كتب الفنان التشكيلي عصام طنطاوي

الفنان التشكيلي عصام طنطاوي

من يأمل كثيراً بالآخرين هو إنسان لم يؤسس نفسه وحياته على أرضية صلبة .. هذا الذي ينهار سريعاً في أول خيبة أمل ، تلك الحالمة البلهاء التي تنتظر التفاتة من العاشق غير اللامبالي بها ، من يعتزل الدنيا ويموت كمداً لأن المعجزة لم تطرق بابه .. من لايعرف أن الحياة تسير غير عابئة بأي أحد ، وأن العمر أقصر من أزيز بعوضة تمر فرب رأسك .

كنّ أنت يارفيق الليل.. لاوقت لمثل هذا العبث .


اشتغلت في فن الإعلان لأكثر من ربع قرن من الزمن ، مع أنني كنت من يصنع الإعلانات والترويج للسلع والبنوك والمنتجات للشركات الكبرى فإنني أصدق الإعلانات بسهولة .. اليوم اشتريت منتج صيني اسمه " سن برست " ب 115 دينار لمنع الصلع الذي أخشاه أكثر من وجع الأسنان الذي لم أجربه في حياتي .. ولكن الإحتياط واجب ،
المهم .. قبل ساعات قليلة رشيت المنتج العجيب على المناطق المهددة بالصلع في رأسي ، والمدة المطلوبة للحصول على نتائج إيجابية هي ثلاثة شهور بمواظبة يومية ، بعد ثلاثة ساعات من التجربة الأولى كنت أذهب للمرآة كل نصف ساعة وأتحسس رأسي لأرى أن كان الشعر الجديد نبت أم لا ؟
لا أعرف مدى أهمية الشَعَر للنجاح في الحياة ؟ مع أن أصدقائي الأثرياء جداً شبه صلعان .

نتمتع في الأردن بحرية خاصة مميزة لنا .. هي ( حرية الزعيق ) .
بائع الخضار على البك اب من حقه أن يصرخ تحت نافذتك بكل أسماء الخضار المتوفرة في الصباح بدون إذن من إدارة ترخيص الزعيق الوطنية ، ومثله أيضاً تاجر الأنتيكا الذي يمر ثلاثة مرات من حولك لشراء زبالتك المعدنية بأقل من سعر البلاش بما فيها ثلاجتك التي لاتزال تعمل بصفتها كومة حديد لا أكثر ، ومن حق المواطن الأردني أن يزعق في الموبايل في مكان عام على دائرة بث تتعدى 100 متر بكل الإتجاهات .. فوقاني تحتاني ، وأيضاً من حق المثقفين لأسباب وطنية سياسية الزعيق في المفهى من أجل إصلاح أحوال الأمة .. وفي التلفزيون المحلي يزعق ضيوف البرنامج بل يكسرون الأثات على الملأ .. وفي مجلس النواب يزعق النائب بحجم دائرته الإنتخابية وعرض عشيرته .. كلنا نزعق بحرية يحسدنا عليها العالم والغرب الهاديء الجبان ..
في بيوت العزاء يقف رجل متجهم فجأة برتبة شيخ مرخص أو غير مرخص ، ويجحظنا بعنف ثم يبدأ بالزعيق علينا لنخرس ونطفيء السجائر وأننا لم نكن ننتبه لمثل هذا اليوم الجلل وأن المرحوم ترك الحياة والمال للقاء وجه ربه تعالى ، مع أنه لايعرف أن الفقيد ترك الفقر لعائلته ومستقبل أسود مثل حياته الفانية كلها .
الآن أسمع الصوت القبيح لتاجر الأنتيكا من سماعته . وكأنه يؤكد وجوده مجدداً ، وربما بمصادفة ما غير مقصودة أن حياتنا كلها صارت ( أنتيكا ) .