهدف؟ وما الطريقة إلى تحقيق هذه المطلوب؟

أسئلة يجيب عنها هذا الكتاب بتفصيل وتأصيل وتوثيق وتحقيق، مردداً ومؤكداً: لا غنى للإسلام عن الإنسان لأنه محلّه، ولا غنى للإنسان عن الإسلام لأنه سبيله، والمعادلة في النهاية: إنسان وإسلام يعني عطاءً نافعاً وسيادةً راحمة.          الناشر.

                             فصّلت
              الكلمة لبناء الإنسان وخدمة الوطن

فصّلت
للدراسة والترجمة والنشر