على ضفّةِ النهرِ كنت أجلسُ فوق عشبٍ ترعاهُ بهدوءٍ أصابعي فلا سماءَ أرقّعُها ولا شهوةٌ تأكلني.

25/1/2010  لأول معنا الفنان الشاب / الكاتب و الرسام / مجد كردية ، على أن يكون لنا لقاء كل أسبوع مع إحدى كتاباته، أملين أن تتواصلوا معه،

على ضفّةِ النهرِ:
على ضفّةِ النهرِ كنت أجلسُ فوق عشبٍ ترعاهُ بهدوءٍ أصابعي فلا سماءَ أرقّعُها ولا شهوةٌ تأكلني. والنهرُ يمشي على مهلٍ وأنا أفكّرُ على مهلي.
ومن الضفّةِ الأخرى كنت على حصاني أحدّقُ فيَّ مليّاً ولا أعرفني.
وقفتُ وصرختُ بذاكَ الفارسِ: ابتعد عن نهري، لا تعكّر بحوافرِ حصانكَ مياههُ ولا تُغرِنِي بحربٍ جديدةٍ مع نفسي.
ومن الضفّةِ الأخرى كنتُ على حصاني حائراً، لم هذا الأحمقُ يكلّمني، استدرتُ بالحصانِ نحو صحراءِ مملكتي وتركتُهُ يحصي أسماكهُ على مهلِ.
ولمّا مضى الفارِسُ استكنتُ لطمأنينةٍ سكنت فجأةً قلبي.
لمّا مضى الفارِسُ انحنيتُ لأشربَ الماءَ فإذا بهِ من داخِلِ الماءِ يشربني، هنيئاً لهُ، هنيئاً لي، لكن ليتني ما لمحتُهُ وما لمحني.

على ضفّةِ النهرِ كنتُ أجلِسُ بلا أسئلةٍ عن أيِّ شيءٍ فالفضولُ الطفوليُّ التهى بتمييزِ سلحفاةٍ عن حجر.
ومن ذاتِ الضفّةِ لم تأتي امرأةٌ لكنّي رغمَ ذلِكَ همستُ: أتت امرأةٌ وانتحرَ القمر.
هادِئاً، شارِداً، لا أعرِف العزف لأثقبَ قصبةً يثقبني صوتُها ولا النهرُ محتاجٌ لصوتٍ كلّما ملَّ نادى للمطرِ فانهمر.

على ضفّةِ النهرِ والأسماكُ غيرُ خائفةٍ وأنا غيرُ خائِفٍ منّي، وحّدتنا الطمأنينةُ فصرنا صمتاً واسِعاً بعيونٍ مفتوحةٍ للأبد.
على ضفّةِ النهرِ والنهرُ يمضي داخلَ أوردتي ودمي لكُثرةِ حمرتهِ انفرطَ كرمّانةٍ وهمد.
كنتُ أنسابُ بين ضلعوي كنهرٍ والنهرُ شاعرٌ شاهدَ قصيدةً حافيةً فسجد.
السماءُ شفّافةٌ فوق النهرِ بلا زرقةٍ حزينةٍ تذكّرني بالحنينِ إلى أحد.
وعلى الضفّةِ الأخرى كان الرُعاةُ يطيلون التأمُّلَ ليفرّقوا خِرافهم عن غيمِ السماءِ الذي كلّما هشّوا عليهِ ابيضَّ وركد.

على ضفّةِ النهرِ نهرٌ يسيرُ مُجبراً نحو بحرهِ و رجلٌ إن سارَ خطوةً بعيداً عن نهرهِ مات.
ساهياً، لاهياً، لا أكترِثُ إن كان مُستقبلاً يمضي أو ماضِياً آت.
على ضفّةِ النهرِ نهرٌ يفِرُّ إليهِ رفُّ طيورٍ من طفولةٍ وحزنٍ كان اسمهُ فرات.